في العام الأول من هذه الالفية تم تكليف اللواء الهادي بشرى بمهام الوالي بالنيل الازرق وجلس الرجل صاحب الخلفية الامنية العسكرية لعام واحد في المنصب ثم ذهب متوليا عددا من الحقائب الدستورية بالمركز والشمالية، وبعد مرور عقد من الزمان وفي ظروف مشابهة لتلك التي دفعت قيادة الدولة لتعيينه واليا من قبل ،اختاره رئيس الجمهورية، أول من امس من بين سبع مرشحين ليكون حاكما للنيل الأزرق. ويأتي تعيين اللواء الهادي بشرى صاحب السيرة العسكرية المعروفة التي بدأت فصولها بالتحاقه بالقوات المسلحه عبر الكلية الحربية سنة 1964 الدفعة (17) التي سبقت دفعة رئيس الجمهورية عمر البشير بعام ، وجاء اول ظهور للرجل الذي ينحدر من اسرة انصارية على ساحة العمل العام منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي بانحيازه لثورة أبريل عندما كان ضابطا بالقوات المسلحة برتبة عميد، وتواصلت مسيرة بروزه في المشهد السياسي بمشاركته في لجنة حل جهاز أمن نميري ومن الغرائب ان بشرى كان عضوا في لجنة مراقبة الصحف سنة 1985 وكان مكلفا بمراقبة صحيفة (الصحافة) التي كان يرأس تحريرها آنذاك فضل الله محمد، ثم تولى حقيبتي المفتش العام للقوات المسلحة ومن ثم مدير الامن والاستخبارات العسكرية في الديمقراطية الثالثة، لتتعدد محطاته وصولا الي معارضته للانقاذ في سنواتها الست الاولى و انضمامه لتحالف التجمع الوطني الذي كان يمثل فيه الرجل الثالث بعد الفريق الراحل فتحي محمد علي والعميد عبد العزيز خالد، وكان هناك اعتقاد وسط قادة التجمع ان بشرى الذي اتي به مبارك الفاضل كان مزروعا من قبل حكومة الانقاذ وجهر بهذا الامر العميد عبد العزيز خالد، لتمر محطاته انتهاء بمصالحة الانقاذ التي ابتعثت له الدكتور نافع علي نافع الذي كان يقود جهاز الأمن وقتها ودخل معه في مفاوضات شهيرة في روما افضت عن عودته الي السودان سنة 1995 عبر الاردن التي كان سافر اليها أول مرة بدعوى علاج ابنه ورتب له السفير علي النميري امر العودة، لينخرط في صفوف الانقاذ متوليا العديد من الملفات الهامة ابرزها ملفا العلاقات مع اثيوبيا ومصر ومنصب والي الشمالية اضافة الى تقلده عددا من الحقائب الوزارية. وبحسب مراقبين فإن تعيين بشرى يأتي في ظرف حساس وشائك لجهة الاحداث الاخيرة التي شهدتها ولاية النيل الأزرق و افرزت واقعا مختلفا عما كانت عليه في فترة ما قبل اندلاع المواجهات الاخيرة وخروج مالك عقار والي الولاية المقال على شرعية الدولة، وتشير مصادر الى ان اختيار اللواء المتقاعد جاء لتمتعه بمعظم الشروط التي تم تحديدها من قبل قيادة الدولة لتولي المنصب وعلى رأسها الخلفية الامنية العسكرية التي تتيح له التعامل باحترافية وخبرة مع هذا الملف الذي يعتبر من الملفات الهامة التي تحتاج لشخصية تملك الخلفية العسكرية وتمتاز بالخبرة والحسم، ويشير مراقبون الى ميزة اخرى رجحت كفة بشرى وهي توليه ملفات حساسة من قبل منها الملف المصري في منتصف العقد الماضي واخيرا الملف الاثيوبي، ويرجعون اختياره ايضا الى جمعه واجادته للعملين السياسي والامني في وقت واحد، عطفا علي معرفته التامة بتفاصيل الولاية التي اتصف عهد حكمه لها في بداية هذه الالفية بالحيادية والابتعاد عن الجهوية والقبلية بشهادة عدد من مواطنيها، وينظر الكاتب الصحفي صديق تاور لتعيين اللواء الهادي بشرى حاكما للنيل الازرق من ثلاث زوايا حيث اعتبر تعيينه محاولة من قبل الدولة لاعادة الاوضاع لطبيعتها المدنية التي تتماشي مع الدستور، والزاوية الثانية هي ان التعيين الذي يعتبر مؤقتا جاء لشغل الفراغ الدستوري الذي خلفته اقالة مالك عقار اما الزاوية الثالثة التي يقرأ من خلالها تعيين بشرى هي ان خلفيته العسكرية والمامه بتفاصيل الملف الاثيوبي من الاسباب التي وقفت وراء تعيينه وذلك لان الولاية تحادد اثيوبيا وجنوب السودان ما يستدعي التحسب لمتطلبات التعامل مع هاتين الدولتين . اختيار بشرى تباينت حوله الآراء بولاية النيل الازرق، واللافت في الامر انه في الوقت الذي رحبت فيه القوى السياسية في حديثها ل(الصحافة) بتعيينه اكتنف الغموض موقف قادة الحزب الحاكم بالولاية الذين رشحت انباء عن عدم رضا بعضهم من التعيين الذي يعتبرونه قد تم دون الرجوع اليهم ومشاورتهم والاكتفاء بمشورة رئيس الحزب بالولاية الذي بدوره لا يحظى بقبول كامل وسط قواعد وقيادات الوطني بالولاية ويشيرون الى انه بدوره لم يطلعهم على الامر، وحاولت (الصحافة) استنطاق عدد من قيادات الحزب الحاكم بالنيل الازرق غير ان معظمهم تمترس خلف الاعتذار عن الخوض في تفاصيل تعيين بشرى، فيما تجاهل آخرون الرد على اتصالاتنا وحتى القيادي الذي وافق على الحديث شدد على ضرورة عدم ذكراسمه وقال في كلمات مقتضبة» رغم اننا كقيادات لم نستشر في امر يخص ولايتنا غير اننا نحترم رأي المركز ونرحب بالبشرى ونتمنى له التوفيق « اما القوى السياسية المعارضة فقد رحبت ببشرى، معتبرة تعيينه بمثابة المخرج لازمة الولاية، راسمة خارطة طريق للرجل لخصها القيادي بالحركة الشعبية ومستشار الوالي للاقتصاد والتنمية في عهد مالك عقار ، محمد احمد ادم ابوحليمة في حديث مع (الصحافة) امس في جزئية اعتبرها مهمة وقال ان بشرى اذا ما مضى على نهج الحيادية والابتعاد عن طرفي النزاع بالولاية في هذا الظرف الحساس يستطيع العبور بالنيل الازرق الى بر الامان، واعتبر ابو حليمة ان البشرى له سابق معرفة بالولاية وان هذا الامر يمثل ارضية جيدة له للعمل وتحقيق تطلعات المواطنين واعادة الاستقرار الى الولاية، وطالبه بالابتعاد عن نهج (الشلليات) الذي كان له ضرره الكبير على دولاب العمل بالولاية. ويرى بعضهم ان اختيار وال من خارج منظومة ابناء النيل الازرق قرار لم يحالفه التوفيق، غير ان الأمين العام للاتحادي الديمقراطي بالولاية ابراهيم الطريفي يؤكد ان القرار صائب ولا غبار عليه، ويقول في حديثه ل (الصحافة) ان بشرى في المقام الاول سوداني ومن حق الرئيس الدفع به لتولي المنصب الذي يراه مؤهلا له وفي اي مكان بالسودان، الا ان الناطق الرسمي لحزب الامة القومي بالنيل الازرق الصادق كارا يعتقد ان تعيين احد ابناء الولاية كان من شأنه ان يتجاوز بالولاية المرحلة الحالية التي وصفها بالحرجة لجهة معرفة ابناء الولاية لتفاصيلها المختلفة، ومع ذلك يقول كارا ان بشرى مؤهل لشغل المنصب وانه قادر على تحقيق نجاحات تذكر، مشيرا الى ان الهادي بشرى له تجربة ناجحة في قيادة الولاية من قبل وانه وبما يملكه من قدرات سياسية يستطيع ترك بصمة واضحة على جدار الولاية التي قال انها في امس الحاجة للاستقرار على الاصعدة كافة، ويعود الامين العام للاتحادي الديمقراطي ويشير الى ان الوالي المكلف مطالب ببسط الأمن والاستقرار واكمال المشورة الشعبية التي قال ان العمل قطع 93% من خطواتها مشيرا الى ضرورة مواصلة مشوار التنمية، وشدد الطريفي على ضرورة اهتمام الوالي المكلف بملف المصالحة داخل الولاية خاصة اولئك الذين لم يخرجوا عن طاعة الدولة وذلك لاعادة النسيج الاجتماعي لسابق عهده ، فيما طالب كارا بجلوس الوالي مع القوى السياسية المختلفة لأخذ رأيها حول قضايا الولاية.