ولد الفنان محمد الأمين حمد النيل الطاهر، في مدينة ود مدني عام 1945م من أسرة ضمت والديه وأخا وشقيقتين تصغرانه، ومن افراد الأسرة الخالدة اخواله بله يوسف ويوسف يوسف اللذان كان لهما الاثر الكبير في نشأته وتربيته وصقل موهبته الفنية. رعاية خاصة: وضمت الأسرة أيضا جده وجدتيه أم والدته ووالدتها. حظي منذ مولده برعاية خاصة داخل الأسرة فهناك جدتان لا تنفكان تدللانه وربما لأنه كان يعاني منذ مولده ضعفا شديدا في البصر، تعلم الموسيقى منذ الرابعة من عمره، ويقال إنه كان يضرب الملاعق بعضها ببعض ويدندن بأشياء غير مفهومة كما أنه كان مولعا بالغناء لدرجة انه اذا كان يريد مأكلا أو مشربا من والدته كان يطلبه منغما، وظل كذلك حتى بلوغه السنة السابعة من عمره حين تقرر الحاقه بالمدرسة الاولية، يبدو أن محمد الأمين قد عشق الموسيقى لأنها كانت موجودة في المنزل قبل ولادته فإحدى جدتيه كانت كثيرة الترنم وكانت تنظم شعر الغناء الشعبي وتمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان خاله يوسف يجيد عزف المزمار لذا فإن هذه الأشياء ساهمت في تشكيل موهبته وهو في تلك السن الباكرة. الدراسة ثم العودة: يقول خاله يوسف يوسف: إن ابن اخته اضطر بسبب ضعف بصره الى الانقطاع عن المدرسة الاولية رغم تفوقه فيها إلا أنه عاد واكمل دراسته الاولية بالمدرسة الشرقية في الحي البريطاني أو حي المستشفى بالقرب من دار الرياضة والسجن القديمين وكان محمد الأمين في أول دفعة افتتحت بها المدرسة. بدأ أولى محاولاته الاقتراب من عالم الفن والموسيقى بعزف المزمار الخاص بخاله الأكبر بله يوسف وما لبث أن أجاده ولما ادرك خاله الآخر يوسف يوسف رغبة ابن اخته في الموسيقى اشترى له عودا مستعملا لينشغل به عن همومه النفسية. عوامل اثرت فى طفولته: ثمة عوامل ثلاثة اثرت في طفولته المبكرة اولها انه كان صاحب فقرة ثابتة لعزف المزمار في احتفالات يوم الآباء والمناسبات المدرسية، والثانية إن بعض المعلمين كان يتمسك أحيانا بضرورة بدء الحصة الصباحية الأولى بمقطوعة موسيقية كانت توكل لمحمد الأمين وأحيانا كان بعض المعلمين يحرص أن تستهل بعض الحصص في بعض الأيام بتلاوة قرآنية وكان يفضل صوت محمد الأمين أيضا، كما أن بعض الأساتذة كانوا يصرون على الاستماع الى صوت محمد الأمين في التلاوة في غير حصص التربية الإسلامية. العامل الثالث الاستقبال الجيد للألحان التي يقوم بها محمد الأمين وهي تجري على نسق الحان موجودة اصلا واحيان تأتي فطرية. يعزو الفنان محمد الأمين اتقانه العزف على العود منذ البداية الى حبه الفطري للاستطلاع لأنه كان يريد أن يعرف خبايا الأمور ويذكر أنه اذا لم يكن عازف موسيقى يمكن أن يكون محاميا أو شرطيا باحثا عن الحقيقة، كان محمد الأمين يتمرن على عزف العود بمعدل 18 ساعة يوميا لدرجة أن اخته كانت تأتى له بالأفطار في غرفته وعندما تعود بعد الظهر لإعادة الأوانى استعدادا لاحضار الغداء تجد افطاره كما تركته..! رحلة البحث فى عالم الموسيقى: بدأ محمد الأمين رحلة البحث عن علم الموسيقى بالالتحاق بفرقة موسيقى شرطة النيل الأزرق، وتلقى مبادئ الموسيقى على يد الموسيقار محمد آدم المنصوري الذي اضحى لاحقا من ابرز عازفي الساكسفون الذين انضموا الى فرقته الموسيقية وكان المنصوري وقتها جنديا في الفرقة التي ضمت أيضا الناقد الموسيقار جمعه جابر مؤسس فرقة فنون كردفان ونائب الرئيس السابق للمجمع العربي للموسيقى. يقول محمد الأمين كنت أذهب بدافع ذاتي الى مكان فرقة موسيقى شرطة النيل الأزرق واحضر دروسها وانتظمت في ذلك بالحضورحتى اتقنت تدوين النوتة الموسيقية وقراءتها لذلك اعتقد انه من دون دراسة مهما كانت موهبتي ما كنت سأتعرف على السلالم والمقامات التي طرقتها منذ فترة مبكرة من حياتي الفنية. ويضيف: بعد ذلك اثقف نفسي بالقراءة وحاولت التقدم في دراستي الموسيقية بالمراسلة اذ استفدت من ان صاحب مدرسة المراسلة الذي كان يرسل المناهج من مصر كان يرفق معها نوتات موسيقية لبعض أغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، لما قوي عود محمد الأمين بدأ يحيي حفلات الأفراح في مدينته ود مدني ويردد أغنيات زميله لاحقا عبد الكريم الكابلي ومحمد وردي غير انه دخل مرحلة تكوين انتاج خاص به في اوائل الستينيات عندما جاء الشاعر محمد علي جبارة الى مدني للاشراف على مراجعة حسابات الهيئة المركزية للكهرباء والمياه وكان خاله يوسف محاسبا في الهيئة بود مدني وكان يلتقي بجبارة يوميا بحكم عملهما وبعدما عرف يوسف ان جبارة ينظم الشعر دعاه الى منزل الأسرة حيث قابل ابن اخته الموهوب محمد الأمين واستمع اليه واعطاه نص اول اغنياته «أنا وحبيبي» ولما فرغ محمد الأمين من تلحينها توجه الى الخرطوم حيث حل ضيفا على الشاعر جبارة الذي استمع الى اللحن وقدم المطرب الشاب الى زميله في الهيئة الملحن الموسيقار علاء الدين حمزة الذي كان له الفضل في ادخال تعديلات فنية على اللحن حتى خرج بالصورة التي تقدمه به الإذاعة السودانية. كان محمد الأمين ينقطع للتمرين على آلة العود ساعات طوال بل كان يجهد نفسه بمحاكاة اصوات الطبيعة باوتار العود كازيز قاطرة البخار التي تشق وسط المدينة او اصوات الحيوانات المختلفة وربما اتاح ذلك العثور على مقامات نغمية غير مطروقة بوجه عام في السودان وهو امر تتميز به اعماله الغنائية. لقب الباشكاتب: بلغ محمد الأمين شأوا بعيدا في اتقان العزف على العود حتى اطلق عليه زملاؤه الموسيقيون لقب «الباشكاتب» وهو اللقب الذي سار عليه في الوسط الفني إلا أن محمد الأمين يسرد شيئا آخر حول اللقب اذ يقول انه كان لديه صديق عزيز هو ابو بكر عبد الله حامد كان يعمل حكمدارا لشرطة ودمدني ونائبا لرئيس اتحاد الكرة المحلي وهو شاعر، وكان عندما يعتب على من يخلف له وعدا يقول له «دي طريقة باشكاتب» وعندما نقل من ود مدني رأى الاخوة ان خير من يخلفه في اللقب أنا لأني كنت استخدمه كثيرا في عامة حديثي واعتقد أن اللقب التصق بي بعدما استخدمه مقرونا باسمي الأستاذ ميرغني البكري. محمد سليمان قدمه للاذاعة: أول من قدم الفنان محمد الأمين الى مستمعي الإذاعة السودانية للمرة الأولى المذيع محمد سليمان المدير السابق للإذاعة وحرص المذيع أحمد الزبير بتقديمه في برنامجه الإذاعي «اشكال والوان» واصدر مدير الإذاعة آنذاك الفاتح التاج حمد تعليمات بأن تسجل أغنيات محمد الأمين من دون مرور على لجنتي النصوص والالحان بحسب ما يقول الناقد الفني المخضرم ميرغني البكري الذي عاصر جانبا كبيرا من بدايات محمد الأمين، أما محمد الأمين فيقول انه دخل الإذاعة وتغنى عبر اثيرها للمرة الاولى من خلال برنامج «الأقاليم تتحدث» الذي كان يعده ويقدمه حسن محمد علي. احتضن المطرب أبو عركي البخيت: أخذ بيد الفنان الموسيقار محمد الأمين عدد من الإذاعيين منهم محمد خوجلي صالحين وأحمد الزبير ولم يبخل على ناشئة مطربي مدينته، فقد احتضن المطرب أبو عركي البخيت وقدم له عددا من الأغنيات خاض بها المعترك، من اهم الأعمال الغنائية لمحمد الأمين من شاعره جبارة في إحدى زياراته التالية لود مدني الأغنية التي اشتهر بها وهي «وحياة ابتسامتك» ولما كانت موسيقى هذه الأغنية معقدة فقد انسحب عدد من الموسيقيين من التدريبات عليها حتى تم التوصل الى حل فريد من نوعه اذ تمت الاستعانة بالموسيقار الايطالي ايزو مايسزللي ليعزف مقدمتها الموسيقية على آلة الكمان. مشاركة فاعلة في اكتوبر: لعب الشاعر الصحفي فضل الله محمد دورا كبيرا في حياة الفنان محمد الأمين وانطلاقته التي اوصلته الى القمة في علم الغناء في السودان وبدأ فضل الله تعاونه مع محمد الأمين منذ المرحلة التي تلت التحاقه بكلية القانون جامعة الخرطوم ورغم صغر سنه آنذاك فقد شارك مشاركة لن ينساها التاريخ في اذكاء ثورة أكتوبر 1964م بأناشيده الحماسية ولعل أشهرها « شهر عشرة حبابو عشرة» وابقوا عشرة على المبادئ ويمكن القول إن فضل الله محمد يمثل مدرسة فريدة من مدارس النظم الغنائي في السودان ورسم صورا شعرية لم يرسمها شعراء معاصرون قبله كما رأينا في أغنية الجريدة وكلام زعل والحب والظروف وزاد الشجون ثم امتدت مسيرة محمد الأمين مع شعراء في قامة فضل الله محمد فكان هاشم صديق واسحاق الحلنقي ود. عمر محمود خالد والقائمة تطول لذا فإن الفنان الموسيقار محمد الأمين هو أحد اساطين الطرب في السودان بغير منازع يضعه من اعتادوا سماع العزف الراقي على آلة العود في مرتبة واحدة مع الموسيقار المصري الراحل فريد الأطرش فكان اجماع ملايين السودانيين عل التعلق بما تعتزمه عبقريته من فن وعزف وابداع واستلهام للتراث وجديد مبتكر ولا زال محمد الأمين رغم تعرضه لظروف صحية عارضة قبل سنوات فإنه يواصل عطاءه المتدفق ويجمل ليالي العاصمة والولايات بفنه الراقي المتفرد اطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية.