السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم أم تنكيس وتنغيص؟!
نشر في الصحافة يوم 28 - 07 - 2011

نكتب اليوم على خلفية خبر أتى في «صحافة» الجمعة 22يوليو المنصرم، حيث نقلت الصحيفة ما يفيد بأن وزارة التربية والتعليم على لسان د. سعاد عبد الرازق وزيرة الدولة بوزارة التربية والتعليم، أعلنت أن وزارتها قد اعتزمت عقد مؤتمر قومي لإعادة النظر في مجمل العملية التعليمية في سبتمبر المقبل، بمشاركة واسعة من خبراء محليين وعالميين تصل إلى 4.500 خبير، وقد توقعت الوزيرة إصلاحات وتغيرات واسعة في التعليم قد تشمل المناهج والسلم التعليمي.
وخبر مراجعة الانقاذ لسياساتها عموما ان صح، من الأخبار المفرحة خاصة في قضية محورية وحيوية مثل التعليم، ومما يجب الترحيب به دون تأخير، ذلك أن آثار التخريب في التعليم تمتد لتنهش في عظم الوطن حتى بعد زوال الأثر عبر تخليط المفاهيم والقيم لجيل قادم على الأقل، غير أن تجاربنا المتطاولة مع الإنقاذ ومؤتمرها «الوطني» توجب منا الحذر وعدم الافراط في التفاؤل، فكم من مؤتمرات عقدت بمشاركات قومية لكن توصياتها ظلت حبراً على ورق، وكم من اتفاقيات أبرمت لكنهم يوقعونها «ويوقعونها» أرضا، والعبارة للامام الصادق المهدي، ويعرف ذلك كل من حاول «إصلاح» الضلع الأعوج الذي خلقت منه الانقاذ، دون فائدة ولا نتائج، لأن ما بني على باطل «وسيلة تسنمها للحكم انقلابا» هو باطل، ومما لا ينفع معه رتق ولا رقع، بل يجب تغييره وإبداله بالتمام والكمال.
مناقشة مسألة التعليم في السودان من القضايا التي تثير الوجع وتعتصر الألم من كل زاوية أتيتها لتنظر بها الى واقعه الأليم: سواء من زاوية الحقائق والأرقام، أو زاوية الرؤى السياسية والسياسات التعليمية التي اتبعتها الإنقاذ تريد بها «لي عنق الحقائق»، وتلك هي الأدهى والأمر.
التعليم في السودان حقائق وأرقام:
لا يختلف خبراء التنمية على أن الاهتمام بالتعليم وتوجيهه حسب حاجات البلاد التنموية لسد نواقصها من أبدى أولويات السير في الدرب الصحيح الى مستقبل أفضل، والعلاقة بين التعليم ومردوديته على النمو الاقتصادي تصل لدرجة أنه يقدر: أن دراسة سنة اضافية واحدة للشخص، تؤدي إلى زيادة تبلغ نحو 6% في المتوسط ل GDP أو الناتج القومي المحلي «المعيار الذي يقيس مستوى النمو الاقتصادي»، ناهيك عما للتعليم من نتائج مدروكة على ترقي الموارد البشرية أفراداً وجماعات، مما يعلمه حتى من لم يلق السمع.
والتعليم هو إحدى الأدوات القوية للحد من الفقر وانعدام المساواة، وتحسين الصحة والرفاهة الاجتماعية، وإرساء الأسس اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، أو كما ورد في تقرير السودان عن أهداف الألفية الذي قدم في 2009م.
ولو نظرنا إلى التعليم في السودان من تلك الزاوية التي ذكرناها أولا، أي زاوية الحقائق والأرقام، لهالنا الواقع السيئ للتعليم في وطننا.
حيث نجد نسبة الأمية المرتفعة التي تصل الى أكثر من 80%، والتسرب من المدارس يتم بأعداد كبيرة بحيث يكاد يغلب الخارجون من التعليم على عدد المستمرين، وما نقرأ عنه ونشهده من تردي البيئة المدرسية من حيث النقص في الكادر التربوي ووسائل الإجلاس وندرة الكتاب المدرسي وانعدام أبسط المقومات، لدرجة أن المدرسة قد يغيب حتى مبناها فتتخذ ظلال الأشجار أو الخيام فصولاً.
ونستطيع ادراك بعض من مدى ذلك السوء ان استعرضنا التقرير الذي أصدره منتدى سياسة الطفل الأفريقي في 7 ديسمبر 2010 (ACPF) في أديس ابابا الذي وجد أن السجل الأسوأ للسودان «وقد طال السوء في السودان مناحي أخرى!» هو في مجال الصرف على التعليم الذي يتدنى الى 0.3% ولا تماثله أية دولة أفريقية أخرى حتى الأكثر فقراً.
أما عن «التوسع الكمي والعجز الكيفي» الذي ذكره أ. د. محمد العوض جلال الدين في كتابه الموسوم «الارتباط بين التعليم العالي وعالم العمل والانتاج» فحدث ولا حرج. ويكفي في هذا الصدد ذكر ما أوردته الصحف في السنوات القليلة الماضية من أن وزارة الخارجية أرادت تعيين كادر دبلوماسي من الخريجين حديثا من الجامعات السودانية، وقد جلس لامتحان التصفية العام 7 آلاف طالب وطالبة لم ينجح منهم سوى سبعة هم الذين تأهلوا لامتحان الخارجية المتخصص!!
وقد ذكر الكاتب في المرجع السابق ذاته، أن بعض الحكومات ومنها السودان تريد تحقيق مكاسب سياسية من خلال رشوة اجتماعية تتمثل في إنشاء المزيد من الكليات والجامعات، وفي توسيع معدلات القبول دون تخصيص لموارد مادية ومالية، مما يؤدي الى تدهور خطير في نوعية التعليم، حتى بالنسبة لتخصصات تمس الحياة، ويمكن الاستشهاد هنا بشهادة وزير العدل الأسبق السيد «محمد علي المرضي» في سمنار حماية المستندات الرسمية من التزوير في 19/6/2010م. وقد ذكر أن معظم الكوادر التي تحتل مراكز مهمة بالدولة التحقوا بالجامعات بشهادات مزورة، لا تشهد على شيء من التحصيل! تماما مثل:
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي تطاولاً صولة الأسد
كما نستطيع تقدير الدرك الأسفل لمستوى التعليم في السودان بمقارنة نجريها لواقع التعليم في السودان، مع ما قررته الأمم المتحدة في مطلع الألفية من أهداف ثمانية، على الأمم المنضوية تحت مظلة المنظمة العالمية تحقيقها بنهاية عام 2015م، ومنها الهدف الثاني في الألفية، وهو: تحقيق التعليم الابتدائي الشامل.
وحسب التقرير الرسمي الذي قدمته حكومة السودان في 2009 عن أهداف الألفية نجد أنه:
بالنسبة للسودان «شمال السودان» أن ال (GER) أو معدل الالتحاق الاجمالي للتلاميذ بمدارس الأساس، هو 71% بتفاوت واضح بين الولايات «في الخرطوم 93.75% وفي كسلا 36.1%!» وسنأخذ هذا التقرير مرجعا على علاته لأننا نشكك في الأرقام التي تأتي بإشراف الحكومة، إذ نرى الواقع يخالفها، وقد خبرنا كيف يزورون ويغيرون الحقائق، تماما مثلما شكك رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز دراسات الأهرام السيد أحمد النجار في البيانات التي تناولها تقرير عن الأهداف الإنمائية للألفية لعام 2001م، وخاصة تلك المعلنة عن أداء الدول العربية في أهداف الألفية. وقال النجار: إن هذا الخطأ يجعل النتائج التي يتوصل إليها التقرير في ما تحقق من إنجازات في أهداف الألفية محل إعادة نظر، مدللاً على ذلك بمثال عن الأرقام المعلنة عن قوة العمل في كل من مصر والمغرب، وموضحا أنها لا تعكس الحقيقة. فالأرقام المعلنة في عام 2000 هي نفس الأرقام التي تخص عام 2008م مع تغير طفيف لا يعكس حجم الداخلين الجدد لسوق العمل على مدار ثماني سنوات. «جاء ذلك خلال مؤتمر الإعلان عن «تقرير عن الأهداف الإنمائية للألفية 2011» الذي عقد بالمركز الإعلامي للأمم المتحدة بالقاهرة. الجزيرة نت صفحة الاقتصاد والأعمال 8/7/2011م».
وحينما نستعرض التلخيص الذي عمم في بيان صحفي في الخرطوم 26 أكتوبر 2010م تحت عنوان «فرصة نادرة لتحقيق أهداف الألفية في السودان» وعلى هدى ما فعل النجار نفحصه وننظر اليه مليا، نلحظ المفارقات جليا: مثلاً تحدث التقرير عن تقدم في معدل الالتحاق العام للتلاميذ في مرحلة الاساس في السودان من 65% في عام 2004 الى نسبة 71% لعام 2009م في شمال السودان. ومضى يذكر أن نسبة الأمية بين فئات 15 24 سنة قد ارتفعت من 27% لعام 1990 الي 69% لعام 2009م، وقد بلغت 72.5% في عام 2010م، أي أن الأمية تزداد باضطراد حسب التقرير الرسمي، في وقت يزيد فيه عدد الملتحقين بمرحلة الأساس: فكيف يزيد عدد الملتحقين بمدارس الأساس وفي ذات الوقت تزداد الأمية!؟ إذن لا بد من أخذ الأرقام التي تصدر برعاية دولة الانقاذ بكثير من الحيطة والحذر.
وتحدث التقرير أيضا عن تحديات تواجه أهداف الألفية في ما يختص بالتعليم في السودان هي:
الفقر والأمية، ضعف التخطيط الاستراتيجي المختص بالمؤسسات التعليمية، اصلاح التعليم، شح الانفاق على التعليم، اعادة اصلاح وتأهيل البيئة المدرسية، مجانية التعليم الأساس واجباريته، التسرب من المدرسة وعدم مساواة فرص التعليم بين الجنسين، احالة مهمة الانفاق على التعليم للمحليات مما يعني انفاق أقل، قلة الكادر المدرب، غياب الأمن في كثير من المناطق، تنقلات الرحل «وزارة الرعاية الاجتماعية تقرير السودان عن انجازات الالفية سبتمبر 2010م».
وما أغفله التقرير أن كل التحديات التي ذكرت تتطلب إرداة سياسية قوية وفعالة، وتوجب الانتباه لما يقوله الخبراء في هذا المجال، وتوجب الاهتمام اللصيق بما ينصح به المختصون في المجال، ومنه مثلا: ما دار من نقاش في ندوة الرسوم الدراسية وأثرها على تعليم مرحلة الأساس التي ركزت على واحد من هذه التحديات وهي: الرسوم الباهظة التى تفرضها السلطات السودانية على الطلاب التى تشكل عبئا ثقيلا على الأسر وعلى الطلاب الذين تشردت أعداد كبيرة منهم من المدارس بسبب هذه الرسوم الباهظة التي أدت لزيادة الفاقد التربوي، وقد أوصت الندوة برفض تلك الرسوم، وأكدت ان هذه الرسوم وسياسات الدوله العامة تجاه التعليم ساهمت فى تدهور التعليم فى السودان، خاصة التعليم الابتدائي، وهى مرحلة تعليم الأطفال الذين يكونون فى حاجة ماسة للتعليم.
وقال الخبير الاقتصادى محمد ابراهيم كبج الذى تحدث في الندوة التى نظمها معهد حقوق الطفل بالتعاون مع صحيفة «الأيام»: إن برنامج توفير الخدمات ودعم التعليم وتطويره ليس من أولويات الحكومة السودانية، وأوضح أن الصرف على التعليم ضعيف ومتناقص، فى الوقت الذى نجد فيه أن نصف الميزانية موجه للصرف على الدفاع والأمن والشرطة، وقال: «حسب التقارير الصادرة من وزارة المالية فإن الصرف على الخدمات الاجتماعية بما فيها التعليم بلغ فى عام1996: 25% من جمله الميزانية وفى العام 1998: 14% وتناقص فى عام 2003 إلى أن وصل 4.7%، مما يؤكد تراجع الانفاق على التعليم والخدمات الاجتماعية، فيما بلغت جملة الصرف على الأمن والدفاع الشعبى فى عام 96: 42% وفى عام 98: 61% وبلغ فى عام 2003: 76%. ومع شح المبالغ التي تصرف على الخدمات تتميز بعدم العدالة في التوزيع، إذ توجه للمركز فقط». واعترفت وزيرة الرعاية والتنمية الاجتماعية سامية أحمد محمد بتدهور التعليم وقالت: «إن موضوع التعليم يحتاج إلى وقفة ومراجعة مما يتطلب قيام مثل هذه الندوات للخروج بتوصيات لتطوير التعليم».
وقالت الاستاذه نادية عثمان من مدينة الدويم بولاية النيل الابيض في ذات الندوة، إن وضع التعليم فى الولاية أصبح مأساويا بسبب هذه الرسوم التى تسببت فى ارتكاب ابشع جريمة انتحار لأحد التلاميذ، وهو الطفل موسى عوض الكريم الذى يدرس فى السنة الرابعة بمدرسة فى قرية ضرب نار بمدينة الدويم.
ومثلما ذكر أستاذ الطاهر ساتي في عموده المقروء«اليكم » أن المواطن - إنابة عن الحكومة - ينفذ شعار مجانية التعليم!!
ومع سواد الصورة وقتامتها التي ترسمها الحقائق والأرقام، لكننا نراها من ضمن ما يمكن اصلاحه متى ما توفرت الارادة السياسية وصلحت النوايا وصح العزم.
أما الزاوية الأخرى التي تختص بالرؤى والسياسات التي تم بها إفساد التعليم بشكل قصدي متعمد بغرض التمكين لحزب واحد أصغر شأنا عند الناس من أن يأتوا به للحكم انتخابا، فقد كانت نتائجها هي الأفدح والأصعب خضوعا للإصلاح، لأنها تطول جوانب أبعد غورا وتتطلب معالجات أكثر شمولية واحاطة :
في مقال لنا سابق «الانقاذ في ذكراها 22: سوء العمل ما طول العمر»، كنا قد ذكرنا أن أكثر ما يسوءنا هو عدم إدراكنا كما ينبغي للأبعاد الشيطانية لانقلاب الانقاذ وكونه انقلاباً غير عادي، لأنه مرتبط برؤى محددة. ولا نريد تكرار ما سبق أن أثبتناه في المقال المذكور، ولكننا سنجتر فقط ما يتعلق بمقال اليوم انعاشا للذاكرة أو لمن فاته الاضطلاع. وكنا قد ذكرنا أن الانقاذ أرادت حمل كل الشعب السوداني لرؤيتها الأحادية عبر عدة مسارات، منها تنشئة الصغار عن طريق المدرسة، وإعادة صياغة الكبار عن طريق أجهزة الإعلام، وغيرها من وسائل التنشئة الاجتماعية، مع تهيئة جو يكون فيه الشعب المراد «إعادة صياغته» في أضعف حالات المقاومة والاستعداد للاستسلام. وهي ظروف الهشاشة الناتجة عن عدم الاستقرار بسبب الحروب والمجاعات والنزوح!
وبالنسبة للصغار مثلما ذكرنا، يتم إخضاعهم لمناهج تريهم الحق باطلا والباطل حقا، وتعمد إلى خلط الأشياء والمفاهيم، وتخليط التاريخ وتزويره، بل مغالطة حتى المتفق عليه عالميا، وما يتعارض بوضوح مع نواميس الكون، مثل التوقيت الذي تم تعديله بغض النظر عن خطوط الطول والعرض التي يتم بها تحديد الزمن، وحتى بعد أن تراجع عنه من اقترحه ظل الوقت في السودان مفارقا لما هو الحال في بقية الكون حسب حركة الشمس!
ومثال فاضح آخر لتخليط الأشياء والمفاهيم، سأكتفي به، هو كتاب علم الأحياء للصف الثالث الثانوي للعام الدراسي 2010 وأبوابه 3:التكاثر، الوراثة، النظام البيئي! ولأننا لم نسمع في حياتنا بأن النظام البيئي يدرس من ضمن علم الأحياء «لتناوله أشياء غير حية» إلا في زمان الانقاذ هذا، ومن المعروف أن النظام البيئي من علوم البيئة ان استقل بنفسه، وإلا يدرس ضمن منهج الجغرافيا، أما تدريسه من ضمن منهج الأحياء، فذلك لعب على الذقون وخلطل للحابل بالنابل، حتى لا يعرف المتلقي التاريخ من الأحياء من الجغرافيا، ولكي يستوي الذين لا يعلمون والذين يعلمون ! بل ان النظام البيئي الذي أفرد له الفصل الثالث في الكتاب، جعل له النصيب الأكبر من الحجم، بحيث يفوق الفصلين الأول والثاني مجتمعين.
وقد أتى فيه طبعا ذكر «إنجاز» استخراج النفط بلا مناسبة، وكيف «خيب الله فأل المتجبرون الذين يظنون أنهم يقسمون رحمة ربك، وكيف بدأت حكومة الإنقاذ منذ مقدمها في 1989في التخطيط لذلك الانجاز»...الخ من كلام غث وفارغ. ولأول مرة نرى كتباً مدرسية (Text Books) تدرس العلوم تذكر بها انجازات النظام الحاكم وبهذا الشكل السافر، فهل هذه علوم يجب أن تعلم الدارس الرصانة والموضوعية، أم كتب للتوجيه المعنوي والدعاية الكاذبة الرخيصة؟
أين التربيون والخبراء الذين زخر بهم السودان وأرسوا دعائم التعليم وأسسه في بلاد أخرى؟ كيف سمحوا لهذا العبث أن يحدث بل ويستمر؟
فكيف نتوقع أن نحصل على جيل عالم وموضوعي ليحمل راية انقاذ حقيقي للبلد؟
وكيف نتركهم يزرعون كل هذا الشوك، ونتوقع وبالنا مرتاح أننا سنحصد وردا؟
وكيف يمكن للفسيخ أن يكون شربات، مهما عقدت المؤتمرات واشترك الخبراء؟
وفي الحقيقة بينما نكتب ما نكتب ونضطر للتعامل مع الحقائق عارية ومجردة، نعترف بأن الإنقاذيين لم يعتمدوا على حسن نوايانا وتسامحنا فقط، بل «استكيشونا واستوطوا حيطتنا» ردحاً من الزمن، مما يجعلنا نتساءل بخوف حقيقي: هل نجح مشروع الإنقاذ في قتل الشعب السوداني؟
اجيبوني يرحمكم الله.
وسلمتم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.