رفعت جمعية حماية المستهلك شعارها (الغالي متروك) ولم يدر الكثيرون إن كان لها حام يحميها، فهي لم تتم إجازة قانونها ولكن الاستجابة الكبيرة التي حظيت بها من قبل المواطنين جعلتنا نثمن ما قامت به، ولعل شعارها قد خفف على بعض المسؤولين أن يحجم الناس عن التزاحم أمام سلعة اللحم وابتعاد الناس عن التكأكؤ في الشوارع.. إلا في ميدان كركر الذي يسوده الحر والصمت والصبر.. فانداحت القرارات حين أشاح الناس وجوههم عن مواجهة القرارات ، وقد سارت الركبان والبوارج والطائرات بأغنية الغزل في العاصمة الحسناء التي غلت فيها غيرة عاشقيها الأثرياء لأبعد حد، ولم يعد للرجرجة والدهماء حظ في النظر إليها وهي مشرفة من خلف سجوف شرفتها العالية بعيدة المنال عن الذين يتضورون ويشكون لطوب الأرض وعظام جمال وخيول أجدادهم.. فهل يبدلون حب عاصمة الخضرة والاخضرار بعاصمة يبيسة بئيسة حبيسة الأنفاس .. هل هو فقه الضرورة في زمن الانشغال عن الضرورة أمام (قفة الملاح) المطمورة في دهاليز الذاكرة الموتورة في وجه التحرير الاقتصادي وقيود ميادين العاصمة وسلاسلها وجنازيرها ، فأصبحنا نجرجر الخطى ونكركر في ميادين أخر فتشق صدورنا أنفاسنا التي يحصيها السوق ويعدها عدا.. فهل مندوحة القول في الفقه أمام الضرورة الماثلة في الخروج عن العاصمة : نابعة من : سيروا في الأرض _ أو اضربوا في الأرض - بل فاسعوا في مناكبها - وأرض الله واسعة .. ترى من يستطيع ضرباً في الأرض غير الأغنياء الأنقياء.. القادرين على تخير النماذج والتعامل مع أصحاب الوضم وقضم الطازج من ما تجود به خطاطيفهم . سارت الركبان وطافت بالعبارة فهناك من يتملكه الاندهاش فيها فيقول أين أذهب ولم يكن لنا أهل سوى هذه العاصمة التي هي مسقط رؤوسنا ترعرعنا فيها ورعيناها وهرمنا من أجلها.. وبعضهم تأخذك أقواله الساخرة التي يتعمد فيها السذاجة والعفوية إذ يقول بان هذه العبارة تحمل كثيراً من ( الحنِّية ، والطيبة ) بما تحمله من دلالة ومفهوم الرجوع إلى الجذور والمنابع بالأقاليم (المحافظات ) - تلك التي قد تكون محافظة بموروثنا القيمي وحسنا الوطني_ فالعاصمة هذه الحسناء التي تمنعت وزادت في الغنج والدلال لم تعد تشبه كل الموجودين فيها، ولعل صاحب العبارة وبمنظور واقعي.. رأى الاختلاف الكبير بين ساكنيها في كثير من مظاهر حياتهم فأصحاب الحظوة والأبراج والفلل لا تشابه حياتهم حياة العامة فهم يختلفون في أفراحهم وأتراحهم .. بل تواضعوا على إرساء قيم جديدة بعيداً عن ما كان سائداً من الزواج الجماعي .. و ما عداهم أصبحوا يخافون الزحف المجاعي والموت الجماعي.. وتستفزهم العبارات غير المتأنية .. ويتحدث الناس عن التمزق الجماعي والتمزق النفسي فهي مظاهر زمان الناس هذا يا لبيد هذا العصر والمصر المنقوص.. اصبر .. اصبر: وقال أحدهم أسمعتم بأكلة سودانية جديدة اسمها ( اصبر .. اصبر ) ظهرت في مضمار التحايل على العيش وظواهر التقشف القسري متحدثاً عن بعض المشاهد حين رأى مجموعة من الناس تخضم وتقضم أرجل الدجاج المشوي.. نعم هي أرجل من الركبة( ولي تحت).. أتدري عزيزي لِمَ سميت اصبر.. اصبر ، لأن رجل الدجاجة حين تُشوى تتجمَّع أصابعها فتشبه حركة الإنسان حين يجمع أصابع كفيه ويقول لأخيه : (اصبر.. اصبر) فمزيداً من الظواهر أيها المواطن الصابر سترى النور لديك مثل أكلة( أم بلاقصات) وغيرها مما يحويه ميدان جاكسون .. ويشي هذا التحايل على العيش بدلالة أن لا منجأ ولا ملجأ من العاصمة سوى العاصمة. يكثر الحديث عن الجبايات والجمارك والقيمة المضافة و.. و.. وغسيل الأموال وبعضهم يحمل التجار و.. و.. ولكنهم لم يتطرقوا مطلقاً لسياسة التحرير الاقتصادي وما أسمعت إذ ناديت ميتاً ولكن لا حياة لمن تنادي.. فالمستفيدون من كل هذا في وادٍ وكل الناس في وادٍ.. ولعله أضحى غير ذي زرع.. ولا ضرع .. الديون لم يتم إعفاؤها ولن يتم.. طالما أن ميزانية هذا البلد لا تمس التعليم ولا الصحة ولا خدمات المواطنين.. والديون وفائض أرباح الديون تتفاقم، فما من سدٍ لماء تم تشييده أو قناة شقت ليجري بها ماء أو جسر لتجري فوقه الفارهات إلا هو جزء من المديونية المتعاظم أمرها. ولم يكن للمواطن أمام السلع سوى أن يُذل ويستغل فيما يمتلكه وما يلوكه وما يتحصل عليه بالكد وبالكاد.. يلاحقونه كدأبهم آل قوم لا يؤمنون إلا بمصلحة تجارتهم دون مصلحة المواطن. فوطنوا أنفسكم يا أولي الأمر والعزم والحسم.. أمام أمور لم ينزل الله بها من سلطان ولا سلطات. إن هذه الأنعام التي لا ينال الله لحومها ولا دماؤها ولا جلودها ولا ألبانها و.. ولكن يناله التقوى .. حسبكم هذا إن التقيتم الله في من ترعون من عباده بعدم إخراجه من بلاده ودياره أو أن تظاهروه ، فلمَ تُصدَّر هذه المواشي والحاجة تستدعي أن تسد لنا رمقاًَ وتصبح أكثر قرباً وأقل كلفة وقس عليها باقي متطلباتنا ومعينات عيشنا الكريم.. وختاماً لم يكن العيش حصرياً يستحقه فقط من يستطيعه. فتكون السلع حصريا لمن يجود على من بيدهم القرارات الإسقاطية .. من التجار ومن أعانهم .