الدلالة الثالثة: توقيت إصدار القرار لولا جدية وقناعة الحكومة الراسخة بضرورة تحقيق السلام والاستقرار لما كانت «اتفاقية السلام الشامل- نيفاشا»، وهذا أمر لا خلاف حوله. ولولا التزام الحكومة الصارم النابع من هذه القناعة الراسخة بتنفيذ بنود نيفاشا لما كان هناك سلام، ولولا حكمة الحكومة وتجربتها الكبيرة بتجاوز تجاوزات الحركة الشعبية للاتفاق، لما استطاع الجنوب تأسيس دولته الخاصة به. الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يوفوا بالجزء الأكبر من تعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم حين التوقيع على نيفاشا بالدعم والمساندة المادية والفنية لتحقيق الوحدة الجاذبة، وكل ما فعلوه أنهم استغلوا الاتفاقية للتأسيس للدولة الجديدة في الجنوب. والحكومة كانت ومازالت على دراية تامة وإلمام كامل بنوايا كثير من دول الغرب التي تكيد ليل نهار للنيل من عزة هذا الوطن الشامخ، وهي - أي الحكومة- عندما وافقت على تأسيس دولة جنوب السودان، وعندما شاركت في احتفالات التأسيس بجوبا بقيادة رئيس الجمهورية إنما فعلت ذلك من منطلق الوفاء بالعهود واحترام خيار شعب جنوب السودان من جهة، ومن جهة ثانية للتأكيد على العلاقات والوشائج التي تربط بين الطرفين ما يوفر بنية قوية لعلاقات أصيلة ومتينة تعود بالنفع على الدولتين. ولكن صدقت تنبؤات الحكومة بأن الغرب سيهدئ قليلا من حملته على السودان لحين اتمام اتفاق نيفاشا وتأسيس دولة الجنوب، ليعلن بعدها، بعد أقل من شهر من إعلان تأسيس دولة جنوب السودان، الحرب مجددا على دولة الشمال وكيل التهم لها بعدم التعاون مع المجتمع والمؤسسات الدولية وهي التي تجاوزت عن كبائر الحركة الشعبية وأخطائها، وعن عدم إيفاء الغرب والمجتمع الدولي بالتزاماته تجاه اتفاق نيفاشا، والتزمت بتنفيذ بنود اتفاق السلام الشامل والقبول بنتائج الاستفتاء رغم علله والترحيب بدولة الجنوب الوليدة ودعوتها لبناء علاقات أخوية صادقة معها. إن الغرب يعتقد إنه بانفصال الجنوب قد حقق ما كان يصبوا إليه في هذه المرحلة، وما قرار التمديد ليوناميد إلا إعلانا جديدا لمرحلة جديدة بأساليب جديدة في التعامل مع السودان الشمالي، تمهيدا لتحقيق أهداف أخرى نعلم بعضها وبعضها يعلمه الآخرون. هذا الموقف يشابه كثيرا ما فعله الغرب مع الحكومة بإرجاء تفجير بالونة النزاع في دارفور إلى حين التوقيع على نيفاشا. ولكنهم «يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين». الدلالة الرابعة: ثروات السودان والديون الأمريكية فقدت الولاياتالمتحدة وضعها الائتماني المميز الذي كانت تتمتع به لعقود عدة بعد أن أصبحت عاجزة عن تسديد ديونها مما أضطرها إلى رفع سقف الديون الحكومية للمرة الثالثة والتسعين (93) ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في تاريخ أمريكا. وكيف لدولة ترفع سقف ديونها للمرة الثالثة والتسعين خلال أقل من مائة عام (منذ عام 1917م)، وهي المرة العاشرة منذ العام 2001م، ورغم ذلك تدعي أنها ليست مفلسة وعاجزة عن تسديد ديونها. ديون الإدارة الأمريكية اليوم بلغت بنهاية يوليو 2011م 14.7 بليار (ليس مليار) أي بلغة الأرقام (000 000 000 700 14). ولا شك في أن الولاياتالمتحدة ومعها بعض الدول الكبرى قد وضعت عينها منذ أمد بعيد على ثروات السودان سواء كانت فوق أو تحت سطح الأرض. ولا شك في أن لمعان الذهب وبريقه له تأثير على البعض يفوق تأثير الخمور والمخدرات فهو يذهب عقول الكثيرين لمجرد رؤيته ويدفعهم بالتضحية بأرواح البشر في سبيل وضع يدهم على هذه الثروات خاصة لو كانت لشعوب غيرهم فتضيف لذة الهيمنة والظلم إلى الذهب بريقا يهدم في أنفسهم كل القيم والمبادئ والقوانين والأعراف في سبيل استحواذه. وهذه المرة بجانب الاستحواذ جاءت الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها الولاياتالمتحدة بدرجة أولى لتدفع من يسمون أنفسهم الدول الكبرى بتسخير الآليات الأممية لتحقيق مآربهم ومقاصدهم الخفية بالاستغناء من ثروات الشعوب وإفقارها، وللحيلولة دون سقوط هذه الإمبراطورية الظالمة لأن بسقوطها سيسقط الكثير من الطفيليين الذين يقتاتون من فتاتها. ولكن هيهات لهم. الحكومة السودانية الحالية ومن قبلها حكومة الإنقاذ لم تسد باب الاستثمار يوما في وجه أحد. وهي لم تتجه شرقا إلا بعد أن رأت تعنت الغرب والاشتراطات التي يفرضها للاستثمار في السودان. فكان أن فتح الله علينا مراغما كثيرة وسعه. والحكومة تعلم علم اليقين بأنها لوحدها لا تملك الآليات المطلوبة للاستفادة من كل هذه الثروات وهي لذلك عملت على فتح باب الاستثمار للجميع إلا من أبى. فإن كان الغرب يريد أن يأتي من الباب للاستثمار دون شروط أن تدخل في الشؤون الداخلية فحيا هلا، وإلا فإن بقية الأبواب ستظل مغلقة في وجه كل متكبر ظالم. الدلالة الخامسة: شق وحدة الصف الداخلي إن إعلان الحكومة بتأسيس الجمهورية الثانية عقب انفصال الجنوب ومواصلة ما كان من حوار مع كل ألوان الطيف السياسي السوداني، والإفصاح عن استعدادها لتقديم تنازلات كبيرة وإفساح المجال للقوى السياسية للمشاركة في الحكم، والنجاح الذي تحقق على هذا الصعيد والإجماع الذي تكونت عروته الوثقى بإعلان العديد من القيادات السياسية بالبلاد عن موافقتها على المشاركة الجادة في هذه المفاوضات بعد اقتناعها بالأساس الذي تقوم عليه، لم يعجب الكثيرين من أعداء الوطن ومن لا يريدون له التقدم والتطور. الدلالة الرابعة لقرار مجلس الأمن 2003 تتعلق بضرب وحدة الصف الداخلي التي - حين اكتمالها- ستمثل خط الدفاع الأول عن الوطن وشجرته الصاعدة أفرعها للسماء للوقوف ضد أية محاولة للنيل من وحدة وتراب ومكتسبات الجمهورية الثانية. هذه المحالة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وحكومة مثل الحكومة السودانية وشعب من أبناء تهراقا والمهدي والميرغني وعلي دينار والتعايشي وود النجومي وود حبوبة ومهيرة ونسيبة وعبد اللطيف الماظ وغيرهم من الأجداد والآباء الذين بذلوا الجهد والعرق والروح في سبيل هذا الوطن، الشعب والحكومة ظلا يواجهان كل الصعاب والعقبات والمكائد والمكر على مختلف الأصعدة والمنابر والميادين بصبر وتأني وخبرة ودراية واحتساب لن ينال منها ومنه مثل هذه القرارات الجائرة، وهي لن تزيدنا إن شاء الله إلا ثباتا على ثبات وقناعة على قناعة بأننا على الحق وهم على الباطل. أيها الحالمون فلتعلموا ما الإنقاذ إلا حكومة من حكومات السودان ولا نعتقد أن رجالاتها جاءوا إلى الحكم ليبقوا في سدته أبد الدهر.. ولتعلموا أنما الإنقاذ فكرة استقرت في جوف كل سوداني صادق وغيور على دينه ووطنه، لذا ليس هناك ما يسمى بالإنقاذ ولكن هناك حكومة منتخبة من أحزاب نالت ثقة الشعب والناخب السوداني. فإن أنتم أردتم أن تجذوا شجرة الإنقاذ ليس عليكم أن تغيروا مفاهيمنا تجاهها لتمحوا الفكر الإنقاذي، ولكن عليكم أن تقتلعوا قلوبنا التي في صدورنا لأنها هي أداتنا التي نعقل ونبصر بها الأشياء. لقد حاولوا من خلال توقيت استصدار هذا القرار ضرب الإجماع الوطني وشق وحدة الصف الداخلي بعد أن رأوا بأم أعينهم أن بشائر الجمهورية الثانية قد لاحت في الأفق وأن ثروات السودان ونعم الله بدأت تتدفق من السموات والأرض مطرا رخاء وذهبا ناصعا ومعادن جمعا ونعيم لا ينضب بإذن الله. لقد جن جنون الغرب بعد أن باءت كل خططهم بتفتيت السودان عبر مكائدهم ومكرهم وكانوا يعتقدوا أن انفصال الجنوب سيدفع المواطنين للخروج إلى الشارع ضد الحكومة وصدموا عندما رأوا السمو الذي تعامل به إنسان بلادي باحترام رغبة الجنوبيين إن هم أرادوا الانفصال، ثم فرحوا مرة أخرى عند قدوم فصل الربيع العربي معتقدين أنه سيجذ شجرة الإنقاذ ولكنهم لا يدرون أنها متصلة بالسماء فجاء الربيع على غير ما يبغون خيرا وسلاما على السودان حكومة وشعبا. نختم ولسان حالنا يقول «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». لا شك في أن قرار مجلس الأمن أكد ما يعتقده الكثيرون من أن الأممالمتحدة بشكلها وهيكلها الحالي ليست هي الآلية الأفضل لتحقيق السلام والأمن في العالم، وأنها رهينة لبعض الدول التي تستخدمها لتحقيق وحماية مصالحها الخاصة. وإلا فأية دولة في العالم بذلت خلال العقدين الآخرين ما بذلته الحكومة السودانية في مجال السلام، وأية حكومة قدمت من التنازلات ما قدمته الحكومة السودانية وقادتها، وليس أدل على ذلك من تنازل نائب رئيس الجمهورية من موقعه لصالح اتمام عملية السلام في جنوب السودان وذلك في وقت يحترب فيه الناس ويقتتلوا من أجل هذه المواقع والمناصب. ولكنها سياسة الكيل بمكيالين والقياس بمعيارين وهي لم تعد تنطلي علينا ولا على الشعب السوداني الذي حاول مجلس الأمن بقراراته هذه الفصل بينها وبين قيادتها ولكنهم «هموا بما لم ينالوا». ولنا عودة إن شاء الله. [email protected]