استبشرنا خيراً وتفاءلنا كثيرا بظهور قنوات تلفزيونية جديدة تسجل إضافة وتزاحم في فضاءات العولمة المفتوحة وتنقلنا إلى الآخرين، ذلك أن التمدد في هذا الفضاء واحتلال أية مساحة فيه مهما كان حجمها أمر مهم ورصيد كبير، وقد ذكر السيد/ راشمي مايور نائب رئيس مؤتمر الأممالمتحدة للفضاء الخارجي، أنه منذ ثلاثمائة عام كان الذين سيطروا على البحار هم الذين حكموا العالم، والآن فإن المفتاح هو الفضاء. لقد كان الإعلام حكرا على دول بعينها تملك أدواته ومواده ووسائطه وتحجبه عن الآخرين، لكن حراك العولمة بسط الأمر وجعله متاحاً ومتيسراً للجميع، ومن هنا فقد تعددت القنوات والمحطات والأقمار الاصطناعية، وعم البث كل المعمورة بصورة تتوسع على مدار الساعة. لكن هذا البحر الإعلامي المتلاطم ظل ميدانا لمنافسة محمومة يدير التحكيم فيها المشاهد نفسه دون رقابة ودون تحيز ودون عواطف، فقط يتوقف مؤشره أمام المحطة التي تلبي حاجته وتقدم له المادة المفيدة بالصورة المتكاملة في الوقت المناسب، ويقيناً أنه لكي يتم ذلك فإنه ينبغي أن تتوفر الدراسات ويبذل الجهد حتى تكتمل الصورة البرمجية ممعنة في تقديم المادة المفيدة التي تجعل مؤشر المشاهد يتوقف ولو لبرهة من الزمن فإنها تكفي داخل محيط القنوات الزاخر. إن من يشاهد قنواتنا الفضائية التي ظل عددها يتزايد، يلحظ بصورة شديدة الوضوح ويدرك منذ الوهلة الأولى، أن الذهنية التي تخطط للعمل التلفزيوني ذهنية مغرقة في المحلية لا تنفك ترتبط بمبدأ واحد يقوم علي إعلاء شأن الأغنية والنغم، ولا يعترف أبداً بأية برمجة جادة تبتعد عن ذلك، أو لا تستصحب معها مواد فنية أو فكاهية، فكم من لقاء أو برنامج حمل عنوانا جذابا وحشدت له الشخصيات المناسبة، فإذا ما تهيأ المشاهد للمتابعة والاستماع فاجأه المذيع بوجه طلق بأن إجابة السؤال بعد الأغنية وتكملة الموضوع بعد النكتة، وهكذا تظل قنواتنا تقدم هذا الخلط والمزج في المواد والبرامج كأنها في سباق مع الزمن، أما المشاهد الذي تفتقد القنوات السيطرة عليه فإنه قطعاً قد ذهب لمحطة أخرى ينشد من يحترم عقله ويتعامل معه بمستوى من الذكاء والفهم الراقي. سوف تظل الفرحة مشرعة ترفرف كلما ظهرت قناة جديدة، فهي قطعاً إضافة رائعة ومنافسة مطلوبة، لكن الأمل يحدونا في التميز والعمل الجاد الذي تتوفر له الإمكانيات وتحشد له المعينات عن طريق الدراسة وقياس الرأي ومعرفة الاتجاهات، ذلك أن قناة واحدة تسيطر على المشاهد وتنال رضاءه خير من عدد كبير يقوم على التكرار والبرامج الضعيفة. إعلامي مقيم بالرياض