تعتبر الجنسية والديون الخارجية وقضايا المياه والاتفاقيات الدولية من ابرز القضايا العالقة التي تتطلب إعمال الحوار بين الشمال والجنوب حتي تصل اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب الي نهاياتها بصورة سلسة ترسخ للسلام المستدام بين الشمال والجنوب، وقد قدم الدكتور عبدالرحيم أحمد بلال الخبير الوطني والناشط في منظمات المجتمع المدني محاضرة امام منسوبي صحيفة «الصحافة» حول القضايا العالقة ودور المجتمع المدني، ولاهمية المحاضرة تعمد الصحافة في المساحة التالية الي نشرها لتعميم الفائدة : جاءت اتفاقية السلام الشامل 2005 وقد اُحيطت بسرية تامة فلم يشارك فيها الاعلام و المؤسسات العلمية والمجتمع المدني والرأي العام السوداني عامة وبالرغم من ذلك فقد وجدت قبولاً واسعاً بصرف النظر عن بعض النقد هنا وهناك لأنها أوقفت الحرب ونزيف الدماء. وفي نظر الكاتب أنها حددت الأسباب الجذرية للصراع في الجنوب في بروتوكول مشاكوس وهو عدم الاقتسام العادل للبترول والسلطة. انبثق من الاتفاق الدستور الانتقالي لعام 2005م الذي حكم السودان طوال الفترة الانتقالية التي لم تخل من مشاكسة بين الشريكين ثم جاءت الانتخابات في أبريل 2010 ثم الاستفتاء يناير 2011م وبالاستفتاء ارتبطت ماتسمي بالقضايا العالقة العشر التي وردت في قانون استفتاء شعب جنوب السودان ديسمبر 2009 في المادة 67 وهي: الجنسية ، العملة، الخدمة العامة، وضع الوحدات المدمجة والأمن الوطني والمخابرات . الاتفاقيات والمعاهدات الدولية . الاصول والديون ،حقول النفط وانتاجه وترحيله وتصديره. العقود والبيئة في حقول النفط ،المياه ، الملكية واية مسائل اخري يتفق عليها الطرفان. و كان للمانحين الأثر الأكبر والقدح المعلي في تحديد ايقاع الأحداث خاصة بالنسبة للمجتمع المدني السوداني الذي ظل يلهث حسب هذا الايقاع الذي وضع التمويل معلمه وكان هذا حال الاعلام بالرغم من أنه لم يقع تحت جبر التمويل وكانت مراحل هذا اللهث تقوم علي التعريف باتفاقية السلام ونشرها وكانت هناك جهود عظيمة في هذا المجال وولجت منظمات المجتمع المدني مجالات جديدة في عملها بعد أن كانت قد «تكاسلت» في نطاق المشاريع المحدودة مثل دراسات الجدوي، كتابة التقارير، المحاسبة، القيادة، المشاريع الصغيرة المدرة للدخل وبدأت الانتخابات تلوح في الأفق وجاء المانحون بهدف تثقيف الناخبين «Voters education» معلومات الناخبين «voters informations» والتثقيف المدني والذي رفضه البعض بحجة أنه معرض للتسييس ولكن وافق عليه بعض المانحين وكانت نتيجة ذلك ان احتدم الصراع و المنافسة الشريفة وغير الشريفة للحصول علي الموارد وأسست الشبكات وأهمها شمس ، تمام ، سوقد، وتوالت الاتهامات في أنانية وانتهازية لم يسبق لها مثيل في تاريخ المجتمع المدني السوداني الذي كان يتصف بانكار الذات والعمل الطوعي غير مدفوع الأجر ثم جاء التدريب في ميزانية الانتخابات وحُزمت الحقائب لمعرفة تجارب الدول الأخري بل وللمشاركة في مراقبة انتخابات في أقطار أخري ونُشرت الدلائل في الانتخابات وقد كانت مرحلة ثرة بالرغم من سوءاتها لكن غلب عليها الجانب الحركي وغاب فيها البعد الفكري وكيف يمكن أن يكون البعد الفكري حاضراً فاللهث وراء التمويل وكتابة مقترحات المشاريع والسفر في داخل السودان وخارجه والمنافسة الشريفة وغير الشريفة. داهم المجتمع المدني استفتاء شعب جنوب السودان فكان التعريف بالاستفتاء ولكن بما أن الاستفتاء هو لشعب جنوب السودان فقد خف اللهث والجري وراء التمويل ، وحين صوت شعب جنوب السودان للانفصال ظهرت أهمية القضايا العالقة وبدأت تنطلق التصريحات العنيفة بين جانبي نظام الحكم والتي وصلت الي درجة يمكن وصفها باللا انسانية المشمئزة و هدأت العاصفة وبدأت اللقاءات والكتابة الموضوعية ونُظمت ورش العمل والمؤتمرات لمناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء، وقُدمت أوراق قيمة أكدت علي ضرورة التعايش السلمي بين الدولتين. وهنا بدأ الاهتمام بمفهوم التعايش السلمي والسلام الاجتماعي واحترام سيادة الدول وعدم الاعتداء علي الدول وسلامة اراضيها وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والحرص علي المنافع المتبادلة . لقد اتضح أن القضايا العالقة قضايا متخصصة الي حد بعيد مما جعلها بعيدة عن متناول عامة منظمات المجتمع المدني ورعاية الصحفيين، وبدأت تتضح حقائق هامة وهي أن معالجة القضايا العالقة وحلولها ستؤثر علي العلاقة بين الدولتين ليس قبل الانفصال بل بعده بسنين وربما لعقود، في وقت لم يهتم فيه المانحون بهذه القضايا العالقة وكأنما كان همهم الوحيد الوصول الي الاستفتاء ثم الانفصال وظلت القضايا العالقة تُناقش وراء الدهاليز وخارج السودان. ان أهمية القضايا العالقة وحلولها هو الدافع لهذه المحاضرة والتي تهدف الي التعريف بالقضايا العالقة وأهمية القضايا العالقة للعلاقة بين الدولتين والمحاذير المرتبطة بها. لقد بات من الضروري أن يؤثر الرأي العام علي المفاوضين للوصول لحلول لمصلحة الشعبين تقوم علي مواقف واضحة لا تخضع للمساومات والمناورات. ولا تهدف المحاضرة لاتخاذ مواقف محددة بل عرض بعض المواقف التي بدأت تتبلور ويتبناها كتاب ومفكرون مثل الأستاذ محجوب محمد صالح وهيئات مختلفة مثلاً الهيئة القومية للوحدة الطوعية. وبالرغم من أن القضايا العالقة والتعريف بها لم يجد اهتماماً من المانحين كما كان الحال بالنسبة لاتفاقية السلام 2005م والانتخابات ، فقد ابدت مفوضية التقييم والتقدير اهتماماً بهذه القضايا العالقة ووعدت باستطلاع رأي المجتمع المدني لترفد به المفاوضين في أديس أبابا بعد أن حدد طرفا المفاوضات المحاور الأربعة للتفاوض والتي تسجل كل القضايا العالقة التي وردت في قانون استفتاء شعب جنوب السودان، وهنا يجب أن نضيف أن القضايا العالقة التي وردت في قانون استفتاء شعب جنوب السودان لا تشمل أبيي والمشورة الشعبية في جنوب كردفان والمحاور الأربعة هي: الجنسية ، الأمن ،القضايا المالية والاقتصادية ،قضايا الاتفاقات الدولية. وقد قامت شبكة تمكين النساء في جنوب السودان بالتعاون مع معهد الأمن الشامل بواشنطون تحت رعاية حكومة جنوب السودان بتنظيم مؤتمر بجوبا في الفترة 17-19 فبراير 2011م وتناول هذا المؤتمر القضايا الآتية من منظور أداة النوع الامن والموارد الطبيعية ، الجنسية ، الاتفاقيات الدولية القضايا العالقة. تشمل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومن اهم جوانبها اتفاقية فينا لخلافة الدول والمعاهدات لعام 1978، المعاهدات المودعة لدي الأممالمتحدة، العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. العهد الخاص بالقضاء علي جميع أشكال التمييز و علي الدولة الجديدة تقديم طلب للمنظمة لنيل عضويتها. ان هناك اتفاقيات دولية تتأثر بالانفصال منها اتفاقيات الحدود والطيران المدني والنقل البري والبحري والجوي. وهناك الاتفاقيات الاقليمية ومنها اتفاقية مياه النيل 1929، 1959، اتفاقية عنتبي «2010». 1- عضوية المنظمات الدولية والاقليمية تقديم طلب لخلف «دولة الجنوب» لوجود دولة السلف «السودان الشمالي». 2- سينسحب جنوب السودان من منظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية. 3- قد ينضم الي محكمة الجنايات الدولية واتفاقية سيداو بضغط من النساء الجنوبيات وعدم وجود معارضة لها. 4- اتفاقيات حقوق المستخرجين،، مثلاً اتفاقيات استمرار الصين في البترول. تحليل القضايا العالقة- الفاعلون فيها، ديناميكيتها لكل من القضايا العالقة عناصر داخلية خاصة بها تحكمها معادلات وعلاقات داخلية لكن تؤثر عليها عوامل خارجية ، مثلاً الاتفاقيات والعهود الدولية بجانب هذه الاتفاقيات الدولية هناك الفاعلون الخارجيون ومصالحهم وموازين القوي بينهم التي تؤثر علي هذه القضايا العالقة وحلولها. مثال علي ذلك حركة القبائل في الولايات الحدودية عبر الخط الحدودي الفاصل ببينها. ان العناصر الداخلية لهذه الحركة هي مجموعات القبائل وحيواناتهم المتحركة جنوباً بحثاً عن موارد المراعي والمياه في بداية فصل الصيف والقبائل الجنوبية في مناطق الموارد المذكورة. ان الاعلاميين جزء اصيل وشريك وواجبهم هو شرح وتوضيح القضايا العالقة من جانب عناصرها الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة عليها والخيارات المناسبة للتعامل معها وحلولها لتكون عاملاً ايجابياً في التعايش السلمي بين الدولتين. ان وجود الخبراء أمر حيوي خاصة المتخصصين منهم في كافة المجالات لكشف العناصر الداخلية للقضايا العالقة للمفاوضين وامكانية التأثير الايجابي عليها بتوظيف معرفتهم وتحليلهم الموضوعي والخبرات الدولية. ويذهب التعامل مع القضايا العالقة الي الكشف عن عناصرها والعوامل المؤثرة فيها ليتناول العلاقة بين هذه القضايا مثلاً قضية الديون واقتسام الأصول أو حل قضية الحدود لتكون حدودا مرنة أو صلبة تخضع لاجراءات طويلة وعقيمة مما يجعل حركة سكان التماس علي الحدود صعبة فتقف حائلاً أمام التمازج والتعامل الايجابي الذي يساهم في التعايش السلمي بين الدول والسلام الاجتماعي بين عناصرها وقد اخذ بهذا النهج عبد الرحيم حمدي في ورشة تداعيات الاستفتاء التي قدمت في الندوة السنوية لبنك فيصل الاسلامي، وتعتبر الورقة من أفضل ما قُدم في معالجة تداعيات الاستفتاء لأنها تتفادي التجزئة ،وتتناول عدة قضايا في نهج تكاملي وشامل. اذ يري حمدي بضرورة حسن الجوار بين الدولتين ما يتطلب من الدولتين وخاصة الطرف الأكبر والأكثر مسؤولية استمرار العلاقات الطيبة بينهما ويتمثل هذا في تحليله في أربعة محاور هي: الحدود .السكان . التعامل والتبادل الاقتصادي و الأمن. ومقارنة بين المحاور الأربعة التي حددها طرفا المفاوضات بمساعدة الميسرين وهي: الجنسية الأمن، القضايا الاقتصادية و الاتفاقيات الدولية، ان امر الحدود والسكان في تحليل حمدي لم تصل الي توافق وهي التي تحكم حركة السكان خاصة عبر الحدود. و يري أن التحرك الحر عبر الحدود الذي لا تحكمه قيود هجرية «بطاقة، جوازات، أذونات» والذي يسري علي حركة الطيران والطرق والنقل علي كامل التراب السوداني سابقاً شمالاً وجنوباً هو خير وسيلة لضمان الأمن ليس علي الحدود فحسب بل بين الدولتين . ويكمل حمدي هذا الاقتراح حول الحركة الحرة الفردية والجماعية بضرورة أن يتمتع كل السكان بالحريات الأربع . ثم يتبع حمدي ذلك بتناوله للتعامل الاقتصادي ويقترح اقامة اتحاد اقتصادي علي أن يجعل بين الدولتين منطقة اقتصادية واحدة وسوق واحدة يتم تبادل السلع والخدمات وانتقالها دون رسوم أو شروط ومنطقة جمركية واحدة ويقترح حمدي آلية لادارة شئون الاتحاد. وفيما يتعلق بالأمن يضيف حمدي أنه علي الدولتين تسريع تخفيض القوات لدي الطرفين والاستفادة من عائدات ذلك في التنمية وتحسين أحوال الناس. ويقترح حمدي السماح للقبائل الرعوية الشمالية دخول الجنوب دخولاً حراً كما كان في الدولة الموحدة يقابله السماح للجنوبيين في الشمال البقاء لسنوات «عشر سنوات مثلاً» علي أن تتخلي حكومة الجنوب عن جزء من عائدات النفط لرعاية هؤلاء الجنوبيين وتلتزم حكومة الشمال بدعم حكومة الجنوب بالكوادر والخبرات. في هذا السياق يعرض النهج التكاملي لدي حمدي يشير الي توصيات المنظمة الوطنية لدعم الوحدة الوطنية حول التعاون الاقتصادي بين الشمال والجنوب والتي تشمل ضرورة التكامل الاقتصادي بين البلدين ووجود كيان تشريعي لهذا التعاون اضافة الي التعاون الوثيق في مجال البترول واقتسام عائدات البترول حتي لا يتضرر الشمال من الانفصال مما يؤثر علي استقرار الجنوب. ان قضية البترول تشمل عناصر العائدات ، المنتفعين من العائدات والعاملين في مؤسساته، الأصول، الحقول،الاتفاقيات،ادارة البترول والتطور والتنمية.