أراقب منذ مدة تصريحات السيد محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، وأراها تفارق ما اعتدناه من الجيشان الثوري العارم الذي يسود تصريحات أعضاء الحزب الشيوعي، والتي غالباً ما تكون راديكالية وحادة ومعممة ونهائية، ولو أنها تدثرت بثياب العلمية والأكاديمية؛ كما أنها تفارق تصريحات قادة المعارضة الآخرين من الأحزاب غير الحزب الشيوعي التي تتسم في معظمها بالحرص على المصلحة الشخصية المقدمة على المصلحة العامة للوطن، والتي تدور غالباً في فلك تصفية الحسابات ويحركها الغضب وإرادة الانتقام والشماتة والكراهية. لكني أرى سياسياً أن شخص محمد إبراهيم نقد يختلف عن كل هؤلاء اختلافاً كبيراً، فهو متماسك ومتئد وعقلاني وواسع الأفق، وترى أن قلبه على ما هو عام ووطني أكثر منه على ما هو خاص وشخصي. ففي آخر تصريحات له بعد أحداث ولاية جنوب كردفان ثم ولاية النيل الأزرق، نفى بشدة ما ظل يتداوله بعض السياسيين والصحافيين بأن البلاد مقبلة على حرب شاملة، وتحدث عن هذين الحدثين في نطاقهما دون تعميم، بل أكد أن السودان بعيد كل البعد عن أن تندلع فيه حرب شاملة، مع أنه أنحى باللائمة في الحدثين على الحكومة وحملها المسؤولية منتهجاً خط حزبه لا يفارقه ولا يعارضه. ومن قبل ذلك بأسابيع قليلة راجت في الصحف وفي المنابر السياسية، مسألة أن السودان ستضربه مجاعة كتلك التي تضرب أجزاءً من القرن الإفريقي وخاصة الأجزاء الجنوبية من الصومال، وتصدى الرجل مفنداً للفكرة ونافياً لها، بل ومثبتاً بمعلومات وإحصاءات أن السودان بعيد كل البعد عن المجاعة الشاملة. وحتى ما يقوله عنه ناقدوه من أنه صرَّح بأنه لا يصلّي، فإنني أرى أن مثل هذا التصريح يصب في خانة تمسكه بالحقيقة كما هي، وإلّا فإنّ الإنكار في مثل هذه الحالة هو أمر ميسور، خاصة وهو السوداني العارف بحال مجتمعه الذي يعلم أن مثل هذا التصريح لن يكون في صالحه من ناحية اجتماعية. وكذلك ما ينسب إليه من أنه لما تنادت المعارضة لموكب في ميدان أبو جنزير وجاء الأستاذ محمد إبراهيم نقد ولم يجيء الآخرون، قيل إنه رفع كرتونة وكتب عليها ب «فحمة» كما يكتب الناس حينما يزورون أحداً في بيته ولا يجدونه: «حضرنا ولم نجدكم». وسواء أصح ذلك أو لم يصح فإن من اخترع هذه الأقصوصة لو أنها كانت مخترعة نظر إلى شئ من الصدق والصراحة والواقعية التي تبدو من المكونات الأصيلة لشخصية الرجل. وبناءً على ذلك فإني أرى في شخص الأستاذ محمد إبراهيم نقد في اتزانه وتماسكه وعموم نظرته للأمور الوطنية، شخصية معارضة مثالية، مع أنني أتحفظ تحفظاً شديداً على الكيان الذي يترأسه، ومن هنا يثور سؤال مهم وهو: هل يمكن أن يُقيّم القادة خارج إطار سياقهم السياسي والأيديولوجي والنظري... فلو نظرت الآن لوجدت في السودان أحزاباً عبارة عن قادة بلا قاعدة، كما أنك واجد أحزاباً أخرى هي قاعدة بلا قادة.. مثل ما كان يقول الأقدمون إنه توجد كتب بلا مقدمات وتوجد مقدمات بلا كتب، ويضربون مثالاً للكتب التي بلا مقدمات بأدب الكاتب لابن قتيبة، لأن مقدمته ضعيفة جداً فكأنها غير موجودة، وبالمقدمات التي بلا كتب بمقدمة ابن خلدون التي طغت على كتاب التاريخ التي جُعلت مقدمة له.