ما يزال الاتفاق الذي أبرمه د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية مع الحركة الشعبية في اديس ابابا مؤخراً يراوح مكانه من حيث المقبولية، فالحركة الشعبية تواصل اتهام المؤتمر الوطني بالتملص من الاتفاقية فيما يرمي الاخير تصريحاته الغامضة هنا وهناك بخصوص الطرف الثالث الذي اقرته الاتفاقية ويعتبره خطأً استراتيجياً ومع ذلك لا تبدو في الافق اي علامات للرفض او القبول والضبابية هي سيدة الموقف ، وبغض النظر عن الكيفية التي تم بها التوقيع على الاتفاقية بواسطة احد صقور النظام وما جرته عليه تلك الخطوة من مشكلات فإن السؤال الجوهري حول الاوضاع ومستقبلها في ولاية جنوب كردفان سيظل قائماً يبحث عن اجابة حاسمة تزاوج بين تمنعات الحكومة المركزية وانفتاحات والي الولاية مولانا هارون على الآخر بحسب تصريحاته الاخيرة عن تكوين حكومة عريضة في ولاية جنوب كردفان . ان المعضلة الاساسية في اتفاقية اديس ابابا تكمن في كون الاتفاق جاء على الاقل بارادة سودانية رغم الوساطة والمساعي الحثيثة التي بذلها وما يزال يبذلها الرئيس الجنوب افريقي السابق ثابو مبيكي فمساعد الرئيس يمثل الحكومة وبالتالي تقع علي عاتق الحكومة مسؤولية تحمل تبعات الاتفاقية طالما ان الرجل مفوض وذهب على هذا الاساس ليلبي دعوة الوسيط الهادفة لايقاف اطلاق النار في المقام الاول ومن ثم الدفع بالتسوية السلمية للازمة في جنوب كردفان ، نعم اختلف الكثيرون مع الخطوة التي نفذها مساعد الرئيس ودفع ثمنها بحيث وقع في روعه انه لن يبادر بعدها اي مبادرة رغم توفر حسن النية وبالتالي خسرت الحكومة مصداقيتها تماماً امام المراقبين واصبحت تجسد صورة الطرف غير الراغب في السلام واذا قرأت هذه الحيثية مع بقية خطوات الحكومة تجاه الازمة في دارفور فإن صورة الحكومة ستظل مهزوزة على الدوام . ان الوقت هو وقت التسويات فاتفاقية نيفاشا انتهت ( انتهت اتفاقية نيفاشا ) ولم يعد بالامكان الاستمرار في الحكم على نهج ( حكومة الشريكين ) اللذين كانا يستمدان مشروعيتهما من نيفاشا وبالتالي لن يكون من الحكمة السير باتجاه تصعيد الاوضاع في المناطق المتأزمة وكأن المسائل لم تتغير بعد انفصال الجنوب ، ان الانفصال يفرض اوضاعاً جديدة لن تكون باي حال من الاحوال تحت قيد الفترة الماضية وسيتعين على الحكومة ادراك خصوصية المرحلة واتخاذ كافة الاجراءات والخطوات الكفيلة بالمحافظة على الاستقرار النسبي في البلاد قبل ان تستفحل الازمة ولو كنت المسؤول عن تشخيص مصلحة النظام لنصحت القيادة العليا للحكومة بالاعلان الفوري لحكومة انتقالية يشارك فيها الجميع ويتحملون عبء المرحلة الحرجة لسودان ما بعد الانفصال ، نعم الديكتاتورية لن تجدي ولن تصنع سلاما ولا استقرارا . وبداهة اذا عجزت الحكومة عن تحقيق السلام الشامل وفق رؤية قومية ووطنية في كافة المناطق المتأزمة فإن الحكمة تقتضي تحقيق السلام ب ( القطاعي ) واتفاقية اديس كانت محاولة متواضعة لايقاف تدهور الاوضاع نحو الهاوية واذا كان ثمة لوم يمكن ان نلقيه على البعض فإن البدء يجب ان يكون بأولئك الذين وافقوا على ادخال القوات الاجنبية في ابيي وبضغط دولي بحيث ينسحب الجيش منها ثم لا يعود اليها اصلاً مهما كانت الظروف ومستجدات الاحداث ، اذن من افضل حالاً الموقعون على التدخل العسكري الدولي ام الموقعون السودانيون مع بعضهم البعض ؟ انه سؤال نوجهه لاولئك المتهافتين الذين يغضبون اذا التقيى اهل السودان مع بعضهم البعض في طاولة مفاوضات ولا يغضبون اذا آلت بعض اجزاء البلاد للقيادة العسكرية الأجنبية .