تزينت حاضرة الجنوبجوبا بازهى حللها، واستقبلت ضيوفها أمس بالاهازيج والطبول والأكاليل والرقصات البكر، فكانت احتفالات جنوب السودان في يوم اعلان مولد دولته آية في البهاء، ولولا بعض الشوائب التي اعتذر عنها رئيس جمهورية جنوب السودان بقلة التجربة في اعداد الاحتفالات الكبيرة لكان الحفل آية في الكمال. امام ضريح قائد الحركة التاريخي جون قرنق ازدحمت الساحة المخصصة بما يفوق العدد المحدد لسعة الساحة وهو 10 آلاف شخص وكان ان رأى الناس لأول مرة من خلال شاشات التلفزة تجسيد الزعيم في تمثال عملاق يبدو فيه الراحل الكبير ممسكا بما يلوح انه كتاب السلام متوسطا ساحة الاحتفال التي اضئت منذ الثانية عشرة منتصف ليل الأول ولم تغادرها الحشود الغفيرة التى كانت تجوب شوارع جوبا وتعود اليها حتى اسفر صبح الاحتفال. العالم كله كان حاضرا: دول الجوار: ارتريا وكينيا ويوغندا واثيوبيا وافريقيا الوسطى ومصر والأمين العام المساعد للجامعة العربية محمد الخمليشى، ودول الغرب: امريكا وبريطانيا وفرنسا والنرويج وهولندا ووزيرة خارجية الاتحاد الاوربي كاثرين آشتون، ودول أخرى: الصين وروسيا وجنوب افريقيا والامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وقبل هذه الدول وتلك وقبل هؤلاء واولئك كانت القوى السياسية السودانية تزين السرادق، حزب الامة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية قطاع الشمال ورئيس السودان عمر حسن احمد البشير. عُزف النشيد الوطني ل»جمهورية السودان» كتحية أخيرة للوطن الأم قبيل الإعلان الرسمي للانفصال او الاستقلال. وقرأ رئيس برلمان جنوب السودان جيمس واني إيقا الإعلان الرسمي لاستقلال جمهورية جنوب السودان، وتم إنزال علم الحركة الشعبية لتحرير السودان من على تمثال الراحل جون قرنق ليرفعه الرئيس سلفاكير ميارديت على السارية بعد إنزال علم جمهورية السودان، وكانت اللفتة المذهلة من حكومة الجنوب ان قررت الاحتفاظ بالعلم باعتباره جزءا من تاريخ الجنوب ولن يتم تسليمه الى الشمال كما تسلم الدول المستعَمرة الدول المستعمرِة اعلامها وعددها. جاءت كلمات المتحدثين في الاحتفال معبرة عن روح الاخاء والرغبة في التعاون مع الدولة الوليدة، وافترع اللغة الودودة رئيس برلمان الجنوب ايقا حين قال ان جنوب السودان سيسعى «كأولوية استراتيجية» للانضمام الى الأممالمتحدة، والاتحاد الافريقي ومجموعة بلدان شرق افريقيا(إيقاد) وغيرها من المنظمات والمحافل الدولية، ليتلوه الرئيس الكيني مواي كيباكي معلنا اعتراف بلاده بجنوب دولة جارة وصديقة وقال إن بلاده تتطلع إلى التعاون والعمل مع الدولة الجديدة، ومن بعد أكد ممثل الجامعة العربية الأمين العام المساعد لشؤون الاعلام السفير محمد الخمليشي على الثقة في عزم قيادتي السودان وجنوب السودان ستفضي الى ارساء الشراكة من اجل الاستقرار والسلم في المنطقة بما يؤمن تعميق التعايش السلمي، ودعا الخمليشي الى تكريس مبادئ حسن الجوار وانهاء كافة مظاهر العنف وتجنب الخلافات والنزاعات ومعالجتها من خلال آليات التفاوض السلمي لخلق علاقات تقوم على دعائم الاخاء والتنمية والرفاه، وقال ان الجامعة العربية ملتزمة بتقديم كافة اشكال العون والدعم اللازم لاعادة البناء والاعمار بهدف تحقيق الاستقرار في الدولة الوليدة مشيرا الى ان الجامعة ستواصل جهودها لزيادة الاستثمار العربي في الجنوب فضلا عن حرصها على افضل اشكال التعاون مع دولة الجنوب وحث المجتمع الدولي على تضافر الجهود لتوفير الدعم والمساعدة لشعبي جنوب وشمال السودان من اجل تعزيز فرص التنمية وبناء القدرات.. اما ممثلة الولاياتالمتحدةالامريكية سوزان رايس فقالت مخاطبة المحتفلين (إن حكومتي ستقف إلى جانبكم وأنتم تبنون مؤسساتكم التي تجسّد حريتكم. سوف نقف معكم وأنتم تخطّون دستورا لكل السوادنيين الجنوبيين. وسنقف في صفكم وأنتم تهيئون الظروف للسلام الدائم والرخاء والعدالة. وسوف نعمل معكم وأنتم تضطلعون بالتزاماتكم كعضو كامل ومسؤول في المجتمع الدولي، إن المهمة جسيمة. والمسؤولية هي مسؤوليتكم. ولكنكم ما دمتم تسعون إلى إيجاد اتحاد أكثر كمالا، لن تكونوا وحدكم أبدا)، واعلن امين عام الأممالمتحدة بان كي مون ان الاممالمتحدة ستعترف بجنوب السودان رسميا في الايام القليلة المقبلة، مشيرا الى ان امام الدولة الفتية تحديات جدية سيتعيّن تجاوزها، مشيرا الى ضرورة ان تعمل قيادة الجنوب على دعم الديمقراطية وقيام مؤسسات قوية للدولة، وقال ان دولة الجنوب تمتلك امكانات واعدة وموارد تحتاج للاستغلال الامثل من اجل احداث النهضة المطلوبة. داعيا الشمال والجنوب الى حل القضايا العالقة في علاقاتهما وتعزيز التعاون بينهما واقامة علاقات الشراكة، مشيرا الى الروابط التاريخية بين البلدين. كما اشاد بتمسك الرئيس عمر البشير باتفاق السلام بين الشمال والجنوب. واستمر تقديم التهاني والامنيات الطيبة وابداء حسن النيات من جانب رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس غينيا الاستوائية رئيس الاتحاد الإفريقي الى ان جاء دور الرئيس عمر البشير الذي حرصت حكومة الجنوب على اكرام وفادته واظهار التقدير له بأن تقدم نائب رئيس الحكومة رياك مشار وتولى المنصة بدلا عن الامين العام للحركة الشعبية باقان أموم ليقدم البشير بنفسه مزجيا له الكثير من كلمات الشكر والتقدير على ما ظل يبذله من جهود قبل وبعد توقيع اتفاق السلام الشامل، ومن جهته لم يتردد البشير في اعلان ترحيبه ومساندته للدولة الوليدة مهنئاً شعب الجنوب بهذه المناسبة الكبيرة، وشدد البشير في كلمته على ضرورة احترام ارادة شعب جنوب السودان وان مشاركة وفد الشمال في المراسم الاحتفالية تؤكد تمسك الخرطوم بهذا المبدأ. وقال ان الشمال يفي الآن بوعوده التي قدمها الى حكومة الجنوب والحركة الشعبية، مؤكدا نية الخرطوم دعم الجنوب وتقديم العون اليه لينجح في بناء دولة قوية، ولم ينس البشير ان يعرب عن امله بان يكون حضوره لجوبا بداية لعهد الثقة المتبادلة والاحترام الذي سينهي الاقتتال ليتمكن البلدان من العمل سوية على مستقبل أفضل لهما، مشيرا الى المسؤولية المشتركة التي يتحملها الشمال والجنوب في اكمال العملية السياسية للتوصل الى اتفاق بشأن القضايا التي لا تزال عالقة من اجل احلال السلام وازالة التوتر. واضاف انه من المهم ارساء الامن على الحدود بين الدولتين، كما لم ينس ايضا ان يدعو الرئيس الامريكي باراك اوباما الى رفع العقوبات الاحادية الجانب المفروضة على السودان. رئيس جمهورية جنوب السودان ظهر في سمت المحتفل الأول القادر على اشاعة الفرح بين المشاركين له احتفاله من رؤساء وممثلي دول، والحريص على مشاركة الجنوبيين فرحتهم الخاصة كما يشاركونه فرحته الكبرى، ولفت الانظار بحضوره الذهني الذي امتص به لحظات التوتر التي اعقبت تعطل مكبرات الصوت اثناء تقديم نائبه لرئيس السودان، قال سلفاكير ببساطة معهودة فيه انهم يعتذرون عن الخلل الذي وقع لانهم لم ينظموا احتفالا كبيرا بهذا الحجم وان هذه أول مرة يفعلون ذلك، فكان ان اصطاد هدفين بعبارة، الأول انه لطّف الأجواء والثاني انه يعتبر الاحتفال لا مثيل له ولا أكبر منه، ثم ليأتي بعد ذلك ويعلن في كلمته عفوا عن كل من حمل السلاح في الجنوب داعيا حاملي السلاح في الجنوب الى فتح صحفة جديدة والعمل من اجل بناء امة جنوب السودان مشددا على ان الدولة الوليدة ستكون لكل أبناء الجنوب بمختلف أعراقهم، وظهر الرجل حريصا على وحدة الجنوبيين واتحادهم من اجل الغايات التي ناضلوا من اجلها جميعا وذلك حين اعتبر ان الاحتفال تتويج لتاريخ طويل من النضال من اجل الحرية واقامة دولة الجنوب المستقلة ، و يتذكر ويذكّر ميارديت ان تحديات جسيمة بانتظار هذه الدولة ويقول انها تحتاج لجهود ضخمة من ابناء الجنوب لعبورها، ومن اجل هذه الغية يتعهد ميارديت بمحاربة الفساد والتركيز على التنمية والعمل على جذب استثمارات خارجية لتحقيق الرفاه الاقتصادي وحشد الدعم الدولي الذي تحتاجه بلاده في المرحلة المقبلة، وبالطبع لم ينس ميارديت ان يبعث برسائل ترد التحية بأحسن منها الى شمال السودان والرئيس البشير وذلك حين ان الجنوب سيتعاون مع الشمال وسيكون خير جار وصديق له وسيعمل معه من اجل حلحلة القضايا العالقة.