في يوم إنزال العلم السوداني بدولة الجنوب، كانت هنالك مبادرة تطوف شوارع الخرطوم لتوزع مليون علم مطبوعة على الأوراق. وقد تََمَّ توزيع تلك الأعلام كما تُوَزَّعُ إعلانات شركات الاتصالات ومعاهد الكمبيوتر، بل إن بعض الناس كانوا يحصلون على كرتونة كاملة بها مئات من الأعلام السودانية. وفي اليوم التالي كان تلاميذ المدارس يعبثون بتلك الأعلام الورقية لتتقاذفها الرياح في الأزقة والحواري ومصارف المياه، حيث تَمَّ تشييعها إلى مثواها الأخير. فهل هذا هو الوفاء للعلم؟ والسؤال مطروح على كُلِّ المؤسسات الحكومية التي ابتكرت ونَفَّذَتْ تلك المبادرة. ونحن نرى أن تلك المبادرة قد بَدَّدَت الملايين من الجنيهات، من غير أن تحقق هدفها المزعوم في الوفاء للعلم. فهل يعلم أهل تلك المبادرة أن كثيراً من تلاميذنا لا يعرفون من هو الذي صَمَّمَ علم البلاد؟ ومتى تَمَّ ذلك التصميم؟ بل إن غالبية مدارسنا الحكومية لا توجد بها أعلام ترفرف في سمائها. فلو كان أهل المبادرة يعلمون كُلَّ ذلك، فلماذا يصرفون أموالنا في أعلام من ورق؟ ولماذا لم يُحَدِّثوا تلاميذنا عن المُعَلِّمَةِ: السريرة مكي الصوفي التي صممت علم الاستقلال بألوانه الثلاثة «الأزرق والأصفر والأخضر» لترمز بها للنيل والصحراء والزراعة؟ ولماذا لم يُبَيِّنْ هؤلاء المبادرون لتلاميذنا أن حكومة مايو هي من قامت بتغيير ذلك العلم بعد أربعة عشر عاماً ليحل محله علم البلاد الحالي الذي صَمَّمَهُ عبد الرحمن أحمد الجعلي خريج كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان، والذي نال شرف تصميم العلم بعد أن تنافس مع واحدٍ وسبعين مُشاركاً، ليتم اعتماد علمه رمزاً للسودان في العشرين من مايو 1970م. لقد نجحت المبادرة في توزيع أعلامها المليون، إلا أنها فشلت في التعريف بعلم البلاد الذي مازال يرفرف مقلوباً في بعض المؤسسات الحكومية!!