تأتي انتخابات عام 2010م في ظل عوامل داخلية وخارجية مؤثرة، ومخاوف ومحاذير تشغل بال القوى السياسية المعارضة التي اتهمت المفوضية القومية للانتخابات بفساد مالي وادراي، وشرعت في تقديم طعون ضدها، كما طالبت بعمل لجنة لمراقبة عملها، وبحسب المراقبين فإن انعدام الثقة بين مكونات المسرح الانتخابي أدى لتنامي الحاجة لنظام مراقبة موثوق به يعزز من مشاركة الأحزاب السياسية والمرشحين وباقي الشركاء في العملية الانتخابية، الأمر الذى يؤدي الى تحسين احتمالات نجاح لانتخابات شرعية يقبل بها الشعب والمتنافسون، وفى ظل هذه الاجواء والتحفظات اللا متناهية من جميع الاطراف. ويتعاظم دور الرقابة الوطنية اللا حزبية، من قبل منظمات المجتمع المدني باعتباره صمام أمان لمجمل العملية الانتخابية، لا سيما إن استطاعت التغلب على شكوك الحكومة والقيادات الحزبية المتنافسة، واكتساب المصداقية. ولكن ما هي ضوابط ومعايير اختيار المراقبين؟ وما هي الاجراءات القانونية والحقوقية التي تمنح للمراقبين المحليين؟ وما هو سقف تلك المراقبة؟ وما هي ضمانات نجاح العملية، لاسيما أن حق الرقابة المحلية وافد جديد نصَّ عليه قانون 2008مم للانتخابات؟ يرى الخبراء أن مراقبة الانتخابات تعد من وسائل الوقاية المهمة بالنسبة لنزاهة الانتخابات، فهي إحدى وسائل التحقق والمتابعة التي تحمي استقامة الإدارة الانتخابية، وتعزز من الالتزام بالإطار القانوني، وتسهم في منع الممارسات المشبوهة، حيث ترفع التقارير العامة الناتجة عن عمليات الرقابة، وتساعد على إخضاع القائمين على إدارة الانتخابات لمبدأ المسؤولية والمحاسبة، وتشتمل الرقابة على عمليات الإشراف والمتابعة الرسمية التي تقوم بها أجهزة الحكومة المسؤولة عن عمليات التدقيق، بالإضافة إلى وكلاء الأحزاب السياسية، والمنظمات المحلية والجهات الدولية. ويطلق على رقابة القوى السياسية مصطلح رقابة «حزبية»، فيما تسمى الثانية التي تقوم بها المجموعات الوطنية أو الدولية «بغير الحزبية»، وتركز المراقبة الأولى اهتمامها على حماية حقوق ومصالح مرشح أو حزب ما دون غيره، للتحقق من فضح أية أحداث تضر بأي من الأحزاب أو المرشحين دون استثناء، فيما تركز الأخيرة اهتمامها على حماية نزاهة العملية الانتخابية أكثر من نتائجها، وهي بذلك لا تلغي الرقابة الحزبية ولا تحل محلها، بقدر ما تكمل أدوارها. هذا وقد بدأت الرقابة المحلية اللا حزبية في الفلبين عام 1986م بمبادرة من قبل «حركة المواطنين القوميين للانتخابات الحرة» (NAMFREL) ثم ما لبثت أن انتشرت في دول أخرى: مصر، اليمن، بورندي، إثيوبيا، كينيا، غانا، جنوب أفريقيا، سيراليون، أندونيسيا، بلغاريا، شيلي، زامبيا، بنغلاديش، كرواتيا، سيريلانكا والبرغواي، لذلك فإن الرقابة الوطنية اللا حزبية تعتبر حديثة نسبيا، وضيفا جديداً في مسيرة الانتخابات السودانية. ويقول مدير تنسيق شبكة حقوق الإنسان والقانون الدولي ورئيس لجنة سكرتارية تنسيق منظمات المجتمع المدني أزهري الحاج إن الرقابة الوطنية حق معمول به في كل العالم، غير أنه يعتبر الأول من نوعه بالسودان بموجب المادة 104 «3» «د» من القانون التى تضمنت حق منظمات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات. ولكن ما هي ضوابط ومعايير اختيار تلك المنظمات؟ وماذا عن الإجراءات القانونية والحقوقية التي تمنح للمراقبين المحليين؟ وما هو سقف تلك المراقبة؟ مستشار المفوضية السفير محمد عبد الدائم، عرف المراقبين المحليين بأنهم مواطنون سودانيون لا حزبيين، مخولون من قبل المنظمات المحلية ذات الصلة بالعمل المدني. وعن معايير الاختيار قال عبد الدائم إنه تم وضع عدة معايير، وعلى ممثلي ووكلاء المرشحين والقوائم الانتخابية وهيئات الرقابة المحلية والدولية الالتزام بها، ومنها أن تكون المنظمة ناشطة في مجال المجتمع المدني، وأن يكون تسجيلها ساري المفعول من كافة الجهات الحكومية المناط بها اعتماد شهادات المنظمات العاملة في المجتمع المدني على اختلاف أنشطتها، هذا بجانب الالتزام بالحيادية وعدم انتمائها لحزب أو جهة سياسية. وألا يكون أعضاؤها منافسين في الانتخابات، وكذلك يشترط الخبرة والتدريب. واشار محمد خلال اتصال هاتفي ل «الصحافة» الى أن المفوضية تلقت ما يفوق ال «8» آلاف طلب من منظمات المجتمع المدنى، تؤكد فيها رغبتها فى المشاركة فى مراقبة الانتخابات بكل أنحاء السودان، وقال: «إن المفوضية تعمل حالياً على تصنيف الطلبات التى قُدمت لها للراغبين في المشاركة في مراقبة التصويت والفرز والعد وإعلان النتيجة، واعتماد الطلبات التى تمت الموافقة عليها». وفي إجابته على سؤالنا بخصوص رفض المفوضية لطلبين من منظمتين محليتين، رد قائلاً بأن من حق المفوضية رفض طلبات اعتماد المراقبين المحليين في حال انقضاء المهلة المحددة، وفي حال تكون الطلبات غير دقيقة وغير مكتملة، أو أن يتم تقديم الطلبات من جهة غير مؤهلة أو غير مستوفية للشروط والأسس المنصوص عليها. وفي ما يتعلق بالإجراءات القانونية والحقوقية وسقف المراقبة، قال نور الدائم إن دور المراقبين المحليين ينحصر في أنشطة متعددة تنفذ قبل وخلال وبعد العملية الانتخابية، مثل متابعة ومراقبة سير العملية الانتخابية عن كثب، بجانب تدوين المعلومات ولفت نظر ضباط المراكز، اضافة الى رفع تقارير في نهاية العملية الانتخابية، وهو ذات الحديث الذي أكده أزهري الحاج، الا أن الأخير زاد عليه بتوضيح الفارق بين الرقابة الحزبية واللا حزبية، حيث يحق للوكيل الحزبي مباشرة وحضور كافة العمليات الانتخابية وملاحظتها والاعتراض عليها، كما يحق له إلزام مدير المركز بتسجيل المخالفة وإصلاح التجاوزات وتسجيل الاعتراضات وتقديم الشكاوى والطعون. ووصف الحاج حقوق الوكيل الحزبي بالأفضل مقارنة بحقوق المراقب الدولي والمحلي الذي تنحصر مهمته في الملاحظة والتسجيل والرصد، غير أن الحاج أشار إلى نقطة مهمة تتعلق بفعالية المراقبة المحلية التي تتمثل في تقديم تقرير نهائي عن سير العملية الانتخابية الذي هو بمثابة صك لمصداقية الانتخابات حسب وصفه. وأضاف الحاج كذلك يحق للمراقبين المحليين عقد مؤتمر صحفي للإعلان عن الموقف الانتخابي وتحديد التجاوزات والخروقات الحزبية. وأردف الحاج بأن المراقبة الوطنية تمكن النشطاء المحليين من لعب دور مهم فى التغيير الذي يسمح بالتعرف على نقاط الضعف ومصادر قوة العملية الانتخابية، وتقديم توصيات عملية لتحسينات مستقبلية، كما تساعد المراقبة في كشف الغش الانتخابي. هذا وقد سارعت عشرات المنظمات الوطنية حسب المفوضية لتقديم أوراقها لاعتمادها رسمياً باعتبارهم مراقبين محلياً، ومن بين تلك المنظمات كانت المجموعة السودانية للديمقراطية والانتخابات التى تعرف اختصارا ب «سقدي». وقال المتحدث الرسمي باسم المجموعة المهندس علي محمد ل «الصحافة » إن المجموعة سلَّمت المفوضية أوراق اعتماد «2752» مراقبا للمفوضية، مؤكداً على اكتمال كافة الاستعدادات لمراقبة العملية الانتخابية في الولايات الشمالية ال «15»، مشيراً إلى تنسيقهم مع الشبكة المشرفة على الرقابة بالولاياتالجنوبية «سندي» في عملية وصفها بأنها من أكبر عمليات المراقبة الوطنية اللا حزبية. وقال محمد بموجب ذلك التنسيق ستعمل «سندي» و «سقدي» سوياً لإجراء تثقيف انتخابي ومراقبة محلية وفقاً لقواعد وتعليمات المفوضية القومية للانتخابات وقانون الانتخابات القومية لعام 2008م والمعايير العالمية. واشار الى اتفاق المجموعتين على نشر آلاف المراقبين على نطاق السودان لمراقبة عمليتي التصويت والفرز. وقال محمد إن المجموعة السودانية للديمقراطية والانتخابات نتاج لتحالف مستقل مشترك بين ثماني منظمات هي جمعية عازة، بابكر بدري العلمية للدراسات النسوية، مجموعة دراسات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منظمة هيلاهيلب، مبادرة الأمن الإنساني، المجموعة الاستشارية للتنمية الاجتماعية والبشرية، معهد تطوير المجتمع المدني وجمعية حماية البيئة السودانية. وأكد محمد علي قيام المجموعة بعمليات للتثقيف الانتخابي، والمراقبة المحلية وفقا للمعايير الدولية وقانون الانتخابات واللوائح المعتمدة من قبل المفوضية، كما أعلن عن التزامها بمبادئ عدم المحاباة، اللا حزبية، المساءلة، المسؤولية، المساواة والاحترام للمبادئ الديمقراطية فى الحكم. ولكن ماذا بشأن المخاوف والمحاذيرالتي تقول بتزوير العملية الانتخابية المزمع إجراؤها في أبريل القادم، الأمر الذي من شأنه الطعن في مصداقية هذه المنظمات؟ أزهري الحاج اعتبر ما اتخذته المفوضية كافياً لضمان نزاهة عمل المنظمات. وتابع قائلاً بأن العملية الانتخابية محكومة بقانون يجوِّز للمفوضية سحب طلب الاعتماد في حالة التجاوز. وقال الحاج إن منظمات المجتمع المدني تتمتع بمصداقية واستقلالية تؤهلها لمراقبة الانتخابات بكل حيادية بواسطة كوادر مدربة على يد خبراء مارسوا العملية الرقابية في ثلاث دول خارج السودان. وقال إن الدورات التدريبية تضمنت مواد عن كيفية إجراء الرقابة على العملية الانتخابية، بجانب التعرف على القوانين والتعليمات الصادرة عن المفوضية القومية للانتخابات التي تنظم عمل المراقبين وحقوقهم وواجباتهم، وأيضا قواعد السلوك التي من الضروري الالتزام بها من قبل المراقبين، والتدريب حول كيفية التواصل والاتصال في نقل وإيصال المعلومات إلى فريق المراقبة، كما كشفت منظمة «سقدي» عن تنظيمها لعدد من الدورات في مجال التثقيف الانتخابي لرفع درجة المشاركة فى الانتخابات القادمة، كما أعدت ما يربو على «2752» مراقباً لمتابعة سير العملية الانتخابية فى الخمس عشرة ولاية شمالية، وأعلنت التزامها برفع تقارير تفصيلية عن عمليات المراقبة التي ستقوم بها إلى الجهات الرسمية المعنية، لأجل تحقيق انتخابات نزيهة باعتبارها ضماناً للديمقراطية.