أعرف أن الأستاذ حسين خوجلي رائد ومقتحم وجرئ ولا أدري كيف رضي أن يسمي قناة بثه الجديدة باسم قديم هو «أم درمان» وهو يعلم أن هذا اسم الإذاعة السودانية منذ أكثر من سبعين سنة؟...لكن يبدو أنه لا تعليق سوى أن يقال: « إن الحب سلطان »! حسين يحب أم درمان بكل ما تشي به من المعاني الوطنية والثقافية والعاطفية. مشروع قناة بث يملكها شخص واحد في حد ذاته جديد فقد كان مثل ذلك مما تملكه الدولة أو أخيراً جداً مما تملكه شركة يكون على رأس رئيسها قُطرة خليجية أو عقال...وبذلك تكون قناة «أم درمان» هي أول قناة سودانية خاصة «معممة» ويا لعمامة حسين خوجلي من عمامة! أم درمان كما هي محبوبة فهي أيضاً «مبغوضة» أو قل معبر عن حبها بكلمات جارحة لأني أشك أن يكون أحد يبغض أم درمان بغضاً حقيقياً خالصا... فأقترح على الأخ حسين أن يستضيف في قناته أشهر مبغضي أم درمان وهم ثلاثة: من تولى كبر ذلك البغض بل وألف فيه ديوان شعر باسم «أم درمان تحتضر» وهو الأستاذ محمد الواثق الأستاذ بجامعة الخرطوم، الذي وصل حداً من التعبير عن هذا «البغض » بأن خاطب المولى عزّ وجل بأنه إن كان قد قدّر على ساكني أم درمان أن يبقوا فيها أن يعوضهم تعويضاً جزيلاً إذ يقول: لو كان أمرك أنّا لا نغادرها فاجعل لنا أجر من قد مات في أحد وثانيهم حبيبنا البروفيسور عبدالله حمدنا الله الذي مافتئ يقول إن أم درمان مدينة مصنوعة، وثالثهم الفنان محمد وردي الذي سمعته يقول في ندوة أقامتها له جريدة «الصحافة» رداً على سؤال «إن كان في نيته أن يمدح الرسول» فقال إنه «لا مانع لديه» ولكنه لن يستخدم في مدائحه أنغام الجزيرة و أم درمان ..بل ألحان الشايقية! وعجب كثير ممن حضر اللقاء من إنحيازه لألحان الشايقية...مع أنه قد نهاه عنها شاعرهم الأكبر وشاعره سابقاً «إسماعيل حسن» الذي قال مرة إنه عندما يسمع أغنية «القمر بوبا» يرددها وردي يخيل إليه أنه يسمعها من خواجة! وتساءل الناس أن كان وردي لابد منحازاً إلى ألحان بلدية فلماذا لا ينحاز مثلاً لألحان قبيلته هو ثم عجبوا من تطاوله على الجزيرة وأم درمان بدون سبب«وفي صمة خشمهم»!! يخيل إليّ أن سهرة يشترك فيها هؤلاء المبغضون المحبون لأم درمان ستكون ممتعة ومفيدة وذات مردود كبير. ستبث قناة أم درمان أفكار مؤسسها ذات الطابع الوسطي الجامع المتحمس للسودان في تنوعه وعروبته وإسلامه وسعته لأن أم درمان إنما هي ذلك كله. أختلف مع حسين في فكرة البكاء على الجنوب الذاهب وأختلف معه حول فكرة «التشنيع» بالخرطة الوليدة للسودان...وأظن أنه لا مناص من أن نحترم الواقع الوطني الحالي ريثما يعود الجنوب إن عاد لمن يتعلقون بعودته. الأستاذ حسين خوجلي من القلائل الذين يمازجون بين الإلتزام الإسلامي والعروبي مع الفهم والتذوق الإحترافي للفن مع حب أفريقيا والتعلق بالأفكار التحررية الموشاة بالروح الإشتراكي وكراهية الإمبريالية ...فهذه بقدر ما أنها مميزات تساعد القناة الجديدة على الإنطلاق نحو الجماهيرية هي في ذات الوقت كوابح ومعوقات ...وأظن ذلك محتاج «لحاوي» في مقدرات حسين للعبور بهذه القناة الوليدة نحو شاطئ النجاة .. مع خالص دعواتي.