ينص الإعلان العلمي لحقوق الإنسان بأنه لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الاولية والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة، والذى وقع عليه السودان، وورد أيضا فى دستور السودان الانتقالى لعام «2005»م، أن التعليم حق لكل مواطن وعلى الدولة أن تكفل الحصول عليه دون تمييز على أساس الدين أو العنصر أو العرق أو النوع أو الإعاقة، وجاء فى إحدى الفقرات أن التعليم في المستوى الأساسي إلزامي وعلى الدولة توفيره مجاناً، كما أن رئيس الجمهورية سبق أن أصدر قرارا بمجانية التعليم، ومن ناحيته فقد أكد النائب الأول الأستاذ علي عثمان طه اهتمام الدولة بمجانية التعليم باعتباره التزاماً دستورياً. ولكن هل تم تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع ؟وهل التزمت حكومات الولايات والمحليات بتوجيهات رئيس الجمهورية ونائبه الأول؟الإجابة على هذين السؤالين لا يحتاجان إلى كثير عناء او اجتهاد، فزيارة لأية محلية أو مدرسة تكشف لك مدى استخفاف وزارات التربية والتعليم وإدارات تعليم الأساس بالولايات بقضية مجانية التعليم، كما تكتشف فظاعة الجرم الذى يرتكب فى حق أطفال السودان من خلال فرض رسوم وبطرق مختلفة وبتواطؤ جهات عدة، والمؤسف أن المبادرات تأتى من إدارات التعليم، وأحيانا من المعتمدين. وإذا أخذنا مثالا لذلك ولاية النيل الأبيض، فرغم تصريحات والي الولاية يوسف الشنبلى بضرورة التعليم المجانى لتلاميذ الأساس، وكذلك تأكيدات وزير التربية والتعليم الأستاذ على آدم عليان بأن الولاية تطبق مبدأ التعليم للجميع وبدون رسوم، إلا أننا ومن خلال جولة صغيرة فى بعض مدارس الدويم اكتشفنا أكبر وأخطر جريمة ترتكب فى حق الأطفال وأسرهم ، حيث فرضت إدارة تعليم الأساس رسوماً إجبارية على كل تلميذ بمرحلة الأساس برسم وقدره ستة جنيهات للتسيير، وذلك بمباركة ومشاركة جهات كان يظن أنها تسعى لتطويرالتعليم، وما يدعو للاستغراب هو أن هذه المدينة تلقب بمدينة العلم والنور، ولكن وما شهدناه من ابتزاز مالى على فلذات أكبادنا يؤكد ألا علاقة لها بهذا اللقب، لأن هذا القرار الجائر وغير القانونى سيجعل الكثير من التلاميذ يتركون المدرسة ويذهبون إلى الشارع، وبالتالى يحرمون من التعليم بسبب هذه القرارات غير المسؤولة التى صدرت عن جهات كل قياداتها من أبناء المدينة. إن ما يدعو للاستغراب هو أن الرسوم التى فرضت على التلاميذ تم توزيعها على عدة جهات، بعضها كان دوره فى السابق دعم العملية التعليمية وليس العكس، حيث تم تخصيص مبلغ «50» قرشا للمحلية، و«25» قرشا لمجلس الآباء، «2» جنيه للوحدة التعليمية، و«3.25» جنيه للمدرسة. الكثيرون تساءلوا عن علاقة المحلية بمال تسيير التعليم، وهل دورها هو دعم التعليم أم تحصيل رسوم من التلاميذ، أما الوحدة التعليمية أليست لديها ميزانية مخصصة من وزارة التربية والتعليم حتى تخصص لنفسها جنيها على كل تلميذ، وبالنسبة لمجلس الآباء فإنه ولأول مرة نسمع أن مجلس آباء تحصل له مبالغ من التلاميذ، الكثير من أولياءالأمور وصفوا الرسوم الإجبارية بالظلم، حيث أكد المواطن الحاج محمد أنه يكابد من أجل تعليم أبنائه الثلاثة، وقال إنه في كثير من الأحيان يعجز عن توفير ما يكفى لإفطارهم، فكيف تفرض عليه مثل هذه الرسوم؟ اما المواطنة أم سلمة حسن فقد قالت إن دخلها محدود، وأن هذه الرسوم تتسبب فى غياب أبنائها عن الدراسة بسبب طردهم من قبل إدراة مدرستهم التى قالت انها تصر على دفعها دون مراعاة لحالتهم البائسة. من الواضح ومن خلال ملاحظاتنا أن بعض مديري الوحدات التعليمية لم يصدقوا صدور مثل هذا القرار، حيث سارعوا بمخاطبة المدارس بضرورة تحصيل هذا المبلغ، بل حددوا لهم طريقة توريده سواء كان بكتابة أرقام حسابات الجهات المستفيدة أو عنوانها على الخطاب، وفى مقدمتها المحلية التى يبدو أنها لم تصدق أن وجدت لها مورداً سهلاً وسريعاً، حيث كتب رقم حسابها أسفل الخطاب. وبعض مديري المدارس عبروا عن امتعاضهم وعدم رضائهم عن هذا القرار، وقالوا إنه مجحف وغير تربوى، وأكدوا أنهم وبناءً على رأيهم هذا لا يتشددون فى تحصيل هذه الرسوم، لعلمهم التام أن بعض الأسر لا تستطيع دفعها.