وضع تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالاممالمتحدة الذي يتهم الحكومة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ولاية جنوب كردفان، العلاقة بين الخرطوم والمجتمع الدولي علي صفيح ساخن، وفتحت مطالبه بافساح المجال امام خبراء حقوق الإنسان للتحقيق في المعلومات حول الانتهاكات المستمرة باب المخاوف علي مصراعيه من تدويل القضية لتصبح دارفور جديدة، في وقت اعتبرت فيه الحكومة التقرير خطوة تصب في تعزيز الضغط على النظام، واصفة التقرير بانه نسخة مكررة من تقرير مجلس الامن في جلسته الاخيرة بخصوص مزاعم اثارتها منظمات غربية ناشطة ضد السودان بارتكاب الحكومة تجاوزات في جنوب كردفان ،والتي فشل خلالها المجلس في اصدار بيان يحث الحكومة السودانية على التوصل لوقف اطلاق النار فى المنطقة فى اعقاب انقسام وسط الدول الاعضاء حول صحة معلومات التقرير. وبرغم من ان التقرير اولي و صيغ في ظروف شديدة الصعوبة وسط امكانية وصول محدودة جدا الي الاماكن المستهدفة حسب قول المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، نافي ببلاي، الا انه تحدث عن انتهاكات للقوات المسلحة باستهدف المدنيين بجانب انتهاكات وسلسلة تصفيات من دون محاكمة وعمليات «اعدام» استهدفت اشخاصاً تابعين للجيش الشعبي وهجمات على كنائس واعتقالات غير مبررة ، وحذر التقرير من أن استمرار العمليات العسكرية في المنطقة قد يؤدي الى «تبديد» سكان النوبة، وطالب الحكومة بالسماح للخبراء للتحقيق في هذه المعلومات، وكان مجلس الأمن قد دعا الي تشكيل لجنة للتحقيق في أعمال العنف بجنوب كردفان، وحث القوات السودانية على وقف الهجمات الجوية ، قبل ان يتوعد بمحاسبة من يستهدفون المدنيين، وحذر المجلس من أن المسؤولين عن أي أعمال من هذا القبيل سيخضعون للمحاسبة، داعيا الى السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول دون قيود الى المدنيين المتضررين من المواجهات التي تسببت في نزوح الآلاف عن ديارهم منذ مطلع يونيو، ودعا الحكومة وقطاع الشمال في الحركة الشعبية الى الاتفاق على وقف فوري لاطلاق النار بالولاية. وحسب مراقبين، فان تقرير المفوضية الاممية يأتي في اعقاب دعوات الحركة الشعبية الى المجتمع الدولي بتشكيل لجنة دولية محايدة تحقق في الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بجنوب كردفان، معتبرين ان المجتمع الدولي سيقف مناصرا لتلك الاتهامات التي رفضتها الحكومة، مشيرين الي ان رفضها لاستقبال اللجنة الدولية في حال تكوينها سيكون مؤشراً على صحة الانتهاكات التي ستجد الطريق معبدا في ظل الاتهامات التي تلاحق الحكومة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور، ليس هذا فحسب بل يخشي العديد من المراقبين من ان تتضاعف احتمالات تدويل قضية جنوب كردفان لتصبح أزمة مشابهة للأزمة التي يعاني منها اقليم دارفور التي شهدت اصدار قرارات مشابهة من مجلس الامن مهدت لانشاء لجنة تحقيق دولية برئاسة انطونيو كاسيسيه، للاضطلاع بالتحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف في دارفورلتحديد ما اذا كانت وقعت أعمال ابادة جماعية، وتحديد هوية مرتكبيها ومحاسبة المسؤولين عنها وهي التي كانت سببا في احالة ملف دارفور الي المحكمة الجنائية، غير ان الخبير القانوني امين مكي مدني وصف التقرير بالمبدئي ، موضحا انه ليس في مقدوره اتخاذ أي اجراءات احالة للمحكمة الدولية، وقال مكي ان معلومات التقرير مستقاة من علي الارض كمكتب الاممالمتحدة والصحفيين والموظفين وقوات حفظ السلام ، مشيرا الي ان المفوضية لابد لها من التحقق من هذه المعلومات التي يبني عليها مجلس الامن قراراته في تكوين لجنة تحقيق وتقصي دولية تزور المناطق وتستمع للضحايا والمواطنين وتطلع علي تقارير الحكومة ثم ترفع تقريرها الي المجلس الذي ينظر في تلك التقارير، وتابع مدني بانه في حال لمس المجلس وجود انتهاكات يحيل القضية محل النزاع للمحكمة الدولية، وطالب مكي بانشاء لجنة تقصي وطنية مستقلة مشابهة للجنة دفع الله الحاج يوسف في دارفور، بجانب كتابة تقرير لتفنيد اتهامات تقرير المفوضية من خلال توضيح الدور الايجابي الذي تدعي الحكومة القيام به في المحافظة علي ارواح وممتلكات المواطنين خلال تلك الاحداث، كما دعاها الي القبول بافساح المجال للمنظمات الإنسانية لدخول المنطقة للتقصي، معتبرا ان رفضها لدخول تلك المنظمات سيكون سببا لتأزيم القضية. فيما رأى مدير المركز الدولي لحقوق الإنسان دكتورأحمد المفتي ان جنوب كردفان تسير بخطي سريعة في طريق دارفور، واصفا تقرير المفوضية الاممية بانه خطوة تستهدف تدويل القضية، الا ان المفتي طالب الحكومة قبل الرد علي تقارير المفوضية القيام بعمل مجتمعي من خلال الاستعانة بالمجتمعات المحلية لدحض افتراءات المجتمع الدولي، واعتبرالمفتي ان رد تلك المجتمعات سيكون اكثر جدوي من ردود الحكومة، وطالب بالاستفادة من شهادة المتضررين الذين اعادتهم الحكومة الي قراهم، في وقت سعت فيه جهات اخري الي استمرار معاناتهم ببقائهم في معسكرات للنازحين. وهاجم المفتي تقرير المفوضية معتبرا ان الحديث عن الابادة الجماعية وجرائم الحرب لا يكون بالانطباعات بل يكون عبر وقائع واماكن محددة ، منتقدا خروج التقرير من الاممالمتحدة بوجهة نظر واحدة فقط في غياب واضح لرؤية الحكومة، وطالب المفتي الحكومة بالرد عبر تقرير تراعي فيه القواعد الفنية في كتابة التقارير لتفنيد تقرير المفوضية فقرة فقرة، بجانب استنطاق الموجودين عبر آلية وطنية كعمل وقائي يجنب الحكومة تدويل القضية ، وحذر المفتي الحكومة ان تكون اكثر حرصا في التعامل مع تقارير المجتمع الدولي، لافتا النظر الي قضية دارفور التي بدأت خطوات تدويلها من خلال اتهامات تحولت الي تقارير مهدت الطريق الي مجلس الامن الذي احال القضية للمحكمة الجنائية، واعتبرا ان أزمة جنوب كردفان الان تطورت من خلال اتهامات الحركة الشعبية الي تقرير سيعبد الطريق الي المحكمة الجنائية. واكد المستشار القانوني صالح محمود عدم وجود مجال لانكار الانتهاكات التي حدثت في جنوب كردفان نظرا لارتباط انتهاكات حقوق الإنسان بمناطق النزاع بين المجموعات المتقاتلة، وقال محمود ان مصلحة الحكومة تقتضي السماح للجان محايدة تابعة للامم المتحدة او الاتحاد الافريقي للتحقق والتقصي في طبيعة الانتهاكات لتحديد طبيعة الانتهاكات ومدي خطورتها وتحديد مسؤولية مرتكبيها، واوضح محمود ان السماح بدخول الخبراء المستقلين سيكون فرصة لابراء ساحة الحكومة من الاتهامات الموجهة اليها، في وقت لم يستبعد فيه تورط الحركة الشعبية في تجاوزات مماثلة، وطالب محمود الحكومة بتحكيم صوت العقل لمعالجة الأزمة من خلال الاعتراف بالحقوق المشروعة والتنوع في اطار الدولة واحترام حقوق المواطنة، محذرا من ان اتساع دائرة العنف في جنوب كردفان قد يجرجر الاقليم والمنطقة لوضع غير مستقر ترتفع معه وتيرة العنف بارتباطات معينة في النيل الارزق وشمال كردفان ومع دولة الجنوبالجديدة في ظل الاستقطاب والتداخل القبلي، ورهن محمود عدم تدويل القضية بادراك الحكومة ان الخيار العسكري لن يقود الا لتطوير الأزمة. ووصف المحلل السياسي والمهتم بشأن المنطقة دكتور صديق تاور التقرير بالقفز علي النتائج ، مشيرا الي ان الحديث عن الابادة الجماعية والتجاوزات علي درجة عالية من الخطورة ويطعن في مصداقية التقرير، ووصف تاور التقرير بانه مبني على معلومات غير موثقة وغير دقيقة ويعمل علي اثبات اشياء تمهد للخطوة القادمة وهي التدخل المباشر علي الرغم من انه اعد في ظروف بالغة الصعوبة حسب المفوضية، ورأى تاور ان هذا هو ديدن الاممالمتحدة التي تتخد تلك التقارير كمظلة لمخططات البلدان الغربية ، واضاف تاور ان التاريخ و التجربة يثبتان ان أي منطقة في العالم تم التدخل فيها تحت مظلة الاممالمتحدة لم يحسم النزاع فيها بشكل نهائي لانها تعمل علي استدامة الأزمة وتوسيع دائرة النزاع كواحدة من وسائل الكسب للمنظمة الدولية والعاملين عليها . وقال تاور ان الحركة الشعبية هي الاخري ضالعة في تقديم صورة اعلامية مبنية علي الشائعات من خلال استدعاء المجتمع الدولي واعطائه مبررات للتدخل، معتبرا سلوكها يجرد ممارسه من أي قيم اخلاقية او مسؤولية نحو الوطن، محملا الحركة قدرا من المسؤولية بحديثها عن الابادة الجماعية والاستهداف العنصري في الاحداث بشكل غير اخلاقي، واعتبر تاور ان رفض الحكومة للخبراء يعني مزيدا من التشويه للصورة القائمة الان بجانب وضع نفسها في دائرة الاتهام، كما رأى ايضا ان محاولة قبولها لهم يعني الوقوع في الفخ المنصوب لها نظرا لان لهؤلاء الخبراء اجندة واهدافا من وراء هذا التدخل، اما المخرج فوفقا لتاور يتمثل في ان تتعامل الحكومة بمسؤولية من خلال ترجيح كفة الحل السلمي وعدم اعطاء فرصة للتجاوزات الامنية ومراجعة خطابها وتعاملها مع الأزمة والاعتماد علي القوات النظامية بدلا عن المليشيات التابعة للحزب .