٭ خرج من قبل ثم ما لبث أن عاد وبنفس الطريقة التي خرج بها، وبالطبع فإن الكثيرين ممن يعرفون الرجل تفاجأوا به يتجول في قلب الخرطوم او يتصل بهم هاتفياً ليعلمهم بعودته. الغريب أن عودة الرجل لم تكن وفق اتفاق مع الحكومة أو حوار مع مسؤولي ملف دارفور فيها، لكنه عاد للداخل فقط لأن «وثيقة الدوحة ربما تتيح فرصة لتفعيل العملية السلمية من الداخل»، وربما يختلف كثير من الناس مع هذه الرؤية أو يتفقون، لكن عبد العزيز دفع الله القيادي بجبهة القوى الثورية عاد من كمبالا أخيراً وهو يمني نفسه بأن يعمل مع آخرين لإحداث التغيير من الداخل.. «الصحافة» جلست مع عبد العزيز دفع الله وطرحت عليه كثيراً من الأسئلة وخرجت بالآتي: ٭ خرجت وعدت مرة أخرى... ما الذي تغير؟ - أنا عضو في حركة سياسية، أو دعيني أقول مشروع حركة سياسية تسعى الى أن تكون أحد الخيارات الجديدة، وعليه فإن حركتنا لم تخرج ولم تعد، فهي موجودة في كثير من أراضي الوطن وخارجه وفقاً لما تتطلبه مهام نشاطنا السياسي. «يسكت قليلاً» وتم تكليفي بالعمل في الخارج بهدف المساهمة في تفعيل دور جبهة القوى الثورية الديمقراطية لوحدة فصائل المقاومة في دارفور، والعمل على ربط ذلك النشاط بالأهداف القومية، باعتبار أن مشكلة دارفور هي نتيجة لأزمة نظام الحكم المركزي في السودان.. وعلى الرغم من الجهد الذي بذلناه وآخرون في ملتقى أروشا وإنجمينا وجولة مفاوضات سرت، إلا أنه لم يحالفنا التوفيق في ذلك.. لكن الآن وبعد النجاح النسبي والمحدود الذي حدث في الدوحة، وجدت جبهة القوى الثورية أنه توجد فرصة وإن كانت محدودة لتفعيل العملية السلمية وربطها بمستقبل الصراع في السودان باعتباره قومي الاصل لا يمكن تجزئته، والذي تغير هو أن السودان اصبح دولتين نتيجة لمنهج الحلول الثنائية والجزئية الذي اتبعه المؤتمر الوطني، وهذا المنهج يهدد استمرار الدولة السودانية بوصفها دولة واحدة ذات سيادة، وعليه أرى أنه لا مجال أمامنا إلا العمل بكل جدية لمصارعة هذا المنهج مع كل المكونات السياسية والاجتماعية، فكان خيارنا أن نقبل التعاطي مع الفرصة المتاحة لنا للمساهمة في المقاومة الشعبية لهذا المنهج. ٭ لكن على أي أساس كانت العودة.. هل نتيجة لاتفاق مع الحكومة.. وما الضمانات لذلك.. أم لخلاف مع الحركات المسلحة؟ - «يرد بسرعة»: عودتي كانت بقرار من تنظيمنا بعد تقييم الوضع الحالي بعد انفصال الجنوب، وعلى ضوء المناخ الذي يتوقع أن تحدثه وثيقة سلام الدوحة من فرص لتحقيق السلام النسبي.. وبالتأكيد أن عودتي لم تكن نتيجة لخلافات مع الحركات الأخرى خاصة أنها كانت بعد لقاءات مع هذه الحركات وقيادتها التي أكن لها التقدير والاحترام لخياراتهم كل حسب ظروفه وتجربته وقدراته والوسائل التي تتناسب معه، وهم كذلك يحترمون الوسائل التي نتبناها وتتناسب مع قدراتنا.. كما أن عودتي أيضاً لم تكن بناءً على اتفاق مع الحكومة، خاصة ان الحكومة لم تكن حريصة على الاتفاق مع أية جهة إلا وفقاً لمنهجها الآحادي الذي وجدت من خلال منبر الدوحة غطاءً له ومشروعية نسبية.. فقد عدت إلى السودان بدون إذن من أحد كما خرجت، ولكن في ظل المناخ المرتب على وثيقة الدوحة وفهمنا لها باعتبارها عالجت نتائج الأزمة ولم تعالج الأزمة، لأن معالجة جذور الأزمة قومية ومعالجتها قومية.. كما أن العمل السياسي لا توجد فيه ضمانات فهو يقوم بشكل رئيسي على المخاطرة. ٭ إذا كان الأمر كما تقول سيدي.. فلماذا لم تساءل من قبل الأجهزة الأمنية ولك أكثر من أسبوعين بالخرطوم.. لماذا لم تعتقل أو تتعرض للمساءلة؟ - «يضحك» لقد تعرضت لسلسلة من المساءلات من كل القوى السياسية حول الغياب أكثر من انها حول العودة، علما بأنني تلقيت وعلى مدار العامين الماضيين مكالمات هاتفية بضرورة العودة مهما كان الثمن، والآن وبعد أن وجدت الفرصة بعد وثيقة الدوحة كانت العودة.. أما بخصوص الحكومة فقد وجدت ترحيباً من ممثلي الحكومة في ملف دارفور بالعودة، باعتبار أن ذلك يصب في مصلحة وثيقة الدوحة وليس اكثر من ذلك، وهم يعلمون أن جبهة القوى الثورية الديمقراطية مازالت في دارفور، وان بعض قياداتها وعلى رأسهم رئيسها صلاح ابو السرة مازال يتنقل بين الخارج ودارفور، والحكومة ترغب في عودة الجبهة بكاملها للعملية السلمية، فليس من المعقول أن تتعامل معي بالمساءلة والتحقيق والاعتقال، خاصة أنني غير مؤثر عسكرياً. ٭ ربما لم تكن مؤثراً لا عسكرياً ولا سياسياً ولذا لم تكن محل اهتمام الحكومة؟ - صحيح.. أنا لست قائداً عسكرياً ميدانياً بحكم السن، ولكن بحكم التجربة والخبرة تأثيري يكون أفضل في الداخل وليس في المعسكرات، خاصة أن تجربتنا في دارفور تختلف تماما عن تجربتنا في النيل الازرق من خلال قوات التحالف السودانية، وعليه فإن تأثيري العسكري في دارفور ليس موجوداً بالشكل الذي يتحدث عنه الآخرون، أما تأثيري السياسي فهو ضمن منظومة جبهة القوى الثورية الديمقراطية، وهو ليس محل تقييم الآخرين!! ٭ حسناً.. لكن جبهة القوى الثورية الديمقراطية واحدة من الحركات التي تحمل السلاح في دارفور.. فهل جرى بينها وبين الحكومة اي حوار في اطار حوار الحكومة مع الحركات المسلحة، وهل عرض عليكم الانضمام لمنبر الدوحة او اتفاق الدوحة؟ - الحوار بيننا وبين الحكومة كان مسرحه المعتقلات والمحاكمات منذ عام 4002م باتهامنا بأننا جزء من جيش حركة تحرير السودان، وحقيقة نحن نعتز بموقفنا المبدئي من قضية دارفور ومساهمتنا في ايجاد حل لها، ومازلنا عند موقفنا.. لم يجر اي حوار رسمي بيننا وبين الحكومة في الخارج الا في حدود لقاءات تمهيدية تمت في القاهرةوالدوحة، وما زالت هناك اتصالات محدودة تهدف الحكومة من خلالها إلى الحاقنا وآخرين بوثيقة الدوحة.. وبهذه المناسبة فإننا نجدد موقفنا الداعي إلى الحل السياسي الشامل لقضايا السودان بمشاركة كافة المكونات السياسية والاجتماعية.. و.. ٭ «مقاطعة».. وكيف تنظرون إلى ما تحقق في الدوحة؟! - وثيقة الدوحة عالجت نسبياً نتيجة المشكلة، ونحن نرحب بذلك باعتبار أنها وضعت الخطة لمعالجة أوضاع النازحين واللاجئين والتعويضات الفردية والجماعية، وتوفير الخدمات الأساسية لكل سكان دارفور وتوفير الأمن. وفي تقديرنا هذه مهام الحكومة، وهذا هو برنامج الحكومة بما في ذلك محاولة معالجة برامج التنمية، كما أن الوثيقة فتحت الباب امام السلام الاجتماعي عبر الحوار الدارفوري الدارفوري الذي نسعى للمساهمة فيه بغرض توسيع فرص السلام. «يسكت قليلاً» نحن لا نسعى للمشاركة في برنامج الحكومة في دارفور أو غيرها إلا وفقاً لحل سياسي شامل نشارك فيه فعلياً ونتحمل مع الآخرين نتائج ذلك، ولا ننوي تقديم طلب للتوظيف في تنفيذ برنامج الحكومة، لأننا لم نكن طرفاً فيه ولا يعقل أن نوظف في تنفيذ برنامج غيرنا مع احترامنا لذلك!! ٭ ماهي أسباب خلافكم مع قيادة قوات التحالف ؟ عند عودتي وآخرين من الخارج بعد الخلاف مع قوات التحالف السودانية، كان أول حوار أجريته في الداخل معك أنت شخصياً بصحيفة «الحرية»، وذكرت لك وقتها أن اهم اسباب خلافنا مع قيادة قوات التحالف هو ضرورة نقل العمل المسلح لداخل السودان وليس من دول الجوار الاقليمي، وان دارفور كانت هدفنا، حيث كانت عودتي والشهيد علي عبد الرحيم وتعرفينه جيداً - في أغسطس 1002م، وكثيرون يعلمون ذلك، وقدمنا شهداء بقامة علي عبد الرحيم وحسن مانديلا والطيب الماحي، وأخيراً أزرق والزبيدي، ثم كانت محاكمتنا في الخرطوم والاعتقالات التي طالت بعض قياداتنا على رأسهم صلاح أبو السرة، وما زال البعض يصنفنا كما يحلو له.. وهم أحرار في ذلك.. وعموماً نحن سودانيين وجزء من المقاومة السودانية في أي موقع دون استئذان من أحد في شرق السودان والنيل الأزرق ودارفور وكردفان، وكذلك في الجزيرة والشمالية، كما كنا جزءاً أصيلاً من المقاومة المدنية من خلال التجمع النقابي والتجمع الوطني الديمقراطي، ولسنا في حاجة لمن يحدد لنا موقعنا غير شعبنا وقضاياه.. أما أن تكون الحكومة قد أرسلتني او غيره فهذا ليس من صفة منهج الأنظمة الشمولية، فالحكومة لا تثق حتى في معظم وزرائها ناهيك عن غيرهم.. فاذا كانت الحكومة تثق في بعض أفراد الشعب السوداني وتسند لهم مثل هذه المهام، فهذا مؤشر على أن النظام الشمولي المركزي قد تحلل. «يضحك» الحكومة لم تحتمل تفويض مستشار الرئيس للشؤون الأمنية، فكيف تثق في شخص آخر خاصة إذا كان متمرداً عليها وعلى برنامجها قبل أن تصل إلى الحكم.. والحقيقة أننا لا نرضى بالدونية في التعامل مع قضايا بلادنا، ونسعى للمساهمة وفقاً لقدراتنا، ونرى أن من حقنا أن نبذل جهدنا وعرقنا ودماءنا من أجل بلادنا لأنها كانت خياراتنا في التعامل مع كافة الوسائل المتاحة. ٭........؟ حقيقة كنت اتمنى أن أكون مطلوبا في اريتريا التي اعتقد انها تحتاج لجهود كل المخلصين في المنطقة للدفع بتجربتها حتى تستكمل استقلالها السياسي باستقلالها الاقتصادي، وان تصبح نموذجاً في القرن الافريقي.. لقد ربطتني بإريتريا والجبهة الشعبية علاقات عميقة لدرجة رفع الكلفة، وحقيقة منذ عام 1891م كانت علاقتي بإريتريا متميزة ومبنية على علاقات مبدئية وما زالت هذه العلاقة قائمة، ولذلك لم أكن في يوم من الأيام محل خلاف مبدئي في إريتريا، بل على العكس تماماً مما أثير سابقاً من قِبَل من اختفلنا معهم في التحالف بهذا الشأن، ولا أساس له من الصحة، حيث كان مكتبنا في أسمرا بجانب مكاتب التجمع وآخرين. «يسكت قليلاً» بالمناسبة الحكومة الإريترية تملك رؤية ناضجة عن طبيعة النزاع في السودان، وحاولت أن تلعب دوراً حاسماً لحل قضايا السودان عندما كانت وسيطاً في اتفاق شرق السودان الذي ضُمِنَ البند الخامس أهم بنود الاتفاقيات الجزئية، والذي نصَّ على التزام حكومة السودان بعقد مؤتمر قومي لكل القوى السياسية ومؤسسات الحكم المركزية والولائية لتحديد الهيكل الاداري للحكم، وهذا البند إذا ما تم تنفيذه كان سوف يساهم بشكل قاطع في معالجة الهيكل الإداري في دارفور، ويضمن مشاركة كافة الحركلت والقوى السياسية لكن.. ٭ بالطبع.. على ذكر الحركات المسلحة في دارفور هناك عدد من قادة الحركات المسلحة سيعودون للبلاد قريباً بعد توقيعهم على اتفاقات مع الحكومة.. كيف تنظر لهذا الأمر؟ - المعلن أن يصل وفد المقدمة من حركة التحرير والعدالة، لكن في الحقيقة أن الوفد كان يضم عدداً من الحركات التي مازالت تحت مظلة الحركة، لكنها مازالت تحتفظ بتكويناتها باعتبارها حركات ومجموعات قبلية، وعليه فإن وفد المقدمة قد ضم هذه الحركات داخل التحرير والعدالة. لقد كان حضور الوفد خجولاً نسبة لأنه لا يمثل حقيقة الحركات الدارفورية، وانما يمثل الافراد الذين حضروا وآخرين، والغرض هو استكمال ترتيبات إعلان السلطة التنفيذية في دارفور حتى يعود التيجاني السيسي في موقعه التنفيذي الذي قد يساهم في تحسين صورة استقباله في الخرطوم بدعم من الحكومة الشريك المستفيد من الاتفاق. ٭ وكيف تنظر لعودة التيجاني السيسي نفسها؟ - في الحقيقة أن التيجاني السيسي لم يعد لانه اصلا لم يكن في المعارضة المسلحة اصلا، وان عودته لم تكن مربوطة بالاتفاق، فإنه يصل الخرطوم في اي وقت كان، وهو يلعب دور الوسيط والمسهل أكثر من دور الخصم مع الحكومة، لذلك لا تشبه عودته عودة القائد مني أركو مناوي أو عبد الواحد محمد نور أو صلاح أبو السرة، فإنها لن تضيف جديدا للساحة السياسية، كما أنها لن تؤثر على الوضع العسكري للحركات المسلحة.. فهي عودة مثل عدمها!! لكن اتمنى أن تعتبر حركة التحرير والعدالة موقفها هذا خطوة مهمة في اتجاه الحل السياسي، وبمشاركة كافة الحركات ومكونات المجتمع الدارفوري، وألا تكون أداة جديدة لزعزعة السلام الاجتماعي على خلفية منهج الغنائم المؤقتة.