لبنان بلد الحرب الطائفية التي جعلت بيروت خرابا بعدما كانت أجمل عواصم العرب، لبنان المسيحية والإسلام متعانقان لبنان المقاومة الباسلة هذا البلد الذي أنجب الشعراء الكبار والمحبين الكبار، بيروت مدينة كالعنقاء نهضت من تحت رماد الخلافات ونيران أحرقت أجمل أيامها الناعسات، بيروت مدينة المطابع التي أشاعت نور المعرفة في كل الوطن العربي مدينة المثقفين والشعراء والروائيين. بيروت منارة الثقافة عندما كانت بيروت تطبع والقاهرة تكتب والخرطوم تقرأ كانت الأمة بخير وكان الشرف العربي تحميه السيوف الدمشقية عندما كان حافظ الأسد يجول والدروع العراقية عندما كانت بغداد مزارا للشعراء والمقاومين ، هذه المدينة التي أحببتها كأني ولدت فيها السير في شوارع بيروت يعني انك تسير داخل كتاب التاريخ. لبنان بلد جمال الطبيعة ،(زحلة والجبل .طرابلس وصيدا)والحدائق المثمرة بالزيتون والنارنج والبرتقال والليمون عشقها الشعراء وتغنى بروعتها نزار قباني العاشق العربي الكبير وبكى فيها حبيبته ،(بلقيس) وكتب فيها أجمل قصيدة قيلت في الرثاء وفي أمسياتها الحالمة تسكع كثير من مثقفي العالم العربي على أرصفة بيروت ومقاهيها فأخرجوا أروع ماكتبته الأقلام وبيروت هي قلب لبنان بيروت تتعافى بعد مرض عضال مرض سببه لها أبناؤها الذين تقاتلوا بعنف سياسياً وعسكرياً وأخيراً وجدوا أن لا منتصر في هذه الحروب العبثية إلا اليهود والصهيونية فالطوائف التي انطبق فيها قول الشاعر: نحن قاتلنا سنيناً واقتتلنا هاهم اليوم بفضل الوساطات العربية في الرياض والدوحة يتفقون على ثوابت وطنية لتجنيب لبنان الدمار وبفضل وساطة الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمير حمد بن خليفة آل ثاني هاهي القلوب اللبنانية تتجه إلى التصافي. لكن رحلة الخلافات اللبنانية اللبنانية كانت رحلة طويلة وشاقة ومريرة ودفعت لبنان من عمرها سنيناً طويلة هي أجمل سنوات العمر منذ السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات كان العالم يتطور ويتقدم ولبنان تتأخر. ووليد جنبلاط الزعيم اللبناني الكبير بعد مرور مياه كثيرة تحت الجسر وبعد مشاهدته لبلده لبنان يتدمر أمام عينيه أخذ الحكمة من التاريخ فقام بمصالحات كثيرة وكبيرة داخل البيت اللبناني مع البطريرك صفير زعيم الطائفة المارونية و مع نبيه برى زعيم حركة أمل ومع حركة الكتائب اللبنانية ومع الشيخ المجاهد حسن نصرالله زعيم حزب الله ومع سعد الحريري. وقال يجب أن ننسى كل الجراح من أجل المستقبل ويجب أن نتحد من أجل محاربة العدو الخارجي هذا التسامح الوطني الذي قاده وليد جنبلاط سيكون شهادة للوطنية يعلقها اللبنانيون غداً على قبره. العبور فوق الجراحات والعبور فوق المرارات الشخصية رغم أن والده اغتيل في آذار مارس 1976م إلا أنه رأى بحكمة الرجال الكبار أن الاستمرار في ذلك الطريق الشائك هو قمة الحماقة وقمة الخيانة للوطن لأن صراع أبناء الوطن فيما بينهم سوف يقود إلى تدمير الوطن أسرع وأفدح خسارة من المحتل الخارجي لأن تدمير صفاء النفوس وزراعة الغبن والكراهية بين أبناء الوطن الواحد لا تمسحها الأيام بسهولة. اندهشت جداً وأنا استمع للرجل وهو يقول يجب أن ننسى الماضي الأليم ننسى الوجع ويجب أن لا نقدم للأجيال الجديدة الكراهية. إني امد يدي إلى كل الطوائف اللبنانية بتسامح من أجل لبنان وأريد لولدي « تيمور « أن لا يعيش في الماضي أريد له مستقبلاً أفضل، إني أصافح الجميع من أجل المستقبل. ووليد جنبلاط الذي ينتمي إلى جبل لبنان وهي منطقة خاصة بطائفة عرب الدروز عرف عنهم الوطنية ومقاتلة اليهود ومنهم فريد الأطرش والمطربة صاحبة الصوت الملائكي أسمهان الأطرش. هذا الحكيم الذي أنضجته نيران الحروب التي خاضها سياسياً وعسكرياً عرف قبل فوات الأوان أن الوطن أكبر من أي مكسب أو شهرة زائلة وأن سلام الناس الطيبين في الأرياف والقرى هو أعظم من أي انتصار ذاتي وخطوة شجاعة ستكون علامة مضيئة في تاريخه السياسي. هل تعلم السياسيون في بلادي من هذا الحكيم أتمنى أن تكون مبادرة السلام من اجل الوطن التي قادها وليد جنبلاط والتسامي فوق الجراح درس يستفيد منه قادة السياسة في بلدي السودان، وحتى يتعلموا الشجاعة للاعتراف بالأخطاء متى نتعلم أن البكاء على طليطلة لن يفيد بعد أن تدرس الحضارات وتموت النوارس ويصمت الكنار؟.