سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    images (21)    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولتان قابلتان للحياة
نشر في الصحافة يوم 09 - 07 - 2011

قال سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب الذي أصبح دولة مستقلة في هذا اليوم، إنهم حريصون على إقامة علاقات بعد الانفصال بالسودان الشمالي، إلى جانب التمسك بتنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل. مؤكداً تمسك حكومة الجنوب حتى بعد انفصاله بإكمال بنود الاتفاقية وبروتوكول منطقة أبيي.وينتظر من الدولة الجديدة المعلنة توا، ان تعمل مع الدولة الأم على الحفاظ على السلام وصون العلاقات إلى ما بعد تأريخ هذا اليوم، بالإضافة إلى تجاوز القضايا الكثيرة العالقة عبر الحوار، والحوار فقط. وهو ما يبحث العالم الان عن قسماته في اوجه القيادات من الجانبين حين تلمع اضواء الفلاشات لتسجيل اللحظات التاريخية، فسيل التصريحات التي اغرقت الميديا المحلية والعالمية من قبل كلا منهما، قبل هذا اليوم وبعده بخصوص ايمانهما القاطع بان الحوار هو السبيل الوحيد، لجعل شركاء الأمس «المتشاكسين»، جيران اليوم «الودودين» اضحت لا تقنع أحدا،ولا تصمد أمام نسمات الصباح.وهو ما يدعوا للتساؤل القلق حول ماذا سيحدث بعد هذا اليوم، فقد استمعنا اخيرا الى تصريحات الرئيس البشير الذي جدد حرص الحكومة في الشمال على أن تكون علاقاتها مع دولة الجنوب المقبلة من أميز العلاقات،وعلى العمل أن تظل العلاقات الخارجية مع كل دول العالم متطورة بما يحفظ سيادة الدولة وكرامة الشعب ومنفعته،وتعهد البشير بمعالجة كل القضايا العالقة بين شمال وجنوب السودان ومنها قضية أبيي والحدود والديون الخارجية، وقال قبل بضعة ايام من «يوم الانفصال»:نحن نسعى لأن تكون علاقاتنا مع دولة الجنوب من أنجح علاقاتنا الخارجية.وتقف تصريحات الرئيس البشير التي تدعوا للتفاؤل،فى مواجهة تصريحاته التي اطلقها قبل 48 ساعة من اللحظة، والتي سجل فيها تحذيراته لاهل الدولة الجديدة بان احفظوا حدودكم لاننا لن نقبل تدخلكم فى شؤوننا،لاننا لن نتدخل فى شؤونكم. ومن قبلها تصريحات الفريق اول سلفاكير التي تتارجح ما بين سخونة الاستواء،ورطوبته. واسئلة القلق تقف على قوائم من ذهب «الترجي»الذي طال على مواطني الشمال والجنوب، بأن يصبح هذا اليوم بمثابة صفحة جديدة بين ابناء الوطن الواحد الذي رسمت له المقادير خريطة الانقسام.فهل تصدق مجريات الاحداث فى الاعوام الستة الماضية، ما سعت قيادات البلدين الى بثه من تطمينات، وهل تدعم هذه المجريات حالة التفاؤل البائنة. فرغم ان انفصال الجنوب قد اعلن فى هذا اليوم التاسع من يوليو من العام 2011،فان العديد من القضايا الرئيسة التي وقعها الطرفان فى اتفاقية السلام الشامل عام 2005 لا تزال من دون حل، ورغم الجهود المبذولة لتشجيع الأطراف للتوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم الموارد والمواطنة ومسائل اخرى ستحدد مستقبل العلاقة بين السودان الجنوبي والشمالي، فان الخلاف لازال محتدما حول ابيي التي تنتظر وصول القوات الاثيوبية،ولازال القتال مستمرا في جنوب كردفان، فى الوقت الذي قوضت فيه جهود التهدئة ومساعي وقف الاعمال العدائية، فى اديس ابابا وفى جبال كادقلي على حد السواء. وعلى البعد ينطلق المجتمع الاقليمي والدولي من تفاؤل اخر بان يتضح للسودانيين عدم إمكانية تفويت الفرصة التي يصفها بالتاريخية لبدء فصل جديد في تاريخ السودان يتسم بالسلام والازدهار ويوثق العلاقات بين الشمال والجنوب . وقد عقد المبعوث الامريكي الخاص برينستون ليمان بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الامريكية اجتماعا فى اليومين الماضيين مع ممثلين عن السلك الدبلوماسي في واشنطن،لحشد الدعم الدولي للسلام بين شمال السودان وجنوبه.وذكر البيان أن ليمان «دعا المجتمع الدولي للانضمام إلى الولايات المتحدة للتوضيح للسودانيين عدم امكانية تفويت الفرصة التاريخية لبدء فصل جديد في تاريخ السودان يتسم بالسلام والازدهار ويوثق العلاقات مع المجتمع الدولي»، واشار البيان إلى أن ليمان طلب من المجتمع الدولي التوحد لتشجيع الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان على حل القضايا العالقة بينهم وإرساء الأساس لدولتين قابلتين للحياة تعيشان معا بسلام».
سياسات الامر الواقع
يبدوا ان الامر الواقع، أصبح يفرض سياساته واساليبه على الجميع ، وفي هذه الحالة تحديدا على العناصر المتشددة فى الدولتين الجديدتين،فمن الواضح بحسب المراقبين أنه لم يعد من الممكن بالنسبة للحكومة السودانية فرض أي موقف سياسي أو قانوني على الدولة الجديدة فى الجنوب. فأي تصرف من هذا القبيل كما يشير المحلل فائز العنزي من شأنه أن يُوجد تعقيدات سياسية وأمنية هائلة، قد تفضي إلى العودة إلى الحرب الأهلية مرة أخرى، وهو أمر لا ترغبه الحكومة السودانية، ولا تستطيع مواجهة تبعاته السياسية والأمنية.ويمكن القول بازاء قضايا ما بعد الانفصال التي لم يتم حلها حتى الآن، أو في إطار ترتيب الأوضاع والعلاقات المستقبلية على مستوى الإطارين الإقليمي والدولي. فسوف تجد دولة الشمال نفسها مضطرة إلى إعادة صياغة كثير من معطياتها الدستورية والسياسية والاقتصادية بعد الانفصال، الأمر الذي سوف يجعل الخرطوم في خضم مواقف وتوازنات جديدة تريد أن تتحسب لها. ترتبط هذه التوازنات باستمرار أزمة دارفور، وضغوط الجنائية الدولية، بالإضافة إلى التحديات التي سوف تنجم عن إدارة العلاقة مع الدولة الجنوبية الجديدة التي تفتقد مقومات الدولة. سيؤدي ذلك إلى انكشاف هذه الدولة الجديدة بشكل كبير أمام أدوار إقليمية ودولية لها أجنداتها الخاصة، التي يحتل استهداف استقرار وتماسك دولة الشمال مساحة واضحة لدى بعض منها.وهنا يطرح العنزي عدة تساؤلات ترتبط بمستقبل القضايا العالقة بين الدولتين، فعلى سبيل المثال هل سوف يتوقف الأمر على إجراء عملية جراحية سلسة، ينفصل بموجبها جنوب السودان عن شماله؟ وهل سوف يتوقف تمزيق السودان عند فصل الجنوب عن الشمال؟، أم أن تلك العملية سوف تكون مجرد سابقة قابلة للتكرار في شرق السودان وغربه، لينفرط عقد السودان وتتكالب عليه القوى الإقليمية والدولية؟ ، ثم ان هناك قضايا بالغة الأهمية. يأتي على رأسها قضية أبيي التي تعتبر من أكثر هذه القضايا حرجا وحساسية، والتي ينذر الخلاف حولها بتحولها إلى ما يشبه وضع كشمير المتنازعة بين الهند وباكستان،ولذا فإن حسم موقف أبيي سوف يتأخر إلى فترة لاحقة. ثم أيضا تأجيل حسم قضية ترسيم الحدود، التي كان قد تم الانتهاء من 80% منها، وبقيت المناطق الأخرى محل الخلاف عالقة،وسيكتمل ترسيم الحدود التي يجب استئناف التفاوض حولها بعد الانفصال،ومن المعروف أن قضايا تبعية بعض حقول البترول المختلف عليها بين الشمال والجنوب ترتبط من الناحية العملية بترسيم الحدود. كما تم تأجيل حسم قضايا أخرى منصوص عليها في الاتفاقية، وتبرز جملة قضايا من شأنها تعكير صفو الفترة الانتقالية ومنها الخلافات حول الحدود، النزاع بشأن منطقة ابيى ، المناطق الخاصة، وهى النيل الازرق وجنوب كردفان، المسائل المتصلة بالجنسية والملكية والقضايا المتعلقة بالبترول والمياه والمسائل المتصلة بالقوات المشتركة المدمجة ومسألة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقضايا العملة والديون الخارجية والأصول.
مخاطر على الجنوب
ومما لا شك فيه، هناك العديد من المخاطر التي تترتب على انقسام السودان إلى دولتين تضر بهما معا. فعلى مستوى الدولة الناشئة، هناك العديد من المخاطر، والتي تتمثل في: أولا، تفقد نصيبها في البنيات الأساسية القائمة في الشمال والتي هي في ظل السودان الموحد ثروة مشتركة لكل القوميات والكيانات وهذا يلقي على عاتق الجنوب مهمة إنشاء مؤسسات أساسية جديدة سوف تتكلف مليارات الدولارات. ثانيا: تضاف هذه الدولة الناشئة إلى قائمة الدول المغلقة وبالتالي لا منفذ لها على البحار مما سوف يعوق اتصالها الخارجي خاصة بالعالم العربي، ويفقدها ولو جزئيا السوق المحلي لتسويق منتجاتها الزراعية الاستوائية. وهناك أيضا احتمالات بعد انتهاء فترة الفرحة بالانفصال أن يصبح الجنوب مسرحاً لحروب قبلية لا تكفل الاستقرار الذي ينشده الجنوب.
مشكلات على الحدود
وأخيرا أعطت سنوات الاضطراب والحرب الطويلة في جنوب السودان لدول الجوار الأخرى الفرصة في فرض واقع للحدود الدولية مع السودان، بشكل منفرد وبما يحقق مصالحها. ويشير محللنا السياسي الى ان هذا الحال ينطبق على كينيا،والتي ظلت تفرض حضورا إداريا بل وتصحبه قوات من الشرطة أحيانا في منطقة ايليمي الواقعة في مثلث الحدود الجنوبية الشرقية. ولا تخلو الحدود مع إثيوبيا من مثل هذه المشكلات التي ترتبط بمشكلات عرقية عابرة للحدود الدولية،إذ تنتشر قبائل النوير والأنواك على جانبي الحدود الدولية بين البلدين.وعلى الجانب الآخر فإن الأضرار التي تلحق بدولة شمال السودان لا تقل خطورة عن الأضرار التي تلحق بالجنوب، والتي تتمحور في أن الصراع الدائم والحروب التي تقع بين القبائل العربية والإفريقية على حدود مد كردفان ودارفور وبحر الغزال وأعالي النيل بسبب المراعي، فإن انفصل الجنوب سوف يزيد المشكلة تعقيدا حيث إنه لن يكون للقبائل الشمالية حق قانوني في المراعي الموجودة في الجنوب مما يعطي أسباباً للحروب قد لا تكون قبلية فحسب. كما أن الانفصال سوف يفقد شمال السودان الدور الكبير الذي يلعبه في تطوير مشروعات أعالي النيل المائية التي يتوقع أن تزيد من تدفق المياه في نهر النيل. وأخيرا، سوف يحجب انفصال الجنوب عن الشمال من الاتصال المباشر بشرق افريقيا.
لعنة النفط
أما الأضرار التي تلحق بالمصالح المشتركة للجنوب والشمال لا تقل خطورة عمّا سلف ذكره من أضرار تلحق بالإقليمين معا، والتي تتمثل في أن يعوق انفصال الجنوب الاستغلال الأمثل لحقول النفط المشتركة بين الشمال والجنوب، كما لا بد أن تثور بطريقة حادة مسألة النفط الذي تم استخراجه، من يتكفل بدفع النفقات وما هو مصير اتفاقيات التنقيب التي أبرمت مع شركات البترول. وثمة أمر آخر هو إعادة النظر في العلاقة التعاقدية مع الدول التي تشارك في صناعة البترول في السودان (ماليزيا والهند والصين) وفضلا عمّا تقدم فإن استخراج البترول يثير قضايا بيئية مهمة يجب معالجتها بين الشمال والجنوب سلميا وبالاتفاق، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، فإن ثمة مسائل مستقبلية شائكة أخرى يتعين النظر فيها مثل الديون الباهظة على السودان الموحد والاتفاقيات الدولية، ومصير النازحين من الجنوب إلى الشمال لا بد أن يفضي ترحيل النازحين إلى الجنوب إلى مآسٍ إنسانية، كما يكلف ترحيلهم أموالا طائلة ويؤدي إلى مشكلات عاتية بالنسبة للشمال والقبائل الجنوبية النازحة. ومن ناحية ثالثة، ما هو مصير العملة، هل يستبدل الجنوب العملة السودانية بعملة جنوبية وما هي الآثار الاقتصادية المترتبة على كل ذلك.ويجمل المحلل السياسي رمضان محمد قوج ابرز القضايا الاقتصادية العالقة بين الدولتين فى الشمال والجنوب،فى كيفية إدارة النفظ بعد إعلان الاستقلال وقضية الديون الخارجية المستحقة على السودان والعملة،مشيرا الى فشل الاجتماعات بين الطرفين (المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية) رغم انها ظلت فى حالة انعقاد دائم، حيث لم يتم التوصل حتى الآن لحلول جذرية لهذه القضايا الاقتصادية الهامة، رغم تصريحات الوفود الغادية والرائحة المتفائلة بين العواصم، ودون تقدم شيء يستحق الذكر حول هذه الملفات الاقتصادية.ويلفت رمضان الى ان الجانبين لم يتفقا حتى على وضع العاملين بشركات البترول ، حيث صرح وزير الدولة للبترول الى أن 90% من العاملين بشركات النفط سيقدمون استقالاتهم فى حالة إصرار حكومة الجنوب على نقل إدارة بترولها جنوباً، محذرا حكومة الجنوب الى المضي لإدخال شركات أمريكية بديلة عن الشركات الحالية، وقال ان هذا الأمر سيخلق لها مشكلات قانونية مع الصين والهند وماليزيا وقطع الوزير بحتمية تحويل الشراكة فى النفط بين الشمال والجنوب لمدة خمس سنوات على غرار ماحدث بين ماليزيا وأندونيسيا ،مضيفاً أن أغلب قادة حكومة جنوب السودان يتفقون معه فى الرأى عدا آخرين يغردون خارج السرب ... إلخ ، والوزير كما يرى رمضان ادلى بحديثه هذا وهو يعلم أن الأطراف تتفاوض وتتباحث فى ذات الامر بالجارة إثيوبيا حول هذه القضايا،فما يدعو لدهشة قوج هو حديث الوزير بثقة كاملة حول مستقبل عملية إدارة النفط بين الشمال والجنوب، وكأنه الشخص المسؤول عن نفط الجنوب حتى بعد انفصاله.معتبرا ان ما قاله الوزير حديث مستفز لمشاعرنهم كمواطنين جنوبيين،وكملاك للنفط الذى يتحدث عنه، وعن مصيره ومصير من يعمل بادارته وتصديره.
بنية الابتزاز
غير ان فى قلب حقوق دولة الشمال فى النفط التي تتفاوض عليها مع الجنوب،تقع انابيب التصدير والموانئ والمنشأت الاخرى كالمصافي والبنيات المساعدة ، وهي التي ينظر لها المراقبون الان على انها ستكون همزة للوصل بين الشمال والجنوب، ان لم تكن احدى محددات استقرار العلاقة بين البلدين، بفعل المصالح المباشرة المتبادلة ، وبفعل الوقائع التي تفرض علي الجانبين التعاون فى هذا المجال.ومنذ أن تم إستخراج النفط أقيمت هذه البنيات التحتية فى الشمال، كما يعتقد رمضان، حتى يتم إبتزاز الجنوب عند إجراء أى تفاوض حول النفط وكيفية إدارته.وهو ما يرى انه يحدث الأن «بالضبط»، معتبرا ان حديث وزير الدولة بوزارة النفط يدلل على ذلك .ويشدد قوج على أن هذه المنشآت أقيمت باموال يتم خصم قيمتها من إنتاج الجنوب من النفط، وهو ما يعنى أن ملكية هذه المنشآت النفطية - من خطوط أنابيب ومصافى تكرير النفط والغاز والمؤانى التى أنشئت بأموال البترول تعود لجنوب السودان وليس لصالح الشمال.
العائدات النفطية
ويركز المحلل السياسي رمضان قوج على ان الشمال استغل طيلة الفترة الانتقالية نفط الجنوب دون وجه حق ،واستفاد من خيراته.وعندما طلبت الحركة الشعبية فى الفترة الأولى من الفترة الإنتقالية أن تكون وزارة الطاقة ضمن حصتها، رفض المؤتمر الوطني ولولا تنازل الحركة الشعبية وقتها لعادت البلاد للحرب مرة أخرى . مشيرا الى ان الاتفاق تحدث عن قسمة العائدات النفطية فى الفترة الإنتقالية بالمناصفة بين الشمال والجنوب، فيما يأتى كلام الوزير الاخير لينسف اي استقرار قد يجلبه هذا المورد الى العلاقة بين الدولتين، لانه يتحدث عن لستمرارية القسمة الضيزى لخمس سنوات أخرى.وحذر رمضان من ان السيادة على النفط وعلى ادارته من الأمور السيادية التى تخص جنوب السودان دون غيره،فليس لأى دولة أخرى بعد التاسع من يوليو الحق فى الحديث عن بترول الجنوب، سوى دولة جنوب السودان وحكومة، للوزير الحق فى الحديث عن نفط الجنوب إذا كان الجنوب دولة تابعة لدولة الشمال أو دولة تحت الوصاية أو دولة ناقصة السيادة وبما أن الجنوب دولة كاملة السيادة فهذه الدولة ستكون لديها سيادة كاملة على ترابها الوطنى وخيراتها فوق الأرض وفى باطنها، ولايوجد ما يلزمها بالتعاون مع أى دولة سوى حريتها و إرادتها الخاصة.مشددا على ان بعد اعلان الدولة فلن ليهم الحق الكامل فى التعامل مع القاصى و الدانى بما يحفظ مصالح الجنوب السياسية والأمنية والإقتصادية.
الدور الامريكي في دعم الاستقرار
الا ان مستقبل العلاقة بين الدولتين فى الشمال والجنوب لن يظل رهنا للطريقة التي يتعاطى فيها سياسيو البلدين، وعلى الأخص بعد الانفصال. وان كانت دول الجوار الافريقي تبذل مساعيها عبر الادوات الاقليمية المتاحة، فانها تتحرك فقط فى حدود القوانين والاعراف غير المكتوبة التي تحكم تعاملاتها. ومن الجانب الاخر ينظر الراعي الامريكي الرئيس لاتفاق السلام الذي جعل هذه اللحظة الى التحديات التي ستواجه الدولتين الجديدتين بعد تاريخ اليوم بشكل متوجس، فقد وصف مدير برنامج معهد السلام الأمريكي الخاص بالشأن السوداني جون تيمين هذه الفترة بالعصيبة وقال الخبير بالشأن السوداني فى محاضرة ترجمتها الزميلة «سحر أحمد»إن السودان مر بفترة عصيبة عقب إجراء الاستفتاء على الرغم من أن الاستفتاء تم في ظروف سلمية ووصفه من قبل المراقبون بأنه ناجح، وأن الوضع الحالي بما يشهده من انتشار للعنف بالمناطق الحدودية بين الشمال والجنوب خاصة منطقة أبيي والمناطق الشمالية من ولاية جنوب كردفان بجانب ارتفاع وتيرة العنف بالجنوب ومنطقة دارفور لا يبشر بمستقبل مستقر بالشمال والجنوب، حيث ظل العنف لوقت طويل القاعدة وليس الاستثناء في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات الحاسمة بين الشمال والجنوب حول ترتيبات مابعد الاستفتاء بما في ذلك تقسيم عائدات النفط، الديون، والمواطنة والتي سيكون لها تأثير كبير على مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب عقب التاسع من يوليو الحالي. واضاف تيمن أنه كان من المؤمل أن يتوصل الطرفان لاتفاق حول القضايا الرئيسة قبل حلول التاسع من يوليو ولكن الوقت قصير وهنالك الكثير من الخلافات بين الشمال والجنوب، داعياً المجتمع الدولي للقيام بدوره في جعل الأطراف تركز جل اهتمامها في المفاوضات الحاسمة. وقال تيمين بشأن القضايا التي يمكنها إثارة التوترات بين الشمال والجنوب في الفترة المقبلة لا يوجد مؤشر واضح بشأن وصول المفاوضات التي تجري الآن لحلول حول قضايا ما بعد الاستفتاء والتوقعات المستقبلية لكلا الدولتين قبل التاسع من الشهر الحالي وتساءل بشأن الاتفاقيات المؤقتة الحالية التي وضعت لوقف العنف بكل من أبيي وجنوب كردفان وإمكانية تنفيذها خاصة وأن تاريخ السودان عرف الكثير من الاتفاقيات التي لم يتم تنفيذها على المدى الطويل، فيما شدد على أهمية الاستقرار الاقتصادي لكلا البلدين.وأشار تيمين إلى أن الشمال سيفقد نسبة كبيرة من عائداته نسبة لتضاؤل فرص حصوله على نفط الجنوب خاصة وأن 80 % من نفط السودان بالجنوب، لافتاً لأن الشمال سيناضل من أجل تعويض هذا الفقد بطرق أخرى، فيما يختص بالجنوب فإنه يعتمد كلياً في عائداته على النفط الذي يجب أن يصدر عبر مروره بأنابيب النفط ومصافي التكرير الموجودة بالشمال لذلك يجب على الجنوب السعي لتنويع عائداته الاقتصادية بعيداً عن البترول الأمر الذي يعتبر تحدياً للدولة الأقل نمواً في العالم - على حد تعبيره، معتبراً أن الفترة المقبلة ستمثل اختباراً لمدى صبر الشعبين في الشمال والجنوب نسبة للتحديات الاقتصادية المتوقعة.ثم مضى الخبير الامريكي لتفسير سر اهتمام بلاده بالسودان وأنها ستواصل اهتمامها بالدولتين عقب انفصال الجنوب. وقال الخبير الأمريكي أن السودان شماله وجنوبه سيظل من أولويات السياسة الأمريكية الخارجية فالسودان يتمتع بموقع حيوي واستراتيجي في منطقة متقلبة سياسياً خاصة بعد ما شهدته المنطقة من ثورات بكل من مصر وليبيا بالإضافة الى ان السودان يعتبر ثالث دولة إفريقية منتجة للنفط ويمتلك المزيد من النفط الذي لم يتم استغلاله بعد في الشمال والجنوب، ويتعين على المجتمع الدولي أن يتقارب مع أجزاء السودان المختلفة وأن يكون أكثر فاعلية وتأثيراً، مضيفاً أن السودان قد مر بحجم هائل من المعاناة خلال عقود من الزمان فالحرب بين الشمال والجنوب أدت لقتل (2) مليون شخص وحوالي (300) ألف آخرين قتلوا بدارفور، لافتاً لأن الولايات المتحدة لديها رغبة قوية في تقديم المساعدات الانسانية لدولتي السودان شماله وجنوبه من أجل تحقيق السلام الداخلي وأيضا مع بعضهما البعض. واللغة التي تتحدث بها امريكا كما نرى تتجاوز حساسيات الماضي بين الشعب الواحد الذي توزع على دولتين، وتتجه مباشرة الى ما يحقق لها مصالحها اولا بالمنطقة، ثم يحقق الاستقرار والسلام على الحدود التي ظلت مشتعلة منذ تمرد توريت 1955.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.