كثيرة هي المخاطر التي تحيط بالوطن، ولعل أحداث جنوب كردفان وما يحدث في دارفور، والنيل الأزرق مع وقف التنفيذ، وسط تأكيدات من قيادة الدولة الجديدة بعدم نسيان المواطنين في هذه المناطق، تشكل جميعها بؤر رمال متحركة، العبور فوقها يحتاج إلى حنكة ودبلوماسية وتنازلات من الحزب الحاكم، قد تكون صعبة ولكنها ضرورية حتى يتم التعامل مع واقع ومتغيراتٍ كثيرة أعقبت التوقيع على نيفاشا، هذا بالإضافة إلى متغيرات أخرى تقتضيها ظروف المرحلة الراهنة والوضع السياسي المُتأزم، وإن كان الحزب قد استطاع تجاوز بعض هذه البؤر وهي ما يمكن أن نطلق عليها استحقاقات نيفاشا للدولة الوليدة، إلا أن هناك قضايا تحتاج إلى ذات الشجاعة التي خاض بها الحزب مفاوضات نيفاشا للتفاكر حولها مع الأحزاب الأخرى من أجل تحقيق استقرار سياسي يفضي لتداول سلمي للسلطة. وحتى يستطيع «المؤتمر الوطني» أن يحقق ذلك فهو في حاجة إلى إدارة حوار داخلي لإعادة ترتيب أوضاعه بما يجعله قابلاً لمسايرة الواقع السياسي الجديد، والترتيب الداخلي نقصد به أشياء كثيرة، فالشاهد أن الحزب يعاني ترهلاً في القيادات كل له تطلعات الوُصول إليها لا ينبغي أن يكون عبر التضحية بالآخر، فعلى سبيل المثال اتفاقية نيفاشا التي وقعها الحزب بعد مفاوضات قادها بعض أعضائه، هي في النهاية مسؤولية كل الحزب وليس الذين قادوا مفاوضاتها بما فيها اتفاق أديس أبابا الاطاري الأخير، والشاهد أن هؤلاء تعرضوا لحملة إعلامية ظالمة حمّلتهم نتيجة الانفصال، والسؤال لمصلحة من هذه الحملة ومن يقف خلفها؟ وربما لا يجد صدى التغيير قبولاً من بعض العناصر القيادية داخل الحزب، انطلاقا من رؤيتها في أن الوقت ما يزال مبكرا لفتح المجال أمام الأحزاب لممارسة حقها الديمقراطي والوصول للسلطة وفق برامج يُحتكم فيها إلى الشعب، وباعتقادنا أن تلك رؤية قاصرة، نظرا لأن السنوات التي قضاها الحزب في السلطة مكنته من تحقيق العديد من الانجازات جعلته يستقطب الكثير من القيادات السياسية حتى من الأحزاب الكبرى المنافسة هذا بالإضافة إلى جماهيره التي رأيناها في اللقاءات الجماهيرية وهذا رصيد شعبي يمكن للحزب الاعتماد عليه والعودة عن طريقه إلى تولي دفة الحكم مرة أخرى. وثمة نقطة أخرى أكثر أهمية وهي أن الحزب مطالب بأن يقدم من التنازلات ما يضمن كفالة ممارسة ديمقراطية حقيقية بعيدا عن تدخل السلطات أو قيادة الحزب فيها، وتحقيق هذا يستدعي إعادة النظر في الكثير من القوانين المنظمة لقواعد الممارسة الديمقراطية، وكفالة المزيد من حرية التعبير، حيث إن المساحة المتاحة حاليا في هذا الجانب لا تُعد كفايةً لمعرفة مواقع الرفض والقبول للأحزاب وسط الجماهير، كما أن المتغيرات طوال الفترة الماضية لابد وأن تكون قد ألقت بظلالها على مختلف القوى السياسية وقبل ذلك على المواطنين أنفسهم، وحتى تستطيع هذه الأحزاب أن تحقق قدراً من طموحها السياسي فإنها مطالبة بالتنازل عن شطحات الماضي وإعادة ترتيب أوضاعها بما يجعلها تؤدي دورها بفاعلية في الحفاظ على الديمقراطية مستفيدة من تجاربها السابقة، ولعل الاتفاق على ميثاق شرف للممارسة الديمقراطية انطلاقا من ثوابت الأمة وهويتها يشكل إطارا لممارسة ديمقراطية مبرأة من العيوب ترتضي الأحزاب فيها الاحتكام للشعب، وإن كانت هذه التجربة قد أثبتت فشلها في حماية الديمقراطية السابقة إلا أنها تشكل محاولة وقناعة حزبية في الارتضاء بالديمقراطية كنهج لإدارة الحكم. وأخيراً فإن واقع المشهد السياسي الآن يختلف عن سابقه، والحفاظ على الخريطة السودانية بشكلها الجديد يستدعي تضافر الجهود السياسية، والبناء والتنمية يحتاجان للاستقرار، وإطفاء نيران الحرب بفصل الجنوب لا يعني إيجاد جنوبا آخر والذين تحركهم دول خارجية ضد الوطن عليهم التأكد أن في الوطن متسع للجميع، وأن العنف لا يفضي إلا إلى مزيدٍ منه، وضريبة ذلك يدفعها المواطن تشرداً ونزوحاً، وإن كان صحيحاً أن ملفاتنا السياسية معقدة، إلا أنه ليس صعباً على قادتنا حل عقدتها، والوصول إلى ذلك لا يستدعي سوى أن ُيقبلَ الجميع إلى الحوار بصدر رحب ورؤية ثاقبة لبناء دولة رشيدة فيها الجميع متساوون. ٭صحفي مقيم بالسعودية