لقد كان قدراً مقدوراً أن تهب رياح التغيير في الثلاثين من يونيو 1989م على السودان وأن تتولى الإنقاذ إدارة دفة الحكم في فترة أبسط ما يقال عنها أنها كانت دقيقة ،فالبلاد كانت تعانى من سطوة التمرد ومن مشاكل وصعوبات في كافة مناحي الحياة ، فكانت الحاميات تسقط الواحدة تلو الأخرى وبلغ بنا الهوان أن تتحكم السفارات الأجنبية في أمورنا الداخلية وبلغ الصلف بأحد السفراء أن يقول»بإمكاننا تعيين وزيري الداخلية والخارجية»فضاعت السيادة وغابت هيبة الدولة.وكان طبيعياً عندما أطلت الإنقاذ أن يستقبلها السودانيون بالبشر والترحاب أملاً في التغيير إلى الأفضل لبناء دولة قوية متماسكة تحفظ للسودان وحدته وكرامته وقراره وتعين مواطنيه على مصاعب الحياة وتوفر الخدمات الضرورية من تعليم وعلاج ومعاش وغيرها.ومرت الإنقاذ في أثناء مسيرتها بظروف حرجة ومطبات صعبة من تآمر الأحزاب والدول المعادية ولكن تجاوزتها بفضل الله ومنته وبإخلاص القائمين على أمرها ،فكانت إنجازاتها في مختلف المجالات من تحرير للإرادة السياسية والقرار الوطني وتقديم خدمات ملموسة تمثلت في ثورة الإتصالات ونجاحاتها المستمرة وثورة التعليم العالي والتي وبالرغم ما فيها من عيوب وثغرات تظل النواة لنهضة الأمة مع مراعاة مراجعة مناهج الجامعات وتحسين أوضاع أساتذتها والإهتمام بسكن وإعاشة ودعم طلابها ،كما أن شبكة الطرق داخل العاصمة وخارجها وبناء السدود والمستشفيات والمراكز الصحية تظل واحدة من أروع إنجازات الإنقاذ وغير هذا من الإنجازات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها كالبترول مثلاً. وعلى الجانب الآخر فإن للإنقاذ كتجربة بشرية أخطاء جسيمة أولها ما طرأ على حياة الناس من إرتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية وموجة الغلاء الطاحن التى ضربت البلاد والتى تضرر منها المواطنون أيما ضرر ولم تفلح معها كل المعالجات التى تمت كما أن ديوان الزكاة وصناديق الدعم الإجتماعي الأخرى لم تفلح فى أداء دورها بالصورة المطلوبة وأضحت مساهماتها قطرة فى بحر.ويتحدث كثير من الناس عن الفساد والمحسوبية وعدم المساواة والإقصاء وإن كان فى بعضها شىء من الصحة إلا أنها لم تكن منهجاً للدولة وإنما لأخطاء أفراد وحتى الفساد لا أحد يجزم بحدوثه ولا يملك أدلته القوية على ذلك ولكن يمكن أن تكون هناك قرائن أحوال أو سوء تصرف فى المال.ولم تترك الإنقاذ مجالاً للوحدة بين الشمال والجنوب إلا واتجهت إليه، ولكن كان خيار شعب جنوب السودان هو الإنفصال وهو خيار مقدر ويجد الإحترام عند الكثيرين من أهل الحكم»وعليهم يسهل وعلينا يمهل»مع العلم أن جميع الأحزاب أقرت حق تقرير المصير. والإنقاذ فى نسختها الجديدة مطالبة بإصلاحات عديدة ،أولها إعادة هيكلة الجهاز التنفيذى الذى أصابه الترهل(77 وزير ووزير دولة مش معقولة) هذا غير الجيش الجرار من المستشارين ووزراء الولايات والمعتمدين، وعلى الإنقاذ وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب وأن يكون من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة.ومطلوب من الإنقاذ العمل على توحيد وتماسك الجبهة الداخلية وإشراك الآخرين مشاركة حقيقية ولإبداء حسن النوايا فإنه لن يضر الحكومة إطلاق سراح المعتقلين وإسقاط أحكام المحكومين أو تخفيفها.وحرى بجهات الإختصاص وضع خطط وبرامج محددة ثشمل بنياتٍ أساسية ومشاريع إستراتيجية وحيوية وخدمات ضرورية وإكمال المتبقى من الفترة الماضية ويكون ذلك وفق جدول زمني ينتهي بأجل الحكومة.وثمة شىء مهم للإنقاذ فى نسختها الجديدة وهو إقامة العدل»إعدلوا هو أقرب للتقوى»العدل فى كل شىء،في الحريات والحقوق والواجبات والخدمة العامة والقوات النظامية لأن العدل هو عماد الدولة وفقدانه سيكون سبباً لإنهيارها.تقول الرواية أن أحد الولاة كتب إلى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً لبناء سور حول المدينة فرد عليه»حصن مدينتك بالعدل»ولابد لمشكلة دارفور من حل بإكمال ما تم من إتفاقيات وللحقيقة والتاريخ فإن الإنقاذ لم تقصر في ذلك وقدمت الكثير ولكن لأنها في موقع السلطة فمطلوب منها الصبر وتقديم المبادرات مع ضرورة بسط الأمن وفرض هيبة الدولة.ولابد للإنقاذ فى هذه المرحلة من إقامة علاقات خارجية متوازنة تحقق مصالح البلاد مع تقوية العلاقات الممتازة مع كثير من الدول. وفى هذا الإطارعلي الحكومة التحرك بإيجابية فى المحيطين الإقليمي والدولي لإبطال أمر محكمة الجنايات الدولية. ورأس الرمح فيما ذكر وما لم يذكر هو حدوث إصلاحات حقيقية داخل البيت الإنقاذي وجمع كوادر الإنقاذ على كلمة سواء وتفعيل الشورى وإشراك الكفاءات وأصحاب الحماس من الشباب مع وجود خبرة الشيوخ وحكمة العقلاء وهى أمور مهمة لتواصل الأجيال وإنتقال الخبرات. وتبقى مسألة تبادل السلطة والمواقع التنظيمية ضرورية لديمومة العمل وقوة الحزب الحاكم مع الدعاء في كل وقت بإصلاح حال البلاد والعباد والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.