عندما يصبح الرصاص لغة التفاوض ويعلو صوت المدافع يحوم شيطان الحرب ليحجب الرؤيا امام الوصول الى اى تفاهمات تفضى الى مصلحة الجميع، رغم قناعة من يجلسون على طاولة الحوار ان الحرب ليست فى مصلحة أحد وانها لن تجلب سوى الخراب والدمار وان التعاون بين الأطراف هو الحل الوحيد لعبور الجسر المنهار، ويمضى قطار نيفاشا الى محطاته الاخيرة ويخشى الكثيرون ان يصل الى نهاياته من غير سلام يضمن استقرار الدولة الأم والاخرى الوليدة، فى ظل القضايا العالقة التى باتت حجر عثرة، خاصة «البترول» الشريان الذى يربط بين الشمال والجنوب والذى ظل نقطة خلاف بين الشريكين. وتأتى التصريحات والأخرى المضادة من قبل الشريكين لتعقد الأوضاع اكثر وتهز ميزان الثقة المفقود بين قادة المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، حيث اتهمت حكومة جوباالخرطوم بالتخطيط لاحتلال مناطق نفط الجنوب عقابا لها بسبب تصويت الجنوبيين للانفصال في وقت تواجه فيه المفاوضات حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء بين الطرفين صعوبات قد تفضي للفشل لتنسف الحوار الذى يجرى بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وفى خضم التناحر يبرق ضوء فى آخر النفق المظلم من خلال تصريحات وزير النفط لوال دينق يشدد فيها أن «النفط هو حلقة الوصل بين الشمال والجنوب، وأن مصلحة الجانبين تقتضي التعاون المشترك، وإبعاده عن محاولات التشويش التي يقودها البعض». ورغم تصريحات لوال الإيجابية فى مستقبل العلاقة بين الدولتين نجد وزير النفط بحكومة الجنوب قرنق دينق، يتهم الخرطوم بالعمل على احتلال مناطق النفط في جنوب السودان بعد أن قال ان المؤتمر الوطني يجهز للحرب بعد احتلال أبيي وجنوب كردفان وإعلانها بالنيل الأزرق للتمهيد للسيطرة على مناطق إنتاج النفط بولاية الوحدة» وأضاف «تريد الخرطوم خنق الجنوبيين وتجويعهم والتأكيد على خطأ اختيارهم للانفصال في الاستفتاء الماضي، مستنداً الى صحة حديثه بإغلاق الحدود بين الجنوب والشمال ووقف تدفق النفط والبضائع وخلق شعور عام لدى الجنوبيين بسوء الانفصال»، وتأتى تصريحات، الأمين العام للحركة الشعبية وزير السلام باقان أموم تساند ماذهب اليه وزير النفط بالجنوب قرنق دينق يطالب فيها بوقف بيع النفط عبر الخرطوم في الثامن من يوليو المقبل، وهدد أموم بتقديم شكوى رسمية للمجتمع الدولي حال استمرار الخرطوم في بيع النفط، ووصف أي تحرك لبيع النفط ب «القرصنة التي يجب أن تقف عند حدها» على حسب قوله. وكشفت مصادر مطلعة ل «الصحافة» أن مفاوضات أديس أبابا بالعاصمة الأثيوبية مازالت تواجه الكثير من الصعوبات خاصة قضايا النفط والعملة ما زالت المفاوضات فيها تراوح مكانها، وهو ما ينطبق على مسألة جنود الجيش الشعبي في النيل الأزرق وجنوب كردفان. وتبدو خارطة الطريق غير واضحة فى مستقبل العلاقة بين الدولتين فى ظل التناقض الذى تعيشه حكومة الجنوب نفسها خاصة فى ملف تصدير النفط عبر الشمال بعد التاسع من يوليو فى الوقت الذى أكد فيه وزير النفط لوال دينق استمرار نظام تسويق نفط الجنوب عبر الطرق المعمول بها إلى ما بعد التاسع من يوليو إلى حين التوصل إلى اتفاق، يتضح الانقسام بين قادة الدولة الوليدة فى تصريحات باقان التى تنادى بوقف تدفق البترول عبر الشمال بعد المفاصلة بالتزامن مع تصريحات وزير النفط لوال دينق، وكان أن أعلن لوال أن عائدات النفط ستذهب بعد التاسع من يوليو إلى حساب حكومة الجنوب في سيتي بانك بنيويورك، وذلك بعد دفع رسوم استخدام المنشآت النفطية الموجودة بالشمال، وقال لوال في مؤتمر صحافي بالخرطوم في حالة عدم التوصل إلى اتفاق سيتم تسويق نفط الجنوب عبر العطاءات. ويظهر الشقاق بين الشريكين فى التصريحات المضادة لوزير المالية الاتحادى بالشمال على محمود بعد ان قطع بان الحكومة السودانية لن تسمح للجنوب بتصدير بتروله بعد التاسع من يوليو القادم في حالة عدم الوصول إلى اتفاق حول استخدام انابيب النفط المملوكة لها، وقال محمود في مؤتمر صحفي إنه تم توجيه رسالة لحكومة جنوب السودان نعلمها فيها اننا لن نسمح لهم باستخدام خط انابيب النفط والمصفاة وميناء التصدير بعد التاسع من يوليو الا بعد الاتفاق على قيمة إيجار هذه البنية التحتية. وفى ظل التطورات التى يشهدها ملف النفط بين الشمال والجنوب نجد حكومة جوبا تتجه الى دول شرق افريقيا فى رسالة مضمونها الإستغناء عن خدمات الشمال ولو بعد حين، حيث اتفق رئيس حكومة الجنوب، سلفاكير ميارديت، والرئيس الكيني مواي كيباكي على انشاء ميناء لامو في كينيا بمساهمة من جنوب السودان وكينيا واثيوبيا ليكون ميناءً مشتركاً للتصدير والاستيراد لهذه الدول الثلاث، وقال الوزير بمكتب رئيس حكومة الجنوب سيرينو هيتنغ، ان الرئيسين ناقشا كيفية تنفيذ مشروع ربط جنوب السودان بكينيا عبر السكة حديد الى جانب عدد من القضايا المتعلقة بالعلاقات بين جنوب السودان وكينيا عقب اعلان استقلال جنوب السودان في يوليو المقبل، وفى مؤشر جديد للسياسية الخارجية للدولة الوليدة بعدم اعتمادها على الخرطوم يوضح شكل التعاون بين «دول الميناء الثلاثة» وذلك بعد ان وصلت الدفعة الاولى من الوقود والمواد الغذائية امس الاول من دول شرق افريقيا الى مدينة واو بغرب بحر الغزال عقب اغلاق الطريق أمام حركة البضائع من الشمال باتجاه الجنوب منذ نهاية الشهر الماضي، وقال وزير المالية بحكومة غرب بحرالغزال، موريس ييل أكول، لراديو «مرايا»، ان حكومة الولاية وقعت اتفاقا مع العديد من رجال الاعمال الاجانب لاستيراد الاحتياجات الاساسية للمواطنين من دول شرق افريقيا وسد الفجوة التي أحدثها اغلاق الطريق من الشمال. و حملت صحيفة «ستاندارد» الكينية تصريحات المستشار الخاص لرئيس حكومة الجنوب، كاستيلو قرنق ، أن الخطة الأساسية تقوم على ربط خط السكك الحديد الحالي في كينيا بموقع رونغاي، بعد ان تبنى له منصة للمستوعبات، مضيفاً انهم الآن بصدد دراسة مرفأ لامو، الذي يعتبر مرفأ مقترحاً ليصبح طريقاً بحرياً حيوياً لصادرات النفط الخام السودانية. وتجدر الإشارة الى ان مشروع خط السكة حديد الأفريقية الشرقية تقدر تكلفتها بنحو (7) مليارات دولار الى ان يصل جوبا بغولو وتورورو، قبل أن يتصل بخط سكك الحديد الكيني الأوغندي، وتقدر مسافته الإجمالية إلى 725 كلم. وبحسب موقع سودان تربيون ان شركة تويوتا تشوشو اليابانية اقترحت على المسؤولين الكينيين فى وقت سابق إنشاء خط أنابيب بطول 1400 كلم (870 ميلاً) لنقل النفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء لامو بكينيا على المحيط الهندي، وسبق ان طرح مسؤولو هيئة أنابيب النفط الكينية الفكرة لمسؤولي حكومة جنوب السودان ،بزعم ان الوضع الإقليمي لكينيا سيمنح جنوب السودان ميزة لا مثيل لها من حيث الوقت، وإنهاء الصفقات التجارية، وفي ذات السياق كشف مدير تنفيذي بالشركة اليابانية في عرض قدم للصحفيين بنيروبي ، ان أنبوب النفط سيكون بطاقة قدرها 450 ألف برميل في اليوم، وتبلغ تكلفة إنشائه 1.5 بليون دولار، وستقوم شركة تايوتا بعد عشرين عاماً من ملكيته بتسليمه للحكومتين الكينية وحكومة جنوب السودان. ويرى محللون من مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل أن الجنوب سيبحث عن ممر بديل لتقليل الاعتماد على الشمال، لذلك فتح جنوب السودان لكينيا فرصا لجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات في البنية التحتية والميزات المتاحة للاستثمارات الاجنبية لشرق أفريقيا. ويرى شريف التهامي وزيرالطاقة السابق ان الحديث حول هذا الامر لايعدو من كونه (نزوة سياسية) واصفاً ذلك بالحديث السياسي، وقال التهامى انه لا بد من النظرالى الجهات المعنية بسداد تكلفة انشاء الخطوط مبيناً ان المعادلة عادة تكون صعبة فى مثل هذه الامور، ووصف اتجاه حكومة الجنوب لانشاء خط موازٍ بالمغامرة خاصة فى ظل ارتفاع تكلفة انشاء الخطوط ولابد من وضع الحسابات قبل الشروع فى مثل هذا الامر. وبحسب آخر تقرير أصدرته المجموعة عن التأثير المحتمل لاستقلال جنوب السودان على الدول المجاورة فإن « كينيا تقف كمستفيدة أولى من الظهور فى السوق الجديد الواسع بجنوب السودان لأن البنى التحتية الرئيسية لهذا البلد فى حاجة إلى الانخراط تجاريا مع العالم ، بما في ذلك التأثير المحتمل من تصدير النفط الى الدول المجاورة عند استقلال الجنوب.