تعيش كردفان بولايتيها محنة حقيقية ،ففي ولاية جنوب كردفان حل الرصاص و"الدشمان" منذ 6 يونيو الماضي مكان الحوار والسلام والاستقرار والتنمية،وانتهت استراحة امتدت أكثر من ست سنوات بعد حقبة كالحة في تاريخ الولاية الوادعة والواعدة وأهلها الطيبين المسالمين المتعايشين قرونا من الوئام ،ولكن مهما استمرت هذه المحنة فهي إلى زوال، ورغم تعثر الجهود السياسية فإنها ماضية ولو بوتيرة متثاقلة؛ لأنه لا بديل عنها، وستكون فيها جراح وتنازلات مؤلمة والدواء مهما كان مرا فلا خيار آخر، وكلما أهمل الألم والمرض فإنه سيتمكن في الجسم و?ن الأفضل الاستمرار في العلاج المر، فابشروا أهلي في جنوب كردفان الفرج قريب. أما في شمال كردفان فالولاية في حالة توهان وأزمات متلاحقة منذ خمس سنوات ، ولكنها هذا العام ستكون الأشد وربما تعيدها نحو 28 عاما إلى الوراء ،عام الرمادة والجوع في 1983 الذي دفع آلاف الأسر من مواطنيها إلى النزوح والعيش في أطراف المدن يسألون الناس إلحافا بعد أن كانت أياديهم هي العليا، واضطرت فتياتها إلى الخروج من خدورهن إلى العمل خشية إملاق، وهلك الزرع والضرع وتفشى الفقر والبؤس، تلك سنوات لا أعادها الله. التصدي لأزمة الغذاء ومؤشرات الفاقة والجوع صدرت من بين توصيات مؤتمرات المحليات التنشيطية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في ولاية شمال كردفان، وصدر نداء الاستغاثة والتحذير من وزير الزراعة هناك الفريق الركن محمد بشير سليمان، نقول ذلك حتى لا نتهم من الذين يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو ويرجعون كل مشكلة إلى مؤامرات الأعداء وعناصر الطابور الخامس. الفريق سليمان قال لدى لقائه في الأبيض عروس الرمال وفد اللجنة الزراعية في البرلمان، إن الولاية ستعيش أزمة غذاء حقيقية هذا الموسم بسبب شح الأمطار، وإنعدام التمويل من الولاية والحكومة الاتحادية، والإخفاق في التنسيق مع إدارة السدود والنهضة الزراعية في إنشاء السدود وبرامج حصاد المياه لمعالجة مشكلة الولاية ، وإن مؤشرات الإنتاج الزراعي ضعيفة في محليات غرب بارا وسودري وجبرة وأم دم، وجزء من محليتي بارا وأم روابة. و يحذر محمد أحمد أبو كلابيش، والي شمال كردفان السابق من مخاطر مجاعة حقيقية قال إنها ستكون أخطر من مجاعة الصومال إذا لم تلتفت الحكومة منذ الآن لمعالجة آثار الفجوة الغذائية ، مؤكدا أن إنتاج الدخن في منطقة حمر يكاد يكون صفرا، وإنتاج محصول الفول السوداني لا يتجاوز 30 في المئة ،ويقول ل "الصحافة" إن شمال كردفان تعتمد على جنوب كردفان في الذرة، وإن إنتاجها 50 في المئة بسب التأخير في هطول الأمطار والحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من أربعة شهر في الولاية. شمال كردفان رابع ولايات السودان في الكثافة السكانية (2.9) مليون نسمة، رغم أنها من أكثر الولايات نزوحا وهجرة فقد هجرها أكثر من (1.5) مليون مواطن للعيش بولايات السودان الأخرى بسبب الجفاف والتصحر الذي ضرب سهولها ومزارعها ومراعيها ، كما أن الولاية تعاني شحا في مياه الشرب و تتمدد في مساحة 58 مليون فدان منها 51 مليون فدان صالحة للزراعة والرعي ،لكن لا يتعدى المستخدم منها أكثر من ثمانية ملايين فدان ،ويعيش 67 في المئة من سكان الولاية في الريف، و13 في المئة رحل. هذه ولاية تحتاج إلى اهتمام متزايد ليس لنجدة مواطنيها ?تجنيبهم المسغبة فحسب، وإنما استغلال أراضيها الغنية والاستثمار في 25 مليون رأس من الماشية، وتنمية مراعيها الطبيعية الممتدة،فالتحرك واجب من حكومة الولاية قبل غيرها لاستنهاض كل الجهات حتى لا يخرج التحذير من جهات ومنظمات يشكك البعض في مساعيها ونواياها وجهودها مهما كانت بريئة ومخلصة.