مضى الجنوب الى إدارة شؤونه الخاصة وترتيب بيته من الداخل ليثبت انه دوله قادرة على الحياة، وبدأ يرسم ملامح سياسته الخارجية مع دول الجوار والمجتمع الإقليمى والدولى، على مبدأ الإنفتاح على الآخرين وتبادل المصالح والمنافع، وتوقع كثير من المراقبين إزدهار العلاقة بين الدولتين الشمال والجنوب، بحيث يصبح الإنفصال بداية لعلاقة جديدة اساسها الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة لضمان حياة كريمة لشعب ظل موحداً لوقت طويل خاصة وان الواقع يفرض على الجانبين التعاون فى كثير من المجالات رغم الشقاق الذى حدث، فالأوضاع الداخلية لكل بلد تؤثر على الطرف الآخر بصورة او اخرى فى ظل التداخل السكانى والتمازج فى حدود مفتوحة بين الدولتين تعد الأطول فى افريقيا ما يتطلب جواراً آمناً لضمان استقرار البلدين. ظلت المناكفات صبغة دائمة اتسمت بها علاقة الشريكين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية قبل انشطار السودان الى دولتين، الآن ان اتفاقية السلام بوسطائها وشركائها كانوا دائما ما يسعون الى إعادة الطرفين الى مربع الحوار فى وقت لعبت فيه قيادات من الجانبين عرفت ب «الحمائم» ادواراً وفاقية لإحتواء الإحتكاكات بتصريحات مرنة تؤكد عمق العلاقة بين شركاء الحكم وان المحافظة على السلام هى الأهم، وعقب اعلان الإنفصال فى التاسع من يوليو ورغماً عن التصريحات الحادة لبعض المسؤولين من الدولتين بشأن القضايا العالقة ومستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، ظل البعض يراهن على ان مايجمع البلدين اكثر مما يفرق بينهما، وعول البعض على رئيس حكومة دولة جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت بمواقفه الواضحة ورسائله بين الفينة والاخرى والتى مضمونها بان الشمال والجنوب سيظلا فى حالة تعاون مشترك بما يضمن مصلحة الشعبين، الا ان تصريحات سلفا الأخيرة تعد مؤشراً غير ايجابي فى مستقبل العلاقة بين الدولتين خاصة وان الرجل عرف بحرصه على بناء علاقة ايجابية مع الشمال. وفى صورة توضح توتر العلاقات بين البلدين وبلهجة حادة جدد رئيس حكومة جمهورية جنوب السودان، سلفاكير ميارديت فى مخاطبته لقوات الجيش الشعبي بمنطقة «بيبام»، رفض بلاده القاطع الى اي اتجاه لتقاسم النفط مع الشمال، واكد ان حكومته ستدفع فقط رسوم استخدام انابيب النفط، وهدد سلفا، بوقف استخدام خطوط شمال السودان لنقل البترول، حال مطالبة الخرطوم باقتسام عائدات النفط وقال «اننا فقط سنستأجر خطوط الانابيب،وسنعطيهم الاموال مقابل ذلك وليست هناك مشكلة في ذلك،وهذا العرض اعلم انه غير مقبول لدى الشمال،ونحن اتفقنا على شئ واحد هو ان مسألة البترول يجب الا تعوق،واعلم ان الشمال يحتاج للبترول،لكننا ايضاً قاتلنا 21 عاما بدون بترول، ويمكننا ان نستمر بدونه ثلاث سنوات حتى ننشئ خطوط النقل الخاصة بنا»، وجاء ذلك فى وقت سلمت فيه حكومة السودان الوساطة الافريقية رسميا الرسم الذي حددته لعبور بترول دولة الجنوبالجديدة عبر الشمال بواقع (32.8) دولار للبرميل، بينما اعلنت حكومة جمهورية الجنوب التزامها بدفع رسوم العبور بعد التفاوض مع حكومة السودان، وتجدر الإشارة الى ان تقديرات رسوم العبور السنوية لبترول الجنوب عبر انابيب الشمال تبلغ (2.6) مليار دولار. وفى تصريح ل «الصحافة» أقر وزير الطاقة بالجنوب قرنق دينق ان من حق دولة الشمال سن رسوم عبور للبترول وقال «نحن لا نعترض عليها»، واشار الى انهم في انتظار الاتحاد الافريقي لاخطارهم رسميا بالرسم الذي حددته حكومة الشمال للعبور، وذكر دينق ان حكومة بلاده سبق وان اخطرت الشمال بعلمها بتحديد مبلغ (32.8) دولار للبرميل، لافتاً الى ان المبلغ سيخضع الى مزيدٍ من التفاوض بعد ان وصفه بالضخم ،واوضح دينق ان حكومة الجنوب اتفقت مع الشمال على تصدير النفط ومن ثم دفع الفاتورة ،واضاف ان وزارتي المالية والنفط في الخرطوم تعاونت معهم في تصدير النفط اول شحنة من البترول والمقدرة بمليون برميل لشهر يوليو، واشار الى ان هناك ثلاث شحنات تقدر بمايتجاوز الإثنين مليون برميل من المتوقع تصديرها عبر الشمال خلال الايام القادمة. ولم تقف تصريحات رئيس حكومة الجنوب الحادة عند البترول فحسب، وانما تعدتها الى قضية عالقة وحساسة لم تحسم بعد وظلت مسار خلاف وجدل بين الطرفين فى وقت يخشى فيه الكثيرون ان تجر مشكلة أبيى الدولتين الى دوامة الحرب والنزيف من جديد، وشدد سلفاكير فى خطابه الاخير لقواته على ان ابيي جنوبية وستعود في النهاية الى الجنوب، وقال ان «القوات المسلحة دخلت في مايو الماضي مدينة ابيي واحتلتها،ظنا منها اننا سنقوم بالرد وبالتالي يحرموننا من الاحتفال بالاستقلال في التاسع من يوليو»، وتابع «لكنني تجاهلت ذلك الهجوم ووجهت الجيش الشعبي بعدم الرد لاننا نعلم ماذا يريدون، والثابت لدينا ان ابيي تتبع لنا ، وابيي ستعود حتما يوما ما الى الجنوب». وفى المقابل بلهجة لا تختلف عن لهجة سلفا، قال رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر فى جلسة البرلمان الاخيرة ان ذهاب الجنوب خير للبلاد، واوضح ان الجنوب ظل يستنزف الخزينة العامة لمدة خمسين عاما دون مقابل وقال « كنا نتحمل اعاشة كل الجنوبيين من الخزينة العامة لمدة خمسين عاما دون عائد ولكن الآن كل ذلك وقف وسيضاف للناحية الايجابية لتقوية البلد وستوفر الموارد للشمال» ورداً على تهديدات سلفا بإيقاف تصدير النفط عبر انابيب الشمال اكد الطاهر ان الجنوب في حال تعطل تصدير البترول لن يكون له امل في البقاء. وفى حديثه ل «الصحافة» وصف المحلل السياسى دكتور حسن الساعورى تصريحات سلفا الاخيرة بشأن البترول بالمناورة السياسية، وقال قضية البترول واضحة خط الأنابيب شمالى، والبترول جنوبى وان المسألة برمتها تحتاج الى تعاون الطرفين، واوضح ان موقف الجنوب واضح وانهم سيتعاملوا مع حكومة الشمال عبر مبدأ الإيجار اى بمعنى «لن نعطيكم مقابل ايجار خط الأنابيب بترولاً وبدلاً من ذلك سندفع المقابل مالاً»، وقال الساعورى ان تصريحات سلفا لاتخرج من باب المناورات السياسية التى تسبق عادة التفاوض خاصة وان وفد حكومة الجنوب وصل الى الخرطوم بغرض التباحث بشأن البترول، واوضح الساعوى ان قضية البترول خياراتها محدودة اما الرجوع الى المعيار الدولى لقيمة ايجار الخطوط، واما بإتفاق الدولتين على صيغة محددة ترضى الطرفين، واضاف الساعورى ان الجنوب ينظر الى ان الشمال بحاجة الى بتروله فى هذا التوقيت تحديداً وانه يمر بحالة اقتصادية حرجة ويتعامل معه بهذا الفهم، وقال على الحكومة ان تبتعد عن المناورات والتصريحات فى البترول لان القضية تكمن فى تحديد قيمة الإيجار. واما بخصوص حديث رئيس حكومة الجنوب سلفاكير عن زبيى بأنها جنوبية قال الساعورى ان تصريحاته مجرد كلام لا معنى له واوضح ان بروتوكول مشاكوس واتفاقية السلام حسمت القضية واتت ببروتوكول يقضى بحل معضلة ابيى عبر الإستفتاء المزمع عقده فى المنطقة، واعتبر اى حديث غير ذلك مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة.