أعادت الغازات التي انبعثت من المقر السابق للسفارة الامريكية بشارع علي عبد اللطيف ذكرى تفجيرات سفارتي الدولة الأولى في العالم بدار السلام ونيروبي قبل 13 عاماً وهو التاريخ الذي مثل البداية الحقيقية للحملة الامريكية ضد مايسمى بالارهاب ، فكان تكثيف الحماية الامنية بمقار سفارتها حول العالم وعدم الاعتماد على حماية الدولة المستضيفة من ابرز اولويات امريكا منذ تلك اللحظة، وكأن الاقدار ارادت ان يتزامن انبعاث الغازات مع الذكرى العاشرة لتفجير برجي التجارة العالميين في تلك العملية التي صارت معلما وقسمت تاريخ العالم الى ما بعد وما قبل سبتمبر مكتوبا بقلم القطب الأوحد. الغازات التي تضرر منها سبعة مواطنين فتحت باب اسئلة واستفاهات حائرة حول الحادثة من جهة ودلالات توقيتها غير المرتب له من جهه اخرى، فاحتواء الشرطة السريع وتدخلها في الوقت المناسب للسيطرة على الغازات المنبعثه للحيولة دون انتشارها لم يمنع التساؤل عن الجهة المسؤولة عن هذه الحادثة التي اعتبر البعض انه لولا لطف الله والتحرك السريع للاجهزة المختصة لحدث مالا تحمد عقباه، فهل تقع المسؤولية على الدولة واجهزتها الامنية التي اشار البعض الى انها كانت مطالبة باخضاع مقر السفارة السابق للتفتيش للتأكد من عدم وجود مخلفات تهدد حياة المواطنين وايضا للتعرف على الكيفية الامنية التي اتبعتها أكبر دولة في العالم لحماية سفارتها في دولة تعتبرها راعية للإرهاب، ويتساءل اصحاب هذا الرأي عن كيفية دخول هذه المواد الى السودان، ويذهبون في اسئلتهم ناحية مسؤولية سلطات السفارة ومالك العقار فيما ماحدث. وبعيدا عن الغازات التي تسربت تفرض احكام اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على الدول واجب حماية شخص الممثل الدبلوماسي ومنع الإعتداء عليه او على حريته أو على اعتباره وكذلك واجب حماية مباني البعثة الدبلوماسية ومقر اقامة رئيس البعثة، وان هدف هذه المزايا والحصانات تأمين أداء البعثات الدبلوماسية لأعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها ، وهذه الاتفاقية تعني ان الحراسة التي كانت تؤمنها الحكومة السودانية للسفارة الامريكية واجبة ، ولكن السؤال هو: هل من حق السفارة الاجنبية تأمين مقرها بمعزل عن سلطات الدولة المضيفة ، ذات الاتفاقية تشير الى انه اذا اخفقت الدولة في حماية السفارات الاجنبية فيحق للدولة صاحبة السفارة ان ترسل قوات حفظ سلام دولية او من دولتها ، و عند اسقاط هذه الفقرة على السفارة الامريكية على ارض الواقع تنتفي اسباب حاجتها لاستعمال اساليب خاصة لحمايتها لجهة عدم عجز السلطات السودانية عن حمايتها، بيد ان مراقبين اشاروا الى انه ربما كان للسفارة رأي في الحماية المحلية خاصة في ظل تصنيف السودان بانه من الدول الراعية لما يسمى بالارهاب، وهنا يشير الخبير الامني حسن بيومي الى ان القانون يعتبر حرم السفارة وماداخلها بمثابة الجزء من بلد السفارة ولها الحق في ان تفعل فيه ماتشاء وهذا يعني ان توفير السفارة لحماية اخرى أمر طبيعي ومتعارف عليه ، بيد ان الخبير الامني عبر عن بالغ تعجبه من عدم حمل السفارة لكامل اغراضها ومعداتها من مقرها القديم . وعن مدى قانونية ادخال السفارة لاجهزة امنية ومعدات عسكرية وادوات حماية ، يشير الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية العبيد احمد مروح الى انه من الطبيعي ان تدخل السفارة الامريكية انابيب غاز بغرض الحماية الامنية وفقا لقوانين الحماية لديها وتدخل البلاد دون تفحصها السلطات ، واشار الى ان الانابيب اذا دخلت البلاد معبأة او عبئت داخل السفارة ليس للسلطات علاقة بذلك ما لم يمتد الضرر لخارج مبنى السفارة ، وقال المروح ان هناك الزام على اية دولة وفقا لاتفاقية ڤينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 ان توفر الحماية للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها وعليه لاتخضع الحقائب الدبلوماسية التي قد يصل حجمها الى حاويات ضخمة للتفتيش وتعفى من الجمارك والضرائب وفقا للاتفاقية، ونبه الى ان السفارات اخلاقيا تلتزم بان لاتحتوي حقائبها الدبلوماسية على محتويات تتعارض مع قانون الدولة المعنية، واستبعد ان تسفر السفارة الامريكية عما وجد بمبناها السابق الا في حال طلبت سلطات الدولة استفسارات عن الامر، وقال انه في حالة وقوع ضرر فان الاجراء يكون بوليسيا عبر اجراءات تقوم بها وزارة الخارجية، ويعود الخبير الامني حسن بيومي ليشير الى ان المسؤولية لاتقع هنا على عاتق الدولة بل يتحملها صاحب العقار في المقام الاول وذلك لانه كان مطالباً بالتأكد من خلو المقر من اي مهدد قبل استلامه من السفارة ، ويستبعد ان يكون مالك العقار قام باجراء تفتيش على المبنى بعد ان اخلته السفارة الامريكية التي حملها المسؤولية ايضا، مستبعدا في ذات الوقت ان يكون الامر جاء عن سوء نية من السفارة الامريكية بل اعتبره يقع في باب الاهمال وقال انه يتوقع ان تكون السفارة الامريكية قد قامت بفتح تحقيق حول الامر وذلك لانه يخصم من مكانة دولة كبرى مثل امريكا. وينظر مراقبون الى الامر من زاوية اخرى تشير الى ان هذا الحدث العابر وفي مثل هذا التوقيت يحمل دلالات عميقة توضح ان حرب امريكا ضد ماتسميه بالارهاب لن تتوقف وانها في سبيل حماية مصالحها ورعاياها في أي مكان في العالم لن تتوانى في استعمال ماتراه مناسبا من القوة، مشيرين الى ان السفارة الامريكية في مصر توجد على سطحها طائرة عمودية امريكية للاجلاء في حال حدوث أمر طارئ أو مهدد امني . يشار الى ان سبعة مواطنين سودانيين اصيبوا بحالات اغماء نتيجة تسرب مادة كيميائية كانت داخل مبنى السفارة الامريكية سابقاً، وأدى الحادث إلى اختناقات مرورية وسط الخرطوم. وقال المكتب الصحفي للشرطة ان فريقاً مختصاً من الادلة الجنائية والجهات المختصة أكدوا عدم وجود مادة اشعاعية أو مادة قابلة للانفجار، ورجح انها من المواد التي تستخدم في عملية التأمين.