بالرغم من الضائقة المعيشية التي يشتكي من وطأتها كثير من الناس وانعدام السيولة إلا أن كل من يمر بشارع الحرية هذه الأيام يلحظ أن أعداداً كبيرة من الثلاجات بمختلف أنواعها وأماكن نشأتها تخرج أو تدخل إلى المتاجر رغم أنف ارتفاع أسعارها البائن ولا تبرير ولا تفسير عند من يقدمون على شرائها وجذبها إلى منازلهم سوى ارتفاع درجات الحرارة التي لا سبيل من الفكاك من لهيبها وإطفاء نيران العطش بجرعات ماء بارد تخرج من بين أحشاء الثلاجات لا سيما بالعاصمة القومية . غير أن فئاتٍ كبيرة خارج الخرطوم تنأى عنها المدنية والحضارة فراسخَ وأميالا لا تجد سبيلا أو مجرد التفكير في خطب ود ثلاجة لجهة عدم توفر العامل الأساسي لتشغيلها إن غضضنا الطرف عن توفير ما تتطلبه من أموال كثيرة لا تفي بها دخولهم المتواضعة، فهذه الفئة من حسن تدبير الخالق ورأفته بهم لم يدعهم يقابلون لهيب حرارة الجو بلا شيء فقد هدتهم عقولهم وجادت قرائحهم بابتداع أساليب شتى لتبريد مياه الشريف وتلطيف درجة حرارتها ففكروا في صناعة الأزيار من الفخار وتفننوا في أحجامها وطريقة وضعها بالمنزل فهناك من يخصص لها مكانا أخذ اسمه منها (مزيرة)) وآخرون يضعونها تحت ظل الأشجار الوريفة على الأرض ومن يجعل لها حمالات من الحديد أو الطوب الأسمنتي ويحرصون على تغطيتها من الأتربة عبر طرق عدة هذا في حالة الحضر الذين يشاركون من طابعهم التجوال والترحال لهثا وراء توفير المرعى والمأكل لحيواناتهم في ابتداع ما يسمى القربة أو السعن عند البعض وكلاهما يصنع من جلود الماعز في غالب الأمر أو من جلود البقر، وفي هذه الحالة يكون أكبر حجما لذا يستعمله سائقو اللواري السفرية في المناطق النائية وأكثر ما يلفت في مياه الزير والقربة صفاؤها وشدة نقائها وخلوها من الرواسب إلا آخرها مع اقتراب نفادها هذا بجانب البرودة الفاترة التي تمتاز بها فلا ينفك المرء يطلب الاستزادة منها رغم بلوغه درجة الارتواء ومن اللطائف التي يشاع تردادها بين من يستعلمون الأزيار والقرب تسلية لأنفسهم أنها ثلاجة المساكين .