تحكي العرب عن رجل اسمه أبو علقمة من المتقعرين في اللغة واستعمال غريب الكلام واللفظ وحوشيه ووحشيه وسوقيه ومتوعره وعكره ومهجوره، قيل ان أبي علقمة هذا دخل على طبيب ذات مرة يشكو له مرضاً فقال: إني أكلت من لحوم هذه الجوازل فطسئتُ طسأة فأصابني وجع بين الوابلة إلى أدية العنق فلم يزل الربو وينمي حتى خالط الخلب فألمت له الشراسف فهل عندك دواء؟. قال الطبيب يجاريه وقد أدهشه الكلام وانشده له، خذ خربقاً وشلفقاً وشبرقاً فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه بماء الماء سيكون لك فيه الشفاء ان شاء الله!، قال أبو علقمة أعد عليّ ويحك فاني لم أفهم شيئاً، فقال الطبيب لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه وهل فهمت منك شيئاً مما قلت.. ولأننا أيضاً لم نفهم مقالة السيد مدير هيئة المساحة «المسّاح الأكبر» التي وصف فيها خريطة السودان الجديدة «المزعمطة والمشرشرة والمشرتمة» والمليئة بالنتوءات وكأنها مصابة بالبواسير بالجميلة والجذابة، وبدا لنا وصفه هذا حوشياً ووحشياً وغريباً ومعتكراً مثل وصف أبو علقمة للعلة التي ألمت به، ولهذا لم نجد ما نرد به على مدير هيئة المساحة أبلغ من رد الطبيب على أبي علقمة، بأن خذ خربقاً وشلفقاً وشبرقاً و»جلبقهما جيداً» ثم امسح برفق على عينيك عسى أن تصلح ذائقتك الفنية والجمالية التي أفسدتها السياسة، فليس في شكل الخريطة الجديدة قياساً بالقديمة أي مسحة جمال من الناحية الفنية والجمالية بل على العكس فانها تبدو غير جميلة وغير مريحة إن لم نقل قبيحة حتى بمقاييس علم الخرائط «الكاتوقرافي»، ولكن يبدو أن السيد مدير المساحة من فصيلة الانفصاليين وذلك حقه على كل حال، ولكن ليس من حقه أن يوطّن السياسة في موضع الجمال باضفاء الجاذبية والحلاوة على هذه الخريطة غير الجميلة شكلاً بكل المقاييس، ولو كان مدير المساحة قلل من تأثيرات الانفصال على ما تبقى من السودان في النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية الخ، ومجّد ومدح ذلك لكان له ما يريد، فذلك رأيه ووجهة نظره، أما أن يصف ما ليس جميلا بالجمال فذلك تعدٍ على حرمة الجمال لابد من التصدي له حتى لا يكون الأمر انفصال بلد وخراب ذائقة.. وعلى غير ما ذهب اليه مدير المساحة أجد نفسي على اتفاق تام مع زملاء أعزاء استبشعوا واستقبحوا شكل الخريطة الجديدة، منهم الفنان صاحب «الألوان» حسين خوجلي الذي وصفها قائلاً «تبدو لي خريطة السودان الجديد مثل الرجل المحترم «ود البلد» الذي سقط عنه سرواله فجأة في قلب السوق المركزي أو في ميدان الأممالمتحدة، والمشاغب الطاهر ساتي الذي وصفها ب «الجبون» وهو تنورة قصيرة كانت ترتديها الفتيات لم يعد لها وجود الآن، ولكن عزيزنا ساتي «بالغ شوية» حين ارجع تاريخ «الجبون» الى عهد حبوبته، ولو كان أرجعه لزمن أمه ربما صمتنا على مضض، فقد قرأت مرة للكاتبة الصحافية الجميلة منى سلمان وهي سيدة شابة قد تكبر ساتي قليلاً ولكن لن تكون في مقام أمه دعك من حبوبته، كتبت هذه السيدة المهتمة بالتراث ما يكشف أنها عاصرت وعايشت فترة التغني للجبون وأوردت مقطعاً يقول «يا حاجة طوِّلي الجبون ده، يا حاجة قصري الجبون ده» ومع هذا المقطع كانت الراقصات يخفضن أجسادهن الى الاسفل عند ذكر التقصير، ويرتفعن بها الى أعلا عند ذكر التطويل.. «جبون، سروال، كنفوس، رحط» المهم أن الخريطة الجديدة غير جميلة..