البرفيسور الطيب زين العابدين بالرغم من انه استاذ جامعي في اعرق الجامعات السودانية وهي جامعة الخرطوم، ويحمل درجة الاستاذية من زمن بعيد، ويمتلك خبرة اكاديمية واسعة وخبرة سياسية لا تقل عنها.. الا انه في مقاله الاسبوعي بجريدة «الصحافة» مطلع هذا الاسبوع وهو يتناول حديث البروفيسور ابراهيم احمد عمر ونقده لسياسات الموتمر الوطني في احد مؤتمراته التنشيطية للقطاع السياسي حول نوع الديمقراطية التي يمارسها المؤتمر الوطني، ذكر عمر عدة انواع من الديمقراطية، ومن بينها ديمقراطية التقانة الحديثة، والاخيرة هذه ذكر الطيب انه ?م يسمع بها او يعرفها، وعندما يأتي هذا الكلام من استاذ في العلوم السياسية مثل البروفيسور الطيب زين العابدين، يعتبر كلاماً اوثق باعتبار انه صادر عن رجل هذا تخصصه ومنه وبه يشارك في المؤتمرات الداخلية والخارجية، ويعد الكثير من الاوراق في هذا المجال وما يحيط به من علوم ودراسات ان كان على مستوى الممارسة او النظرية، فإن للطيب باع يمكنه من المشاركة على كافة المستويات المحلية والاقليمية والدولية ان كانت متخصصة او اكثر تخصصية في هذا المجال. وقد تكون الدهشة التي علت عيني البروفيسور الطيب، ان هذا الحديث صادر عن البروفيسور ابراهيم احمد عمر الذي لا يقل عن الطيب في شيء على المستوى الاكاديمي والسياسي، وان تفوق عمر على الطيب بتولي مناصب ادارية ووزارية وامانات في الجهاز السياسي، وهذا ما لم يتح للطيب، وهذه قد تحدث فرقا في الخبرة، والجامع بين البروفيسورين انهما يمتازان ب «الحدة»، وقد تكون لهما مواقف مشهودة في هذا الجانب، وقد ظهرت للطيب مواقفه المتشددة في سياسات الحركة الاسلامية قبل وبعد انقلاب الانقاذ الوطني التي جعلته يجاهر بآرائه في المنابر الاعلام?ة والسياسية، الامر الذي اغضب قيادته، وربما ابتعد او ابعد من المستويات العليا في التسلسل الهرمي للحركة الاسلامية، واكتفى بنشاطه الاكاديمي والسياسي من خلال القاعات ومنابر مراكز الدراسات ووسائل الاعلام، كمقاله الاسبوعي في «الصحافة» او في الفضائيات كالحلقة التي استضافته فيها قناة الجزيرة، بجانب مستشار وزارة الاعلام ربيع عبد العاطي قبل عدة ايام. اما البروفيسور ابراهيم احمد عمر فمواقفه الحادة والمتشددة كثيرة جدا، ولعل ابرز تلك المواقف عندما كان وزيراً للتعليم العالي، ففي المرة الاولى احتد مع مدير جامعة الخرطوم في ذلك الوقت البروفيسور مأمون حميدة حول بعض السياسات، واختلفت وجهات النظر، وكل تمسك بموقفه، الاول بوصفه وزيرا للتعليم العالي والثاني بوصفه مديرا للجامعة، ولكن تشدد الطرفين ذهب بحميدة خارج اسوار الجامعة، وكانت تلك المشكلة سبباً في ان يتجه حميدة للاستثمار في التعليم العالي بذات مفهوم المشكلة، والفرق اصبح بين القطاع العام والخاص، اما عمر فقد جاء?التعديل الوزاري الذي اعقب مشكلته مع حميدة لصالحه، فقد جمعت له وزارتا التعليم العام والعالي في وزارة واحدة، الامر الذي جعل حواجب الدهشة ترتفع عند حميدة الذي يرى الحق بجانبه، وان ابراهيم يجب ان يغادر «كابنت» مجلس الوزراء ولا يكافأ بجمع الوزارتين له في وزارة واحدة. اما الموقف الثاني للبروفيسور عمر فقد كان داخل البرلمان الذي كان يترأسه في ذلك الوقت الدكتور حسن الترابي، وكان عمر بحكم انه وزير فقط وليس نائبا يحضر جلسات البرلمان، وعندما كان المجلس يناقش موضوعا اراد عمر ان يدلي برأيه، فمنعه الترابي بصوت جهير وقال له انت وزيرا هنا وليس نائبا لكي تأخذ فرصة للحديث، الامر الذي اغضب عمر وخرج من القاعة محتجا وسط دهشة النواب، ولم تنفع معه الرجاءات للعودة مرة اخرى لقبة البرلمان، وكان هذا المشهد الذي شهده نواب الامة مباشرة بين الترابي وعمر ليس الاول من نوعه، فقد شهدت اجتماعات الم?تمر الوطني ومن قبلها الحركة الاسلامية العديد من المشادات بين الدكتور والبروفيسور، لكن كانت تنتهي دائما دون خسائر، وربما اعتبرها البعض مؤشراً لارتفاع الديمقراطية داخل المؤتمر الوطني، وعندما حدثت المفاصلة في 1999م وانقسم الاسلاميون بين الوطني والشعبي لم يجد المؤتمر الوطني من يخلف الترابي على الامانة العامة غير البروفيسور عمر، وبعدها ادرك الوطني خطورة الامر، وقام بتعديل نظامه الاساسي الى التعديل الحالي رئيس ونائبان، الاول للشؤون التنفيذية وهو الاستاذ علي عثمان، والثاني للشؤون التنظيمية والسياسية ويشغله د. ن?فع علي نافع. ولم يجد الكثير من المحللين والكتاب الذين تناولوا حديث البروفيسور عمر امام القطاع السياسي تفسيرا واضحا لحديثه، هل هو نصيحة اصلاح ام انها صرخة غضب كالتي كانت قبل المفاصلة، ام انه حديث الوداع لأنه قد لا يشهد دورة الانعقاد القادمة للمؤتمر الوطني بعد نهاية الحالية هذه، بسبب اعتزال العمل السياسي لظروف صحية، او يأسه من عمليات الاصلاح التي يراها ضرورية لتطور العملية السياسية في السودان. ولكن تبقى مسألة الديمقراطيات التي تناولها عمر في حديثه، ومنها ما لم يسمع به الطيب زين العابدين وهو استاذ علوم سياسية، وهي ديمقراطية التقانة الحديثة، وقد يكون البروفيسور عمر قصد استخدام وسائل الاتصال الحديثة مثلما وظفت شعوب الربيع العربي الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي مثل «الفيسبوك» و «تويتر» ورسائل ال «أس أم أس» وغيرها مما جادت به ثورة الاتصالات من أجل الخروج الى الشارع لاسقاط تلك الانظمة التي تهاوت مثل ورق الشتاء، وبما ان البروفيسور الطيب استاذ علوم سياسية يعرف جيدا ان هذه وسائل وليست نظما، وهي م?ل سابقاتها في العهود السابقة مثل المنشورات والمايكرفونات والنكات السياسية التي تستخدم دائما من اجل ايصال الرسائل وتوحيد الناس ضد النظام اياً كان نوع الحكم الذي يمارسه، بعد ان يقنع الناس من عمليات الاصلاح التي ينشدونها، وتكون النظم الديقراطية التي تمارس معروفة لدى الناس في الاحياء الشعبية وفي الاتحادات الطلابية وفي المنافسات على مستوى الاحزاب، وبالتالي هناك اختلاف بين النظم والوسائل للاستقطاب والاستنفار، وقد يكون هذا ما أشار اليه الطيب زين العابدين الماحا بحكم العلاقة التي تربطه بالبروفيسور عمر، ولم يرد ان?يتكئ عليه كما اتكأ على رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر في مسألة الامتيازات الوظيفية لرئيس البرلمان التي وصلت المساجلات فيها حدا بالتهديد بالاجراءات القانونية والسجن. وقد تكون حقيقة الممارسة الديمقراطية التي ينتهجها المؤتمر الوطني هي ديمقراطية «العضم»، قبل أن يندهش البروفيسور الطيب زين العابدين مرة ثانية وترتفع عنده حواجب الدهشة لأنواع الديمقراطيات الجديدة التي لم ينزل الله بها من سلطان مثل ديمقراطية «التقانة الحديثة» وديمقراطية «العضم » رغم المحاولة لتفسير ديمقراطية التقانة وهي استخدام الوسائل الحديثة وربما ادخال التقانة على شاكلة «الميكنة» الزراعية او الحكومة «الالكترونية» خاصة أن الوزير عمر قد تولى وزارة العلوم والتقانة من قبل، فربما يكون قد وصل الى شيء من هذا النوع من الديمقراطية، وكما اشرنا فإن تولي المناصب الوزارية هو الذي يحدث الفرق والخبرة بين البرفيسور عمر والبروفيسور الطيب. اما عن ديمقراطية «العضم» وحتى نجد العلاقة المنطقية بين الديمقراطية والعضم، وحتى تنخفض حواجب الدهشة عند البروفيسور الطيب زين العابدين، فإن ما أشار اليه الزعيم المرحوم الشريف زين العابدين الهندي في برلمان الديمقراطية الثالثة «1986 1989م» عندما رأى حالة الشد والجذب داخل البرلمان والبلاد يتهددها خطر التمرد والوضع العام يحتاج لتكاتف الجميع، وهو يرى الممارسة الديمقراطية شد وجذب ، قال قولته المشهورة «الديمقراطية دي إن شالها كلب ما نقوله جر»، وكما يقول اهل اللغة والبلاغة فإن الشريف شبه الديمقراطية ب «العضم» و?شار إلى شيء من لوازمه كما يقول اهل اللغة وهو «الكلب»، ومن هنا نجد العلاقة بين الديمقراطية والعضم ، «هل انخفضت حواجب الدهشة عند زين العابدين؟!!» وبما أن المؤتمر الوطني حاول ان يوزع المناصب على الاحزاب المتوالية معه مثل الاتحادي والامة الوطني والقيادة الجماعية والتنمية والاصلاح والفيدرالي، وارتضت قيادات هذه الاحزاب ب «عضم » المنصب الوزاري ومارسوا قليلاً من النقد داخل مجلس الوزراء وفي نشاطات احزابهم السياسية، وهذا لم يؤثر على وضعية المؤتمر الوطني في سياساته الكلية، فإن هذا النوع من الديمقراطية يمكن ان نطلق عليه «ديمقراطية العضم» والتي لم يشر اليها البروفيسور ابراهيم احمد عمر في حديثه عن انواع الديمقرطيات التي ذكرها، رغم أن هذه الديمقراطية ترعرعت وش?ت أمام عينيه!!