أثناء جلوسنا لتناول الافطار في جامعة شندي بولاية نهر النيل ، وفي داخل احدى القاعات الكبيرة ، كانت وزيرة الصحة تجلس على احدى الطاولات الأمامية ، وما ان عرفت انها معنية بصحة الناس في الولاية ، بدأت الاسئلة تقفز الى ذهني ولن يهدأ لي بال الا بعد ان اجد اجابات مقنعة لها ، توجهت نوحها دون تردد وطلبت منها ان تعطيني جزءً من وقتها ، فأجابتني بأن لامانع لديها ولكن كيف ونحن في جولة وسنفترق بعد ساعتين عند مدينة الدامر ، وعلى الرغم من ضيق الوقت وعدم الاستقرار الذي كان ملازماً لنا طوال الرحلة استطعت ان اجري معها حواراً حول قضايا ومشاكل الصحة في ولاية نهرالنيل، خاصة وان الميزانية المخصصة للصحة بالولاية لاتتجاوز 5- 8 مليار، وعند وصولنا الى منطقة البجراوية ، وبجوار الاهرامات توجهت فوراً نحو عربة الوزيرة التي كانت قد اتخذت لها موقعا محازيا للاهرامات ، حينها انزلت زجاج سيارتها لتطلب مني الصعود الى الداخل ودار بيننا الحوار التالي: { تلوث المياه في ولاية نهر النيل هاجس يؤرق سكان المنطقة ويعتبر مصدراً رئيسياً لإنتشار الاوبئة بين المواطنين اين انتم من هذا الواقع ؟ - من المؤكد أنَّ لها اثراً واضحاً جداً ، وهي من ضمن اسباب انتشار الوبائيات في الولاية ، وفي العام السابق ادى تلوث المياه الى انتشار الاوبئة وسط مواطني نهر النيل ، ولكن هذا العام لم تشهد الولاية اي نوع من الوبائيات، ومرَّ دون ان تحدث اصابات بسبب المياه ، وذلك بعد تغيير عدد من شبكات المياه المتهالكة التي كانت سببا في التلوث ، وايضا بعض المواطنين الذين يستخدمون المياه من النيل بشكل مباشر وفي الارياف التي تعتمد على الآبار . { الكثير من ولايات السودان تعاني من ضعف البنية التحتية في القطاع الصحي وولاية نهر النيل مازالت في طور النمو فأين ولاية نهر النيل من مثيلاتها ألا تشكون من هشاشة البنية التحتية ؟ -المؤسسات الصحية في ولاية نهر النيل اكثر بكثير من حاجة المواطنين ، وعددها اكثر من المطلوب ، حيث توجد 4 مستشفيات وتنحصر الحاجة في 2 فقط ، وهنالك اكثر من 200 مركز صحي في شتى انحاء الولاية، وقد حددت الحاجة ب100 مركز ، كما تم تحديد الحاجة في الرعاية الاوليهة كذلك ، وعلى الرغم من وجود هذا الفائض من المؤسسات الصحية ، ولكن هنالك بعض المناطق الريفية لاتوجد بها خدمات صحية ، وحتى المؤسسات المتوفرة في معظم المناطق يوجد بها الحد الادنى ،الخدمة والكوادرالتي ربما يكون هنالك نقص فيها ، والذي يعود كما ذكرت الى العدد الكبير للمؤسسات ، واعتقد انها تعمل بالشكل المطلوب وتغطي الحاجة . { إذاً هنالك خلل في التوزيع ؟ -ليس خللاً ، ولكن هناك عدد من الاسباب ، اهمها اجتهادات المجتمعات او الاهلية ، فكل منطقة يسعى أبناؤها وسكانها لانشاء مؤسسة صحية اي كان نوعها ، وهذا يأتي في اطار ترقية مناطقهم وتطوير الخدمات فيها ، حتى اصبحت المرافق اكثر من الحاجة المطلوبة ، ونحاول حل هذه المشكلة حيث وضعنا خارطة صحية لاحتواء هذه التقاطعات ولتقديم خدمة صحية متميزه وبكفاءات عالية لمواطني الولاية ، وحسب الظروف حتى تكون هنالك عدالة اجتماعية في التوزيع . { هنالك حديث عن نقص في الكوادر الطبية بالولاية كيف تتعاملون مع هذا الوضع المعقد والا يعتبر ذلك تقصيراً تجاه المرضى ؟ - مثلنا مثل غيرنا من الولايات الاخرى نعاني من نقص الكوادر الطبية ، الوسطى والعليا ، ونحاول حل مشكلة الكوادر الوسطى من خلال اكاديمية العلوم التي انشئت بالولاية ، وقد خرجت الاكاديمية حوالي 300 خريج من ممرضين ، ومساعدين طبيين ، وملاحظي صحة في العام السابق ، ومن المنتظر ان تخرج عدداً مماثلاً خلال الفترة المقبلة ، وهذه الدفع حلت بعض المشاكل الى حد كبير ، في معظم المستشفيات الكبيرة والمرافق الصحية ، فعدد الاطباء العموميين يغطي المستشفيات ، وكثير من المراكز الصحية ، ولكن هناك نقص واضح في الاختصاصيين في الولاية ، فنحن لدينا عدد كبير من المستشفيات وهناك مستشفيان كبيران، مستشفى عطبرة ومستشفى شندي ، ونحن نفتقر لاخصائيي الجراحة العامة في مستشفى شندي ، واخصائيي التخدير والطب النفسي في مستشفى عطبرة ، ونحن نبذل مجهودات لاستقطاب واستنفار الاخصائيين ، ورؤيتنا ان مستشفيات المحليات الاربع المتبقية يجب ان تتوفربها التخصصات الاربعة . { هل لديكم مراكز تشخيص متخصصة ام انكم تعتمدون في التشخيص على الخرطوم وهل قادرة على تقديم خدمة تشخيصية للمواطنين ؟ - لدينا مركز تشخيص في عطبرة به عدد من الاجهزة الحديثة ولكنه يفتقر الى جهاز الاشعة المقطعية ، وايضا لايوجد به جهاز الرنين المغناطيسي وقد تم الاتفاق مع التأمين الصحي لتوفير هذه الاجهزة لتجاوز هذه المشكلة ، وبالفعل تم شحن هذه الاجهزة والآن في طور التركيب ، ولدينا ايضا مركز تشخيصي متقدم في مستشفى المك نمر التعليمي . ماذا عن نقص الادوية المنقذة للحياة ألا تعانون من هذه المشكلة التي تظهر بين الحين والآخر ؟ - لا ابداً ، الادوية المنقذة للحياة متوفرة لدينا بوفرة وبحسب الحاجة لها ، عبر برنامج الدواء الدوّار لكل المستشفيات ولاتواجهنا هذه المشكلة الآن بشكل اوبآخر . { هذا يقودنا للحديث عن الصحة الاولية واصحاح البيئة فهل تشارك وزارة الصحة في هذا الجانب ام انها تقف موقف المتفرج ؟ - لا... ، وزارة الصحة تقوم بدور المشرف وعليها عدد من الالتزامات من بينها توفير الكوادر وتدريبها والآليات والمعينات ، غيرانها متلزمة بالاشراف والمتابعة ، فنقل النفايات قد آل الى المحليات منذ وقت طويل كما هو معروف ، ولكنا نقف على كل ما يتعلق بالصحة من ناحية الاشراف . { في فصل الخريف تتحول منطقة نهر النيل الى بؤرة وبائيات وفي العام الماضي شهدت الولاية كوارثاً صحية فهل سيكون هذا العام كسابقه ؟ - هنالك عمل مبكر لفصل الخريف في الولاية هذا العام ، وقد بدأنا بتكوين لجان بكافة المحليات ، كما تم تكوين فرق الانقاذ السريع وتدريبها حتى تتمكن من مساعدة المواطنين بالشكل المطلوب اذا حدث شئ ، وكذلك قد تم توفير مخزون استراتيجي من الادوية والمحاليل ، والكلور لتنقية المياه وهناك ازدياد في دوائر تنقية المياه ، وتم تدريب كل مقدمي الخدمة ، التي نأمل ان تكون خدمة نوعية مقبولة . { بعد ان آلت المستشفيات الاتحادية الى الولايات ألم تواجهكم صعوبات في تمويلها باعتبار انها اعباء مالية جديدة خاصة وان الميزانية المخصصة للصحة غير كافية ؟ - ليس لدينا مستشفى اتحادي سوى واحد فقط ، وهو مستشفى كدباس ، وماتبقى من المستشفيات الاخرى ولائي يتبع لنهر النيل ، لذلك لم يكن هنالك اثر يذكر بعد ايلولة المستشفيات الى الولايات ، وهنالك خطة لكافة المستشفيات لتمويلها. { هنالك حوالي أكثر من 50 ألف شخص يقومون بالتعدين في ولاية نهر النيل ما أدى الى انتشار بعض الامراض وافراز عدد من الظواهر الصحية السالبة كيف تتعاملون مع هذا الوضع وهلا يشكل مصدر قلق بالنسبة اليكم كوزارة محدودة الامكانيات ؟ - بالطبع ، فمناطق التعدين يوجد بها عدد كبير جدا من المواطنين من مناطق مختلفة وثقافات مختلفة وهناك تنوع بشري من كل البئات في السودان بل والدول الاخرى سواء ان كانت دول الجوار او انحاء العالم الاخرى ، وقد افرز هذا الوجود الكثيف الكثير من السلبيات الصحية ، ونتيجة لذلك انتشر مرض الحصبة في الفترة السابقة وسط الكبار بشكل كبير ، وتم احتواؤه بصورة مثالية حتى لايعاود الانتشار بشكل اكبر، وهناك عدد من الخطط المشتركة بين الوزارة ومحليتي (أبوحمد وبربر) ، للاهتمام بهذه الشريحة ، واحتواء ماينتج من ظواهر صحية سالبة . { ما الذي تحتاجه ولاية نهر النيل لترتقي بخدماتها الصحية ، وهل هناك مالم مانتطرق إليه في حديثنا وتودين إضافته ؟ - إنَّ الصحة هي مسئولية الجميع وقاسم مشترك بين الحكومة والمجتمع وتفاعل كافة المنظمات وجميع الأفراد ، وأهم مافي ذلك تغيير السلوك الايجابي ولايتأتَّى ذلك إلاَّ بمشاركة الجميع فنحن مازلنا نحتاج الكثير حتى نصل إلى المستوى المطلوب .