يثور الجدل الآن، حول الدستور القادم وما سيكون عليه بعد انقضاء أجل الدستور الانتقالي الحالي الذي أفرزته اتفاقية نيفاشا، إذ خرج المؤتمر الوطني الحاكم في السودان بدعوته للقوى السياسية المشاركة في صياغة الدستور الجديد، وقطعه بعدم إقصاء أحد وإتاحته الفرصة كاملة للجميع بالمشاركة في هذه العملية. في ظل رفض من القوى السياسية المعارضة المشاركة في اعداد دستور لا تشارك فيه من الالف الى الياء، أي من لجانه التمهيدية ومراحل كتابته وحتى صياغته الاخيرة وكل ما يستلزم إقرار دستور جديد. هذا الجدل ربما بحسب مراقبين يشكل مدخلاً لحل أزمة الحكم في السودان ومن ثم جميع مشكلاته العالقة، الاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، مشيرين إلى أنه حال التوافق على دستور دائم من جميع أطياف القوى السياسية السودانية، وضمان مشاركة شعبية واسعة فإن ذلك سيسهم في دفع العملية السياسية برمتها؛ التي أصابها العجز، وأصبحت تراوح مكانها، لافتين إلى ضرورة انجازه بما يحفظ كيان الدولة السودانية من التشظي والتمزق والخلاف، منبهين إلى حتمية استصحاب الدستور الدائم أبعاد التنوع والتعدد والتباين كافة، للابتعاد عن أخطاء الماضي وخلق قطيعة مع أسباب النزاع في السودان، التي عددوها في عدم الاعتراف بالآخر، هيمنة ثقافة على أخريات، شكل الهوية، إحداث تنمية متوازنة، توزيع عادل للثروة والسلطة، وإرساء نظام حكم ديمقراطي يلبي تطلعات العيش في وطن يحفظ كرامة الجميع دون استثناء. وفي هذا الاتجاه، يقول القيادي بحزب المؤتمر الشعبي، وعضو البرلمان، الدكتور إسماعيل حسين، إن عدم جدية المؤتمر الوطني في وحدة التراب السوداني، ومن ثم فشله في الحفاظ على هذه الوحدة بالرغم من قوله حينما أتى للسلطة في 30/ يونيو/ 1989، بالمحافظة على وحدة الوطن وإنقاذه؛ بالاضافة إلى الوضع السياسي الراهن المأزوم والمعقد الذي تعيشه البلاد جراء سياسات المؤتمر الوطني الخاطئة، فإن حديثه عن إعداد دستور جديد وما إلى ذلك يعتبر حديثاً غير جدي، ويشدد حسين في حديثه «للصحافة» عبر الهاتف أمس، على انه ما لم يتح المؤتمر الوطني الفرصة للجميع في إعداد وصياغة الدستور الدائم، عبر مؤتمر جامع ووضع انتقالي يتداعى له الجميع وكتابته بكل شفافية وديمقراطية وطرحه على الشعب السوداني ليقول كلمته فيه؛ معدداً في سياق ذلك، جملة من النقاط يجب أن تُضمن في الدستور، مشيراً إلى أن السودان ما يزال بلداً متعدد الأعراق والثقافات ويجب ان يضمن نص صريح في الدستور يقول بهذا، لافتاً إلى ضرورة إتاحة الحريات في الدستور الجديد، ولا سيما حرية الصحافة حتى تضطلع بدورها باعتبارها سلطة رابعة تساعد في بناء السودان، إلى جانب استقلالية القضاء، وتحويل جهاز الامن الى جهة فنية تقوم بجمع وتحليل البيانات وفك ارتباطه والنأي به من التسييس، قائلاً بوجوب سيادة حكم القانون على الجميع، وبناء دولة جديدة تقوم على أساس المساواة، ملخصاً رؤية حزبه حول المشاركة في إعداد وصياغة الدستور الدائم، بضرورة توفر وضع جديد يوفر كل مطلوبات اعداد دستور جديد؛ مضيفاً أن فشل الإنقاذ في إدارة الشأن السوداني يحتم عليها إفساح المجال للقوى السياسية والشعب السوداني حتى يقرروا آلية وكيفية الحكم، منبهاً إلى ضرورة الاعتبار من أخطاء الماضي والحذر من تكرارها، مؤكداً أن انجاز دستور بهذه المواصفات من شأنه وضع السودان في عتبة البناء والتعمير. من جهتها، تذهب القيادية بالحركة الشعبية، قطاع الشمال، وعضو لجنة العدل والتشريع بالمجلس الوطني هويدا عبد الرحمن، إلى أن المؤتمر الوطني قطع الطريق أمام أية مشاركة فاعلة للقوى السياسية في إعداد وصياغة الدستور الدائم، بعكس ما يقوله من إنه سيشرك الجميع في إعداد وصياغة الدستور الدائم، لجهة تكوينه خمس لجان برئاسة خمسة من قياداته وعرضها على القيادة العليا داخل الحزب، ومن بينها لجنة إعداد وصياغة الدستور الجديد في إطار ما يسميه المؤتمر الوطني بالجمهورية الثانية، مشيرةً في المنحى ذاته إلى أنهم لن يشاركوا في إعداد وصياغة الدستور الدائم ما لم تحل المشكلات العالقة بينهم والمؤتمر الوطني، موضحةً في حديثها «للصحافة»، عبر الهاتف أمس أن قضاياً مناطق النيل الأزرق، وجنوب كردفان وأبيي تشكل أولوية بالنسبة لهم، وأشارت إلى أن دعوة المؤتمر الوطني لإعداد دستور دائم وجديد تعد استباقاً وتجاوزاً للوضع الحالي الذي يحفل بكثير من التعقيدات، منبهةً إلى ضرورة حسم القضايا كافة ومن ثم الحديث عن الدستور الدائم، لافتةً إلى ضرورة إنفاذ ما تبقى من بنود اتفاقية السلام بالرغم من أن الرئيس عمر البشير أغفل ذلك في خطابه الأسبوع قبل الماضي من داخل قبة البرلمان، قائلةً بأنه حال تجاوز هذه الخلافات العالقة والقفز إلى مرحلة جديدة، فإن رؤيتهم للدستور الدائم ستكون نابعة من كون أن السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات والديانات، وأن الدستور الدائم يجب أن يراعي كل تلك الأشياء، ويُضمن كل ما من شأنه تحقيق الوحدة بين مكونات الشعب السوداني كافة، داعيةً المؤتمر الوطني التخلي عن أنانيته بحسب تعبيرها وجعل مهمة بناء الوطن بيد الجميع لا بيده وحده. ولفتت عبد الرحمن إلى أنه إذا توفرت المصداقية السياسية لدى جميع القوى، ولا سيما المؤتمر الوطني فإنها ستكون، مدخلاً لبناء الدولة الثانية على حد قولها. من جهته ما فتئ المؤتمر الوطني يؤكد حرصه على مشاركة الجميع في المرحلة المقبلة في كل ما يتعلق بالحكم من دستور واعادة هيكلة للدولة وغير ذلك من قضايا مرتبطة بالسودان في مرحلة ما بعد انفصال الجنوب، حيث كان حزب المؤتمر الوطني دعا الأسبوع الماضي على لسان أمين إعلامه، بروفيسور، إبراهيم أحمد غندور، جميع القوى السياسية للمشاركة في إعداد وصياغة الدستور الدائم، مع تأكيده اتاحته الفرصة لها دون إقصاء، وقالت مصادر مقربة من المؤتمر الوطني ل «الصحافة» أمس، إن الدعوة التي قدمها المؤتمر الوطني للقوى السياسية، للمشاركة في إعداد وصياغة الدستور الدائم تعبر عن رؤية الحكومة والمؤتمر الوطني للمرحلة القادمة، سيما وحدة الصف الوطني وخلق إجماع من أجل الاضطلاع بقضايا الوطن والانتقال إلى مرحلة الجمهورية الثانية، عطفاً على المتغيرات التي شهدها السودان، وخصوصاً انفصال الجنوب في 9 يوليو الماضي، منبهةً إلى أن الدستور الدائم ضرورة تمليها أهمية المرحلة والتحديات الكبيرة التي يواجهها السودان، لافتةً إلى أن الدستور الدائم المنتظر سيسهم في عملية بناء الوطن واستقرار الحكم والتداول السلمي للسلطة، قائلة بعدم وجود اتجاه لاستبعاد وتهميش القوى السياسية في عملية صياغته وإعداده، وقالت: «الدستور سيعرض في استفتاء شعبي بكل نزاهة وشفافية ليقول الجميع كلمته فيه».