فلنعيد الذاكرة إلى الأيام الأولى لعيد الفطر المنصرم، ماذا قلنا في دعواتنا في المعايدة، وماذا أرسلت إلينا من رسائل على الهاتف الجوال، أعتقد ان العبارات غالباً ما تكون متشابهة مثلاً ربنا يجمع شمل الأمة الاسلامية، ربنا يوحد بلادنا، ربنا يوقف نزيف الدم في بلادنا، ربنا يرفع عنا الغلاء والبلاء، ويبعد عنا الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ربنا يسهل الأمور ويشرح الصدور ويلين القلوب، ربنا يوفق حكام بلادنا لتطبيق الشرع وينزل الغيث لينبت الزرع ويملأ الضرع. وبالنسبة لنا نحن أبناء دارفور كثيراً ما تداولنا ربنا يوقف نزيف الدم في دارفور ويعيدها إلى سيرتها الأولى، بتوقيع اتفاق سلام شامل، يسكت صوت البندقية، ويبعد عنا الأذى والأذية، ويوفقنا إلى حكام في دارفور يحنوا على الرعية ويقسموا بينهم بالسوية. السؤال هل استجيب لنا الدعاء؟ أو على الأقل استجيب لجزء من هذه الأدعية، بل ربعها أو ثمنها، ربما هناك دعاء وحيد استجيب له وهو ربنا متعنا بالصحة والعافية وأعد علينا رمضان سنيناً عديدة وأياما مديدة، لذلك بلغ معظمنا هذا الشهر الفضيل، وعيَّد الآن مع المسلمين، ولكن لا تظنون أن طول العمر في هذه السنين منحة ربما يكون نقمة، لأن هذه الظروف الكالحة التي اجتاحتنا في كل مكان من تشرذم للدول الاسلامية، والنزيف المستمر في بلادنا في دارفور وأبيي وجنوب كردفان وبالأمس لحقت النيل الأزرق بالركب الدموي، والضائقة المعيشية، وضيق الأخلاق، والنفاق، وغياب الشريعة الاسلامية منهجاً وعملاً، وغير ذلك من الفتن والمحن، فكل هذه «البلاوى» جاءت من صنع أنفسنا ويعفو الله عن كثير، المجتمع الحالي هو المسؤول عن كل هذه الكوارث، لأن المجتمعات انقسمت إما ما هو موغل في سفك الدماء وأكل أموال الناس بالباطل، والمشي بالنميمة والقطيعة وقطع الأرحام، ويغدر بالناس وهم غافلون نيام. أو حكام جائرون متخذون بطانة سوء هم أقرب للعدو، لا ينصحون واذا ذكروا لا يذكرون وهم في غيهم سادرون. والفصيل الثالث مجتمع متفرج يردد لا حول لنا ولا قوة، وهؤلاء هم شر البرية وأساس الأذية لأنهم سيقولون لربنا إنا كنا مستضعفين في الأرض، ويرد الله سبحانه وتعالى عليهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها! أما الصنف الرابع من المجتمع فهم المنافقون الدلاسون الذين ينظرون فقط في رغبة المسؤول سواء كان حاكماً أو محكوماً، رئيساً للجنة شعبية أو تاجراً يحمل رخصة محلية أو دولية، ينتبهون فقط للغة العيون قبل الاشارة باليد، أو ذكر باللسان تجدهم يسارعون إلي المدح والتطبيل وتزييف الحقائق فيجعلون منه ابن نبي، أو صحابي جليل تقي، ولا يخفضونه درجة لأبن تابعي، وان لم يكن يعرفون شيئا عن الأنبياء، فيصفونه بابن الأرباب أو ود السلطان، وكل الذي تقول حلال في حلال، واذا خاطبوا قاضياً وقد خرج لتوه من حكم بالاعدام لشخص ما قالوا له يا مولانا ما شاء الله عليك، والله رحمته، وان المنافقين في الدرك الأسفل من النار. أما الصنف الخامس فهم العلماء وأعني بهم علماء السوء الذين تركوا دينهم وراء ظهورهم لا ينصحون الحكام رغبة في ما بأيديهم، وليس رغبة في ما بأيدي الله سبحانه وتعالى فيرون ذلك بعيداً، وما عند الحاكم أقرب من رمشة العين، هؤلاء بينهم وبينهم التابعي سفيان الثوري أمداً بعيداً عندما التقاه الخليفة العباسي وقال له يا سفيان لماذا لا تغشانا كما يغشانا الناس، قال له لست في نعمة حتى أُهنيك ولا في نقمة حتى أعزيك، قال له تغشانا لتصحبنا وتنصحنا قال له من أراد الدنيا فلا ينصحك ومن أراد الآخرة فلا يصحبك. أما الصنف الأخير وهم قلة.. الزاهدون الناصحون في السر والعلن ولا يقبل لنصائحهم، فعندما يخرجون من المسؤولين يتعقبهم المنافقون وعلماء السوء إلى المسؤولين ويقولون عنهم انهم دراويش يا سيدي ديل «ما ناقشين» ديل عرفَّهم شنو بالاستراتيجيات وفن الحكم، ديل عايشين زمن الكهوف والكتب الصفراء ولا أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أجهل من هؤلاء، فيبتسم المسؤول مؤكداً صدق رواية المنافقين، والدجالين. وتدور الساقية وتقذف بالحمم والدماء تسقي مزارع الفتن والقتل والسحل والسجن، ولا يقبل لنا دعاء، إذن طول العمر استدراج ليس إلا. قال تعالى «ويستدرجهم من حيث لا يعلمون» «وأملي لهم أن كيدي متين». كل هذا الكلام الكثير لخصه النبي الكريم جماع الكلم قائلاً رب اشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء يدعو الله، وملبسه حرام، وغذى بالحرام أنى يستجاب له أو كما قال صلى الله عليه وسلم، من منا يجزم أنه برئ في هذا الزمان من كل حرام وشبهة، والربا لبسناه جلباباً نتزين به أمام الدول، تذكرون النقاش الأخير في المجلس الوطني عن القروض الربوية التي دافع عنه المجلس والله اقشعر بدني، عندما قرأت لمسؤول كبير جداً في المجلس يدافع عن ربا القروض طارحاً بالدين عرض الحائط ويقول نحن لسنا في دولة مدينة الرسول، وأجيز أخيراً القرض الربوي، وهذا الربا سوف يدخل جوف أي سوداني تهرب دوماً عن تناول أي نوع من أنواع الربا، فكيف يستجاب لنا؟! الدعوات التي ذكرت بعضاً منها في صدر المقال ورأيت أنها لم تستجاب لنا، أرجو أخي القارئ أن تراجعها وتصُححها، كم نسبة النجاح مئوياً، أمنيتي أن تدخلنا الجنة - ولكن الايمان ليس بالتمني وإنما بالعمل، فأين هو؟!