٭ لن يختلف اثنان في أن التعاون اصبح في عصرنا صيغة رئيسة من صيغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد النامية مشاركاً مع القطاع العام والخاص في تعبئة الموارد المادية والبشرية واستخدامها في الانتاج تمهيداً لزيادته بأكبر قدر ممكن لتصعيد معدلات التنمية ورفع مستوى المعيشة خاصة للفئات ذات الدخل المنخفض. هذا حال التعاون عامة في البلاد النامية وحالنا في السودان منذ بزوغ الحركة الوطنية في الاربعينات كان التعاون احد برامجها لاستقطاب الجماهير وهي أحدى ركائزها لمحاربة الاستعمار. وخاصة، ان المجتمع السوداني ينطوي على جذور عميقة للتعاون الفطري الجماعي وربما بشكل أكثر شمولاً وتعدداً فيما هو معروف في المجتمعات السودانية باسم النفير حيث يستنفر الناس طوعاً ومعاً لبناء منازلهم الريفية أو استصلاح الاراضي الزراعية في مواسم الزراعة والحصاد أو كما يحدث في حالة الفزع والخطر من الفيضانات وما زالت حالات التكافل في مناسبات الافراح والاتراح بما يسمى الواجب وأيضاً أن ظاهرة (الختة) وسط النساء. واذا ما قدمنا من أمثلة حية لممارسات هى سمة المجتمع السوداني فإن فكرة التعاون لم تجد صعوبة بمفهومها التقليدي أو الحديث واذا أضفنا الى ذلك البعد الديني لمجتمع معظمه يعتنق الدين الاسلامي وأن قول الله تعالى (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:( أمتي بخير ما تعاونوا). والحقيقة ان التعاونيات في كل ربوع السودان اثبتت جدارتها وممارسات جماعية عريقة في كل المجتمع سلوكاً اجتماعياً واسلوباً انتاجياً وإدارة حضارية راقية وظل التعاون ينمو ويزدهر حتى اصبحت الجمعيات التعاونية الزراعية والآلية والاستهلاكية والصناعية في كل قرية وحي ومدينة وهى تعالج بحكمة وحنكة كل قضايا الفقر والمشاكل في توفير المواد التموينية والزراعية والترحيل.. الخ. وقام الرواد الاوائل من الديوانيين برفع قدرات التعاونيين الشعبيين وساهموا معاً في عقد المؤتمرات وفي صياغة قوانين التعاون وتشريعاته من قانون 8491 و 3591 و 0791 معدل 3791 وقانون 2891.. الخ . كل هذه القوانين اعطت للتعاون حقه وسلطاته واصبحت الجمعية العمومية هى السلطة العليا وهي التي تنتخب مجالس الإدارات وتجيز الميزانيات وتضع خطة العمل وتحاسب ولا سلطة أياً كانت فوق سلطات الجمعية العمومية واستطاع الرواد الاوائل من الديوانيين والشعبيين ان يغرسوا وسط جماهير الحركة التعاونية المبادئ التعاونية العالمية السمحة وهى أربعة في التشريعات التعاونية: أ/ العضوية الاختيارية المفتوحة دون تميز اجتماعي او عرقي أو ديني أو سياسي. ب/ الجمعيات التعاونية منظمة ديمقراطية تدار بواسطة مجالس إدارتها المنتخبة بواسطة القاعدة التعاونية ولكل عضو صوت واحد مهما كبرت أسهمه. ج/ الفائدة المحدودة على رأس المال المساهم مهما كبر رأس المال. د/ العائد على المعاملات لاعضائه في حالة تحقيق قدر من الارباح وبقدر معاملة العضو مع مؤسسته التعاونية. كان هذا الزخم وسط الحركة التعاونية السودانية واصبحت قبيلة التعاون هى التي تسود المجتمع السوداني وتحرك الاقتصاد والتنمية والزراعة في البلاد وتساهم بنسبة عالية لترقية المجتمعات بالمساهمة (المدارس، المراكز الصحية والمساجد.. الخ). وجاءت الإنقاذ وفي أول أيامها الغت كل القوانين والتشريعات التعاونية وحل كل مجالس إدارات التعاون المنتخبة وعينت مكانها لجان تسيير لا تعرف ولا تفقه عن التعاون شيئا واعتقلت قيادات الحركة التعاونية السودانية عندما تصدت هذه القيادات لحل مجالس إداراتها وساد الفساد وخربت كل انجازات التعاون في السودان وأضرب مثلاً واحداً بمطاحن حلفاالجديدة التعاونية وجمعيات اللواري والاتحاد الاستهلاكي بحلفا وهو شاهد حي على ما تم من ممارسات خاطئة وفاسدة بل توقف العمل بالمطاحن ومصانع الاعلاف وتوقفت (القندرنات) واصبحت هذه المؤسسات مديونة واصبحت البنوك تطارد مجالس إدارتها وتعتقلهم على الديون الباهظة التي سببتها لجان التسيير، واصبح الوزير هو السلطة فوق الجمعية العمومية وهو يلغي إجراءات الجمعية العمومية ويعين مجالس إدارتها ويحول سلطاته للوالي أو المعتمد. هذا حال التعاون بعد الانقاذ. السادة مرشحو رئاسة الجمهورية والولاة.. حزنت كثيراً عندما اطلعت على برامج الاغلبية من المرشحين وهى تغفل دور التعاون في برامجها الانتخابية والاقتصادية والاجتماعية. وأقول لكم جميعاً بأن القاعدة التعاونية سوف لا تعطي صوتها لمن يغفل دور التعاون ولا يطرح معالجة عملية للآثار السالبة التي لحقت بالتعاون وبقوانينه وتشريعاته واقول لكم أيضاً نحن قبيلة التعاون كثر سنعمل جميعاً بكل جهد لإعادة التعاون لسيرته الاولى وسنناضل اليوم وغداً من أجل التعاون الديمقراطي المعافى.. هل أنتم معنا في معالجة قضايا التعاون.؟ اللهم اني قد بلغت فأشهد وشكراً سكرتير سابق لاتحاد الجمعيات التعاوني لمطاحن حلفا حلفاالجديدة- دبروسة