من شأن مقتل العقيد الليبي معمر القذافي أن يصيب الحكام الآخرين بالقشعريرة، وهو بمثابة نذير شؤم لهم، ومع ذلك فهم لا يزالون يراهنون على قدرتهم على قهر الانتفاضات الشعبية في بلدانهم.،فما أكثر العبر وما أقل الاعتبار. تقف ليبيا التي خرجت من حقبة القذافي، في أول يوم أمس الجمعة، بدون وجود العقيد الذي ارتبط اسمه بها، غير أن يومها الجديد هذا مليء بتحديات أبرزها إصلاح البلد الذي دمرته الحرب، وبناء نظام ديمقراطي على أنقاض ديكتاتورية استمرت أربعة عقود. استمر العرض أكثر من 42 عاما، أقلق الرجل العالم.، انتهك كل القواعد والأعراف.، لا يعترف بأي قاعدة. يحتقر الأممالمتحدة. والجامعة العربية، والقانون الدولي، وكذبة الديمقراطية، ولا غرابة في الأمر،. من احتقر شعبه يصعب أن يحترم الشعوب الأخرى. ومن استباح دولته لا يتردد في استباحة دول الآخرين. ما أصعب أن يحصي المرء ضحاياه.، وأن يحصي مآثره.، مولع بإضرام النار، والتبريرات حاضرة لديه، يتلذذ بتغذية الحرائق المندلعة في هذا البلد أو ذاك.، يسكب المال والسلاح ويبتهج بالولائم القاتلة. والقضاء على الطاغية من شأنه اختصار المدة أمام الثوار الليبيين الذين وعدوا بإنشاء دولة ديمقراطية ليبرالية وبإجراء انتخابات خلال ثمانية أشهر، ولكن الثوار ينتظرهم بلد ممزق تتراكم فيه الأسلحة الخطيرة ويفتقر إلى المؤسسات الشرعية أو المجتمع المدني، بل إنه يبقى عرضة للصراعات القبلية والإقليمية والطائفية والعرقية أكثر من أي وقت مضى، فالليبيون لا يزالون يواجهون صراعا سياسيا صعبا، وهناك بعض الانقسامات القبلية والإقليمية الكبرى قد تتصاعد بسهولة، نظرا لشدتها في ليبيا. وأمام الحكام الجدد تحد خطير يتعلق بإمكانية تعايش وانضباط أكثر من عشرين من فصائل الثوار الموجودين في طرابلس وبقية المدن الليبية والذين شاركوا في القتال ضد كتائب القذافي في شتى أنحاء البلاد، خاصة وأنها غير مندمجة جميعها بعد في سلسلة القيادة في إطار المجلس الانتقالي. وثمة مسألة مهمة هي تعزيز السيطرة على الوضع الأمني في البلاد مما يتطلب ضمان التوافق ليس فقط على رئيس تحالف المقاتلين، ولكن أيضا ضمان أن المجرمين والعصابات لا يستفيدون من الأسلحة التي يتم تداولها ولا تزال تهدد سلامة السكان المدنيين. ويتعين على المجلس الانتقالي اتخاذ قرارات صعبة حقاً بتشكيل هيئة عسكرية مستقلة عن المليشيات المسلحة التي تجوب البلاد طولا وعرضا، وبناء مؤسسات حكومية على أنقاض دولة القذافي، وإرساء أسس نظام سياسي ديمقراطي. وجاء الوقت المناسب لبدء ليبيا جديدة، مع اقتصاد جديد، مع تعليم جديد.. مع وجود نظام صحي جديد، ومستقبل واحد، ولا بد من المصالحة الوطنية، والخطوة الأولى في هذا الصدد تتمثل في عدم التعاطي بمنطق المنتصر مع أنصار النظام السابق، فالمجمتع الليبي مجتمع قبلي لا يمكن أن يقبل الاهانة، ويمكن أن يتحول الانتصار إلى ثأرات لا تنتهي وتعصف بالبلاد وتنزلق بها إلى فوضى، كما حدث في عراق ما بعد صدام حسين. فالديمقراطية تعني الحكم الرشيد، وسيادة حكم القانون، والشفافية، والقضاء العادل المستقل والمساواة في توزيع الثروات، والعدالة الاجتماعية، وإذا كانت قد وقعت أخطاء وتجاوزات فلا بد من علاج سريع لها، قبل أن تتفاقم وتتحول إلى غضب، وربما ثورة مضادة. لقد ارتاح الجميع من غياب القذافي، بعد أن صار الطاغية عبئاً على كل شيء في حياة شعبه، لكن أخشى أن تكون الصور الزاهية الآن في المدن الليبية هي الصور الأخيرة من مشهد الثورة الشعبية، فالدول الغربية في حلف الأطلسي التي ترى أنه لولاها لما طويت مرحلة القذافي ستستعجل تسديد فواتيرها ، تماماً كما هو حال العراق بعد إسقاط الطاغية صدام حسين، الذي لم يحظ بعطف إلا لأن الأميركيين الغاصبين هم من أسقطوه وهم من أمروا بقتله.. أليس شعوراً يستحق الدرس عندما يعرب كثيرون من أبناء العرب المقهورين عن غضبهم لأن الغرب الاستعماري هو م? ساعدهم في أسقاط الطاغية الليبي عندما خذلهم العرب إلا قليلا منهم؟ والآن، ماذا بعد ليبيا.. وماذا بعد القذافي؟