انتقلت فكرة تعيين حاكم عسكري لجنوب كردفان بديلا للوالي المنتخب أحمد محمد هارون من مجرد همس بين مجموعة من الناس، ومن احتمالات للحركة الشعبية إلى طرح ورؤية تبنتها قيادات معروفة بالمؤتمرالوطنى، فى شكل تسريبات للفكرة بما يعرف فى عالم السياسة ب«القريب فاين»، لجس نبض الشارع قبل إعلانه رسميا أو نفيه كليا، فالدولة من جانبها حتى الآن لم تنف أو تؤكد المعلومة كحقيقة أم فرية، ولكن المتتبع لاتجاهات جنوب كردفان بشكلها الحالى يجد أنها تعيش جملة من التناقضات ما بين مشكلة أبيى من جهة ومشكلة المسيرية فى عودة ولايتهم غرب كردفان من جهة ثانية، ومشكلة الجبال الستة من جهة ثالثة، ومن ثم مشكلة الجبال الشرقية والجبال الغربية والمناطق المحررة، وفوق ذاك كله تواجه الولاية حربا ضروسا وقتالا داميا من قبل شريكها السابق فى الحكم الحركة الشعبية، فيما تسود محلياتها حركة دؤوب لاعادة الأمن والاستقرار وإعادة الحياة لمجراها الطبيعى، اما التسريبات الأخيرة المتعلقة بمنصب الوالي فواجهها المكتب القيادى للولاية بحسم وجدية بادية وتعاطى معها على شاكلة «ما فى دخانا بلا نار»، ومع ذلك تظل كافة الاحتمالات ممكنة ! . هارون والياً دستورياً وقانونيا ً تطورت ردود الأفعال بالولاية من مجرد قرار لمكتبها القيادى إلى رأي عام لدى المواطنين، طالبوا فيها قيادات الولاية عدم التنازل عن الشرعية الانتخابية وقال ياسر كباشي أحد قيادات النوبة بالولاية ل «الصحافة» إن أحمد محمد هارون والي منتخب دستوريا وقانونيا وفق المادة «182» من قانون الانتخابات القومية لسنة 2008 ،وفق اتفاقية السلام الشامل للعام 2005 ، وهى ذات الاتفاقية التى جاءت بتقرير مصير الجنوب واعترفت بنتيجة الاستفتاء رغم أنها قادت للانفصال عكس ما أتفق عليه «تحت الطاولة» ،وكذلك جاءت بمالك عقار حاكما للنيل الأزرق رغم ما صاحب فوزه من سيناريو«النجمة والهجمة» ،وجاءت ذاتها بهارون والياً لجنوب كردفان فاشتعلت الحرب وأنكشف المخطط «النجمة ،الهجمة ،التفاوض من جديد»، أضاف ياسر «نحن نتمسك بالدستور ولا تنازل ولا تراجع عن موقفنا هارون واليا منتخبا للولاية، ونرفض بشدة فكرة تعيين حاكم بديلا لا عسكريا ولا مدنيا آخر »، ولم يكتف ياسر بذلك بل دافع دفاعا مستميتا عن أداء حكومة الولاية مقدما مرافعة كبرى عن أهليتها وكفاءتها السياسية والتنفيذية، وقال انها تقود عملا كبيرا لأجل وقف الاقتتال ولها إسهامات واضحة تكللت بعودة قيادات ومجموعات من حاملى السلاح من الحركة الشعبية ، ومفاجآت أخرى فى الطريق اكتملت كافة مراحل تنفيذها، ستحدث نقلة كبرى فى المفاهيم ،وشن ياسر هجوما عنيفا على المركز، قائلا نحن بالولاية نعمل فى إنسجام تام مع الوالي، وليست من أولوياتنا تغيير الحكومة الحالية، كما نرفض بشدة ممارسة أية وصاية علينا، فإذا كان المركز يريد مساعدتنا فليجلس معنا لنتفق على آلية محددة لأجل المصلحة العامة ونحن أدرى بأوضاعنا منهم . ليس كل ما يعرف يقال من جهته أكتفى الوالي أحمد هارون بالقول لبرنامج حتى تكتمل الصورة ب «قناة النيل الأزرق» منتصف الاسبوع «ليس كل ما يعرف يقال» كما عقد لقاء جامعا للمكتب الاستشارى لجنوب كردفان بحضور أكثر من «500» من أبناء الولاية والمهتمين، بجانب لقاءات إعلامية ومؤتمرا صحافيا كشف فيه معلومات جديدة عن خطة الحركة الشعبية الدموية لاغتيال «112» من قيادات الولاية، ولقاءات أخرى ذات طابع اقتصادى وتنموى لتحريك بعض الجهات المنفذة لمشروعات تنموية وخدمية بالولاية لمواصلة عملها قبل أن يغادر الخرطوم للقطاع الغربى، واكتفى هارون بالرد على فكرة تعيين حاكم عسكرى قائلا ان الذين ينادون بذلك يجهلون الدستور والقانون!. إبعاد هارون والحلو عن الولاية اما أحد القيادات المعارضة «فضل حجب اسمه» فقال ان كل شئ فى المؤتمر الوطنى محتمل ولم يستبعد تعيين هارون وزيرا مركزيا ، مستدلا ب«الاتفاق الاطارى» وقد اشتمل على ترتيبات سياسية ودستورية، وترى القيادي أن الحل الأمثل لوقف الاقتتال هو إبعاد «هارون والحلو» معا عن الولاية وتعيين الأول بالمركز وتسوية ملف الثانى، وكما رصد مراقبون فقد وجدت هذه الفكرة تأييدا غير رسمي من قبل الحركة الشعبية ورواجا من قبل أبناء النوبة الذين ظلوا يطالبون المركز بوالي من بنى جلدتهم ، فيما اعتبر آخرون الفكرة سبب المشكلة الأساسية وهى خطة الحركة الشعبية، ويؤيد صلاح بريمة أحد قيادات أبناء جبال النوبة بالوطنى بالمركز، هذا الاتجاه بشدة قائلا ان «هارون والحلو» خدعونا وأدخلوا أهلنا فى حرب «لا ناقة لهم فيها ولا جمل» ، وقال بريمة ل الصحافة ان المركز أطلق يد هارون فتمادى فى تعميق علاقته بالحلو فكانت النتيجة ما وصلت إليه الولاية من حرب إكتوى بها الجميع ،وأضاف بريمة لا ننكر أن هارون فاز بنسبة 49% ولكنه كان سببا فى إندلاع الاقتتال ، فيما قال الطيب حسن بدوى القيادى الشبابى ان القرار يخص قيادة الحزب، ولكن ما يهمنا جميعا توفير الأمن والاستقرار وإقناع المواطنين بالعودة العكسية واللحاق بالموسم الزراعى والعام الدارسى، واكتفى صديق منصور القيادى السابق بالحركة الشعبية فى جنوب كردفان، بالتعليق على ما يجرى بأنه شأن داخلى يخص المؤتمر الوطنى ،إلا أنه رفض بشدة فكرة تعيين حاكم عسكرى وإعتبره سوء ممارسة وتقويضا للديمقراطية ، قائلا ان «الاتفاق الاطارى الحل الأمثل» مع أخذ النقاط الخلافية فى الاعتبار. ومن جانبه، يرى محمد الجاك «حركة شعبية» الجناح المعارض لسياسة الحلو أن مشكلة الولاية هى إنعدام الشرعية الدستورية، مطالبا المركز بقرار لحسم جدلية غياب بعض أعضاء الحركة الشعبية، كاشفا عن اتصالات ميدانية توصلت لاقناع بعض الأعضاء من حاملى السلاح بالانضمام إلى مسيرة السلام، قائلا ان هارون والي منتخب وقد حقق جملة من الانجازات لم تفلح فيها كل الحكومات السابقة . ليس هنالك مبرر ويقول محمد مركزو القيادى بالمؤتمر الوطني ورئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطنى انه عمليا لا يمكن تجاوز هارون بصفته منتخبا من قبل الجماهير، ولا يمكن إقالته إلا أن يقدم بطوعه استقالته لرئيس الجمهورية بعد موافقة هذه الجماهير، وقال مركزو «لا نرى داعيا أو مبررا مقبولا لذلك، كما لا يمكن قانونيا تعيين حاكم عسكرى أو غيره إلا بقانون الطوارئ وهذا مالا يوجد الآن». اما جلال تاور القيادى بالوطنى ، فقد قال ان ما يدور من حديث حول هذا الامر مجرد شائعات مغرضة ولا سند قانونى ، وقال ان هارون والي منتخب لدورة مدتها أربع سنوات وجاء يحمل تفويضا كاملا من المكتب القيادى بالولاية، وبمعيته قرار منه يرفض رفضا قاطعا التعامل مع اللجنة السياسية العليا التى شكلها «المؤتمر الوطنى» لايجاد حلول لأزمة الولاية. و يرى بعض المراقبون أن الاستفهامات التى رسمها هارون من خلال لقاءاته زائدا حالته الصحية والخطر والمهددات الأمنية على حياته شخصيا، والخروج من ورطة اتفاق أديس أبابا الاطارى ، خاصة بعد أن أعلن الحلو موافقته على التفاوض مع الحكومة دون وسيط آخر غير الرئيس ثامبو امبيكى ، مع استحضار الكثير من الشواهد على سياسة المؤتمر الوطنى من «بندول نافع» إلى «الكينين»، والفصل التنظيمى وغيره، ولقاءات سرية لهارون بالرئيس ونائبه ومساعده ، تركت فى مجملها الكثير من علامات الاستفهام التى ترجح أن يكون هنالك اتفاق من قيادة الدولة مع هارون الذي ربما يفاجئ الجميع بتقديم استقالته .