عرف البيت السوداني بمساحته الواسعة، وظل مفهوم الحوش راسخاً في المجتمع، بيد أن التحولات التي طالت الحياة السودانية امتدت لتشمل الحوش الذي لم يعد «حدادي مدادي»، لقد أدى التخطيط الحضري الى جعل كل المساحة المتاحة لا تتجاوز «400» متر مربع تشمل الغرف والحمامات والمطبخ، ولا تبقي للحوش في أحسن الأحوال إلا مائة متر مربع، ورغم ذلك ظل المجتمع السوداني متمسكاً ببعض إرثه القديم مثل النوم في الحوش وغيره. وفي السنوات الأخيرة برز البناء الرأسي في السودان بغرض السكن بصورة كبيرة غيرت شكل المدينة، وباتت نسبة معتبرة من الأسر تسكن في الشقق وتخلت تماماً عن إرثها القديم. «الصحافة» التقت بعدد من المواطنين للحديث عن البيت القديم ذي الحوش الرحب والشقة التي قوامها غرفتان او ثلاث، وأثر ذلك على الموروث الاجتماعي لأهل السودان. يقول سفيان محمد إنه يسكن في منزل أسرته بالخرطوم، والمنزل عبارة عن مبنى عادي له حوش. ومن خلال حديث سفيان اتضح أنه يستمتع بالحوش برغم تواضع مبنى المنزل، واشار الى ان الوضع الاقتصادي والتطور المعماري قد أدى لبروز عدد كبير من العمارات التي تحتوي على جملة من الشقق السكنية، وعما اذا سفيان يرغب في السكن باحدى الشقق قال إنه يعمل بالمثل القائل «مد رجولك قدر لحافك». وحول أثر السكن بالشقق على القيم والموروثات الاجتماعية لأهل السودان قال سفيان إن المباني لا تغير المبادئ والقيم التي تربى عليها الناس، مشيراً إلى الحكمة التي تقول إن من شبَّ على شيء شاب عليه، وأكد سفيان محمد أن التخلي عن العادات والتقاليد السودانية امر غير وارد. ومن جانبها قالت نازك محمد نور التي انتقلت مع أسرتها للسكن في إحدى البنايات الحديثة، إنها ظلت ولقرابة العشرين سنة تسكن مع أسرتها في بيت عادي من الطوب الأحمر. وبابتسامة عريضة قالت نازك «ربنا جاد علينا بالخيرات والنعم، وأولادي ساعدوني وبتنا نسكن في عمارة من أربعة طوابق». وأشارت نازك إلى انها افتقدت لمة الحوش وضحكات الأهل والإخوان. وأشارت إلى أنها واسرتها حرموا من الهواء النقي، اضافة الى الحياة البسيطة. وفي آخر جولتنا التقينا أخيراً بالعازة محمد سعيد «45 سنة» التي قالت إنها تسكن في إحدى المدن بالخرطوم منذ فترة طويلة في بيت من الطوب، ومنزلها محاط بعمارات وفلل ومبانٍ عالية من كل الجهات. ورغم ذلك فلا تشعر العازة بأي احساس بالندم كونها تسكن منزلاً عادياً، ماضية في القول إلى إنها سعيدة جداً بالبيت والحوش الواسع، مؤكدة أن لمة الحوش مع الأبناء والجيران تساوي فرحة كبيرة، واستبعدت العازة أن يتناسى أصحاب البيوت العالية الموروث الاجتماعي لأهل السودان.