إذن.. تنظيم القاعدة يشاطر الحكومة السودانية رأيها، من أن هناك مخططاً دولياً يهدف الى تمزيق السودان إلى دويلات، وخوفها أيضاً من تنامي الدور الاسرائيلي المحتمل في المنطقة، الا انه على خلاف الحكومة انتقد بشدة انفصال الجنوب عن السودان، واعتبره قائد التنظيم الجديد، المصري، ايمن الظواهري، يمهد للنفوذ الاسرائيلي ومن شأنه ان يحاصر مصر، وقال الظواهري الذي كان يتحدث في تسجيل صوتي بث على مواقع الانترنت الجهادية الاول من أمس بمناسبة الذكرى العاشرة لاحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إن على السودانيين العمل على إطفاء نار الفتنة في مناطق التوترات، حتى يحافظوا على وحدة دولتهم، وبالتالي فإن رسالة تنظيم القاعدة للسودانيين تبدو، فيما يبدو واضحة، وهي إطفاء نار الفتنة، على حد قول الطبيب الجراح ايمن الظواهري، بعكس آخرين يرونها تحمل دلالات سياسية وإعلامية. القاعدة التي تعتبر من أكثر التنظيمات تطرفا وعنفاً في العالم، منذ ارتباطها بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي روعت اميركا، درجت منذ حياة زعيمها السابق، أسامة بن لادن، الذي قامت بتصفيته فرقة خاصة من الجيش الاميركي، في آبوت أباد الباكستانية، في الثاني من مايو من العام الجاري، على التحدث في شؤون الدول الإسلامية والعربية ولا تتورع في ان تقول ما تشاء، وتتهم من تشاء بأنه عميل وموالٍ لاميركا والغرب عموماً، كما كان يتحدث زعيمها الراحل عن الدول الاسلامية من اندونيسيا حتى موريتانيا. وللقاعدة قصة مع السودان، أو على الاقل مع زعيمها، الذي يتحدر من أصول يمنية، اسامة بن لادن، فكان الرجل المليونير الذي اختلف مع ملوك وامراء المملكة العربية السعودية التي يحمل جنسيتها، يعيش بالخرطوم مستثمراً ورجل اعمال لديه العديد من المشروعات في البلاد، مع نظام الانقاذ الناشيء حينها في السودان، ذو التوجه الاسلامي، والمعادي للغرب والامبريالية. ابن لادن قضى ما يقارب الست سنوات في السودان في الفترة ما بين العامين 1991، و1996، وبعد ضغوط عديدة مورست على حكومة الخرطوم غادر الرجل الخرطوم من غير عودة بعد ان تخلت عنه الخرطوم كما يقول كثيرون، وكان زعيم الجهاديين السابق في العديد من خطاباته التي تلت احداث الحادي عشر من سبتمبر يتهم حكومة الخرطوم بموالاة الكفار مثلها مثل حكومات اخرى، ذات خلفيات سياسية، غير التي ينطلق منها المؤتمر الوطني الحاكم حالياً في السودان. ولكن ان يتحدث زعيم التنظيم الجديد، وفي ثاني خطاب له بعد ايلولة قيادة التنظيم له، في مايو الماضي، عن السودان، وعن انفصال الجنوب والخطر الاسرائيلي على مصر، فإن ذلك يعني بأن التنظيم لا يزال غارقاً حتى أخمص قدميه في جهاده المقدس ضد اليهود والاميركان والغربيين عموماً بحسب ما يعتقد التنظيم. ومن ناحية أخرى، يعتبر التنظيم ان السودان دولة مهمة للغاية ومحورية بالنسبة للإسلام والمسلمين، ويعتقد بأنها استراتيجية، وتحمي ظهر المنطقة العربية والاسلامية من اي خطر يتهددها، إلا أن الناظر لما قاله الظواهري، يجد من دون ريب، ان للتنظيم اطلاعا دقيق على ما يجري في المنطقة، وله آراؤه السياسية، بعيداً عن التفجيرات القاتلة، وهو ما يعكس بأن التنظيم، ومن ضمن استراتيجية قد تكون جديدة يتجه الى اسداء النصح، او ربما بدافع الخوف، من نفوذ اعدائه حال حدثت اضطرابات بالسودان، ولكن أياً كانت الدوافع والمسببات التي دفعت التنظيم لإرسال رسالة الى السودانيين، فإن القاعدة تظل إحدى أهم المنظمات المتطرفة، التي تقاتل باسم الدين في شتى أنحاء العالم ومن دون هوادة بحسب كثيرين، غير أن خيطاً رفيعاً يبدو انه يربط التنظيم، بما يحدث هنا في السودان غير الدين، كما يذهب الى ذلك محللون، وهو ان القاعدة باتت تبحث عن موطيء قدم في المنطقة غير اليمن وموريتانيا اللذين تواجه فيهما حرباً شرسة، خاصة بعد ان اصبحت باكستان وافغانستان ملاذات غير آمنة، وتدهور الوضع الامني في ليبيا قد يفتح من شهيته في المنطقة، خاصة بعد اتهامات كثيرة طالت كثيرا من الثوار الليبيين بانتمائهم للتنظيم الجهادي. غير أن محللين آخرين، يختلفون معهم في الرأي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، ورئيس تحرير صحيفة ( المحرر)؛ محمد خليفة صديق، يقول إن علاقة تنظيم القاعدة بالسودان علاقة قديمة نشأت بين أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، ووصلت الى درجة عمل زعيم التنظيم بالسودان لست سنوات، ويضيف صديق في حديثه ل (الصحافة) عبر الهاتف أمس، أن تنظيم القاعدة في تلك الفترة انشأ فرعاً له بالسودان (بلاد النيلين)، إلا أنه يشير الى عدم تمكن التنظيم من ممارسة عمله وبناء تنظيمه. الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، يلفت إلى أن تنظيم القاعدة يعتبر نفسه جزءاً من أي مكان في العالم الإسلامي يوجد به غربيون سواء في شكل احتلال كما في العراق وافغنستان، او في شكل قوات اجنبية كما في حالة السودان، والتي يقول بشأنها إن القاعدة كانت قد وجهت نداءً سابقاً لكل المسلمين ومنسوبيها بأن يتجهوا الى السودان إبان دخول قوات (اليوناميد) لدارفور في 2007، ويعود صديق مرة أخرى الى الشريط الذي بثته المواقع الجهادية على شبكة الانترت اول من أمس، ويقول إن الرسالة كان يقصد من ورائها التنظيم بشكل كبير، تنبيه السودانيين الى ضرورة حل خلافاتهم من اجل المحافظة على بلادهم، ويصنفها بانها رسالة ايجابية، بالرغم من تأكيده اختلافهم مع التنظيم في كثير من اعتقاداته وممارساته على حد قوله. ويذهب صديق الى ان تنظيم القاعدة غير قادر على العمل في السودان، على الاقل حالياً، وبحسب رأيه فإن التنظيم لو كان يريد ان ينقل عمله الى السودان، لما اضطر الى بث التسجيل الصوتي لزعيمه، بيد ان صديق حذر في الوقت ذاته من ان هناك (جيوباً) تحمل أفكاراً متطرفة، قد تعمل الرسالة على تغذيتها، وأشار الى نقطة أخرى تتعلق بالجهاديين في الصومال، وقال إنه من الممكن أن تدخل تلك الجيوب الى السودان، مستغلين في ذلك الحدود الواسعة والمضطربة على جانبي حدود السودان وجنوب السودان، عن طريق النيل الازرق، واستبعد الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية، أية خطورة يمكن ان تأتي عن طريق ليبيا، وأكد أن وجود قاعدة في ليبيا مجرد زعم ولا يوجد دليل يثبت ذلك، وبالنسبة لمحاولة بحث القاعدة في اليمن وموريتانيا عن ملاذ آمن في السودان، ينفي ذلك بسبب ما قال إنها صعوبة تنقلهم وعبورهم البحر في حالة اليمن، وتنسيقها مع مالي في حالة موريتانيا. ويوضح صديق، مسألة قال إنها مهمة للغاية، وهي ضرورة التعامل بجدية مع ما قاله زعيم تنظيم القاعدة؛ أيمن الظواهري، معتبراً أن التنظيم لديه شهية مفتوحة للعمل من داخل السودان.