٭ العنوان هو لقصة في كتاب المطالعة الاولية وكان يغيظني لان اسمي محجوب وهو اسم علم مذكر ولا أعلم له تأنيثاً.. وكان التلاميذ يتغامزون ويتلامزون دون أن يجرؤ أحد منهم بالصاق الاسم علىّ فأنا أول الفصل والألفة.. ودخلت المدرسة الاولية وأنا دون السادسة بقليل وأنا أحفظ من القرآن الكريم عدة أجزاء فقد وصل لوحي الى.. «واذكر أخا عادٍ إذ أنذر قومه بالاحقاف.. الآية رحم الله شيخنا محجوب ود حاج الحسن وأمد الله في أيام أستاذنا «فتح الرحمن عامر» ناظر المدرسة.. وعليه فقد كنت أجيد الكتابة والقراءة والحفظ والحركات من فتح وكسر و?م وسكون وبعض مبادئ الحساب وقد كان «معلم الصف» أو شيخ الفصل هو الشيخ الجليل سر الختم ود الماذون بارك الله في ايامه.. يعذرني في قراءتي «برواية ورش» بما فيها من إمالات وتسهيلات للمهموز منها وغير ذلك من اختلافات النطق وزيادة بعض الحروف أو نقصانها وكذلك في الكتابة فطريقة المقرر في المدارس غيره في الخلاوى.. كان نشاطنا موفوراً في البيت وفي المدرسة فالعمل في الزراعة وجلب الماء للشرب وللغسيل ولسقاية البهائم وجمع الحطب للنار عملاً معتاداً غير المواسم كحصاد البلح مثلاً.. وفي المدرسة «درس العصر» بعد اليوم الدراسي وكان? الالعاب صعبة وتتطلب مجهوداً مستمراً كالسباحة أسمها العوم، والسباق.. واصطياد الطيور بالنبلة والشرك.. واصطياد السمك وكل ما يُعّلم الصبر وبذل الجهد.. أما السهر فهو ممنوع حتى في ضوء القمر لا تمتد السهرة الى ما بعد صلاة العشاء بكثير.. لكي تصحو مع «النبّاه» فتبدأ يومك وكبارنا أوفر منا نشاطاً. ٭ لكن بعدما أصبح الاغتراب «ظاهرة» بعد أن كان لا يعرفه إلا أهل الشمال المغتربون منذ عشرات السنين في مصر والشام وأوربا وأميركا بل في الشرق الاقصى.. بعدما إزدادت أعداد المغتربين السودانيين وكانت قد سبقتهم سمعتهم الطيبة في الأمانة والاخلاص في العمل والتسامح والوفاء والكرم والشجاعة تلك القيم التي أرساها المغتربون الاوائل «إن شاء الله يتغربوا خيارنا» وقد كان والحمد لله.. ولكن تغيّرت هذه الصورة المثالية للسوداني وحل محلها صفة الكسل حتى صار السودانيون مضرب مثل في الكسل.. والكسل هو التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ?الفُتُور فيه.. فهو كسِلٌ وكسلانٌ والجمع كُسالى وكَسَالى وكَسْلى.. وهو فعلٌ مذموم.. لكنه أُلحق بنا نحن معاشر السودانيين خاصة من إخواننا الخليجيين عامة والسعوديين خاصة وهذا تعميم ظالم.. وكلام قيل هكذا ولم يجد من يتصدى له فأصبح من المسلمات.. وبه تُحبك النكات والطرائف.. قال تجار خليجيون لصاحبهم «اذا أردت أن تعلن عن بضاعتك من الأسرّة والمراتب والمخدّات فعليك بعرضها في صالة واسعة ومبرّدة وتطلب من سوادنيين ينامون عليها ليل نهار بلا مقابل وعندها ستجد بضاعتك الرواج». ٭ والامر لا يخلو من بعض الحقيقة لاننا اذا أردنا التعليق على شجرة ظليلة نقول: «والله دي داير ليها عنقريب هبابي» واذا كان الجو لطيفاً نقول: «والله الجو ده فيهو حلاة نومة» وربما نقول «ده جو فول»!! ونادراً ما نقول: «الجو ده جو شغل» أراد مزارع كبير أن يستنفد أقصى جهد عمالٍ له وقد اتفق معهم أن يعملوا من الصباح حتى المغيب فلما غابت الشمس قال لهم: «إشتغلوا.. إشتغلوا.. تراها الشمس غيمت ليكم يا البُخات» فالعمالة السودانية «داخلياً» تنجز أقل بكثير من مثيلاتها من الجنسيات الاخرى بحسب ما يقول المقاولون وأصحاب الأعمال..?فالذي يأتي من بلاده إلى بلادنا طلباً للرزق لا يمكن أن يقضي وقته في النوم فالمزيد من العمل يعني المزيد من الدخل.. ولا أعتقد بأن الامر فيه «تدخلات جينية» ربما تكون نفسية أو ثقافية فالقطاع التقليدي في بلادنا «الزراعة والرعي» والزراعة المطرية موسمية بطبيعة الحال فقد لا يجد المزارع ما يفعله في غير موسم الخريف والحصاد.. والرعاة يسرحون في السهول وبعدما يصل بقطيعه لمكان الرعي يستظل بظل شجرة ويترك البهائم ترعى حتى يحين موعد العودة للقرية أو الحلة فطول النهار يقضيه شبه نائم. وسكان المدن الكبرى ألفوا السهر وقلة الفكر? فاذا ما طلع عليهم الصباح غطوا في نوم عميق طبعا هؤلاء هم «البطالة والطلاب في الاجازات» وبرضو التعميم ظالم وقد عممت ولكل قاعدة شواذ. ً٭ ومهما يكن من أمر فأننا كسائر العرب والافارقة نشاطنا أقل من الاوربيين والآسيويين والأميركيين.. كما يبدو من طريقة مشيهم وانجازاتهم وحركتهم حول العالم.. ويكفي ان نقول بان تعداد بريطانيا لم يكن يتجاوز «تسعة ملايين» عندما كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.. وغفر الله لاهل الخليج فلا نريد أن نبادلهم الاتهامات. ً٭ ومثلما يصفنا أهل الخليج بالكسل فهم كذلك يصفون البنغال «أو البتان» بالغباء.. يقول بتاني لزميله: «أرباب» مال أنا غبي هو يقول خد عشرة درهم إشتري بيها سيارة مرسيدس شبح «هو ما يعرف إنو اليوم جمعة بقالة كلو قافل!؟» فيرد عليه زميله «أرباب مال أنا اغبي هو يقول امشي البيت شوف «أنا هناك موجود!! ليش تلفون ما في!؟ الارباب هو رب العمل. والحمد لله الكتوف إتلاحقت برضو البتان بقوا يشتغلو عندنا.. ما حدش أحسن من حد.. وهذا هو المفروض.