بما مضى أم لأمر فيك تجديد لسان حال الشاعر الفذ المتنبئ، وهو يندب حظه العاثر، وقد فقد وطنه وفقد مبتغاه في الامارة، فصار بين نارين. وطوت ثورة الانقاذ الوطني 22 عاماً بالتمام والكمال، وكانت في كل عام تعد احتفالاً عظيماً فيه عروض عسكرية بالساحة الخضراء، واحتفالات جماهيرية، وخُطب فيها إنجازات الثورة مع أناشيد واغانٍ تمدح الثورة وقادتها يقدمها شنان والفنان محمد بخيت وقيقم وغيرهم «عيد الثورة لا بد يعود تاني.. امريكا روسيا قد دنا عذابها.. يا أمريكان ليكم تدربنا». وتأتي هذه الذكرى والحكومة في حرج بالغ والسودان يمر بظروف بالغة التعقيد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فالجنوب صار دولة، وجنوب كردفان يحترق وأبيي سيحرسها جيش الحبشة تحت إمرة الأممالمتحدة والأمن الدولي وتحت الفصل السابع الذي يخول استعمال القوة العسكرية، وبالغ احد الاخوة قائلاً إن القوات القادمة فيها عدد كبير من الفلاشا الذين هاجروا الى اسرائيل، والبقية يرتدون الصليب، قلت له لا بأس طالما قبلت الحكومة بذلك، كما أن القوات تعمل بمقتضى التكليف وليس المعتقد او الدين، ولكني جاملته وأبديت مخاوفي!! وتأتي الذكرى ال «22» ولأول مرة الرئيس وبصحبته وزير شؤون الرئاسة ووزير الخارجية ووزير المالية ووزير الزراعة ووزير الكهرباء ووزير التعدين، بجانب مدير جهاز الأمن والاستخبارات ورجال المراسم، كلهم خارج البلاد في طائرة واحدة حبست انفاس الناس، جراء ما تعرضت له وهى في طريقها الى الصين، تصوروا لو أن مكروهاً حدث لا قدر الله ستكون كارثة تشبه كارثة سقوط طائرة الشهيد ابراهيم شمس الدين التي كانت تحمل كل قيادات القوات المسلحة، قادة الاسلحة حتى قائد السلاح الطبي. كيف يحدث هذا؟ إن قصة الطائرات في السودان تحتاج لدراسة وتحقيق، طائرة الشهيد الزبير وطائرة أحمد الرضي جابر والشهيد ابو قصيصة وموسي سيد أحمد. وتزامن سفر الرئيس مع سفر السيد النائب الاول الاستاذ علي عثمان الى غينيا ومعه عدد من المسؤولين، ثم سفر نافع علي نافع نائب الرئيس في المؤتمر الوطني والمستشار الى اثيوبيا، فهذه الوفود الرسمية خرجت في مهام معقدة يمر بها السودان اكبر من الاحتفال بعيد الانقاذ ال «22»، فزيارة الصين فيها تحدٍ للمحكمة الجنائية، وفيها ملاذ وحامٍ للحكومة في المحافل الدولية، وهى السند الخارجي الوحيد لمكانتها العالمية. أما زيارة د. نافع ففيها نزع فتيل الأزمة التي حركت المجتمع الدولي لما يحدث من قتال ونزوح في السودان ربما يصل مرتبة تهديد الأمن والسلم الدوليين، فجاء الفرج في الاتفاق الاطاري مع الحركة، الذي سمي نيفاشا «2». الإنقاذ والبداية والتوثيق: ٭ كثيرون كتبوا عن الإنقاذ وكسبها سلباً وايجاباً امثال د. حسن مكي، د. التيجاني عبد القادر، د. عبد الرحيم عمر «صراع الهوى والهوية» د. عبد الله محمد قسم السيد «الإنقاذ تأكل أباها.. صراع السلطة في السودان». د. سليمان حامد «الانتقال الى السلطة ودواعي الانشقاق- الترابي والانقاذ» ومقالات عديدة بالصحف والمجلات، ثم كان كتاب د. حيدر ابراهيم مركزاً في نقده على الحركة وشخوصها وآخرين، ولكن يظل كتاب الاستاذ المحبوب عبد السلام الحركة الاسلامية السودانية.. دائرة الضوء وخيوط الظلام (تأملات في العشرية الاولى لعهد الانقاذ)، هو الاشمل والاكمل من وجهة نظري، فهو رأى وسمع وكتب الوقائع والمحاضر، وكان قريباً من الشيخ الدكتور حسن الترابي، وكان حضوراً فاعلاً في اصعب المواقف والمواضيع. واصبت بالصدمة والدهشة من القرار الجائر الذي صدر بحق الكتاب وحظره، وحرمان اهل السودان من المعلومات القيمة التي جاد بها في اسلوب سلس وربط للاحداث بتسلسل دقيق، ولكنهم ما دروا ان الحظر كان له اثر ايجابي، حيث ذاع صيته وتناولته الوسائط الاعلامية، وعقدت ندوات نقد بشأنه، واحتل مكانة في المكتبة الالكترونية، إن حظر الكتاب يعبر عن انفعال وضيق أفق وسوء تقدير ينال من قدر صاحبه، وفي ذات الوقت يصب في رصيد الحملة المضادة لحكومة المؤتمر الوطني التي تضيق بالرأى الآخر والفكر والأدب كما قال الروائى الراحل المرحوم الطيب صالح «إن موقفي من هذا النظام معروف وقد رأيت منهم اعمالاً بدت لي منكرة فانكرتها، وكنت أحسب أن ذلك يحق لي كمواطن بلغ من العمر والتجربة، وما خفت موازينه في حب الوطن، ولكني كنت وإياهم كما قال ابو العلا المعري فيسمع مني سجع الحمام وأسمع منه زئير الأسد، أرجو ألا يكونوا هم أعظم شراً من الحجاج بن يوسف، وإن كان بعض ما فعلوا الى الآن اشبه بالحجاج» الى ان قال قولته التي سار بها الركبان «من أتى هؤلاء». يا سبحان الله ان قرار الحظر حرمنا حتى من دائرة الضوء، واقول كما قال د. صلاح البندر في تقديمه لكتاب د. احمد البدوي عن الطيب صالح يقول:(لا يستطيع كائن من كان أن يحظر الفكر والكلمة كما تحظر المخدرات)، صدقت وها هو الكتاب تربع بين رفوف اعظم مكتبات القاهرة. فكرة الانقلاب والتفويض: ٭ يقول الأستاذ المحجوب صفحة «96» (كان تفويض مجلس شورى الحركة الاسلامية ثم هيئة شورى الجبهة قد انتهى الى الامين العام الذي اختار ستة من كبار قادة الحركة الاسلامية وأعلامها المعروفين بسابقتهم وكسبهم القيادي المتصل مثل سبقهم القيادة الشرعية ذات التفويض، لاتخاذ القرار السياسي الذي ينقذ البلاد ويمكن للحركة الاسلامية، وبموجب ذلك التفويض الذي استصحب شورى الأجهزة الرسمية والشورى غير الرسمية التي تولاها الامين العام، كان قرار الانقلاب لاستلام السلطة). من هم قادة الانقلاب ٭ يقول:(أدى القسم ستة من قادة الحركة بالصف الاول للحركة الاسلامية امام الامين العام د. حسن الترابي، القسم على كتمان سر التغيير وأداء أماناتهم ورعاية عهد الحركة الاسلامية مهما اشتد عليهم في الابتلاء وهم: علي عثمان محمد طه، علي الحاج محمد، ياسين عمر الإمام، عوض أحمد الجاز، عبد الله حسن أحمد، إبراهيم محمد السنوسي). المقال القادم: من الذي أعد خطاب الثورة الأول، ومن حذف أهم فقرة فيه، كيف اختاروا مجلس الثورة، دور أفراد الحركة في التغيير والاعتقالات، من الذي كان يدير النظام خلف الكواليس لمدة شهر ويصدر المراسم الجمهورية؟ أخطر القرارات.