منذ أن إندلع الربيع العربي والجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تسأل نفسها سؤالا واحدا وهو كيف للشعب في تونس ومصر وليبيا أن يتدبر أمره ويمضي إلى الأمام من غير الدخول في معضلات الحرب الأهلية والصوملة واللبننة في غياب الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في هذه البلاد في المنطقة . ومرد هذا الخوف لكون هذه الأجيال من الأمة العربية والإسلامية لم ترَ ولعقود من الزمان غير حاكم واحد في كل بلد عربي يحكم شعبه بالحديد والنار ويتصرف في ثروات البلاد وكأنها ملك له فإن غاب هذا الحاكم أو أخذته سنة من نعاس أو نوم فإن قيامة البلد?سوف تقوم . وقد ساهمت الشعوب العربية نفسها في تكريس هذا الوضع عندما أعطت الحاكم كل شئ ولم تبق لنفسها حق الحزن والفرح على ما يفعل حكامها ناهيك عن حق الرفض والمعارضة والإمتناع . ظل هذا الحال عقودا وعقود والسياسة الداخلية سردفين بين الحاكم ووزرائه وأبنائه كما هو الحال مع القذافي وأبنائه وبني علي وزوجته وأصهاره وحسني مبارك وأبنائه وزوجته وعلي عبد الله صالح وأبنائه وبني عمومته وبشار الأسد وأخوته والقائمة تأتي وتطول في هذا النمط من السياسة وإدارة مصالح الشعب بحكومة معلنة تجتمع وتنفض ووزراء يروحون ويأتون ليس بأيدي?م شئ والقرار عند الحاكم وخاصته والمال عند الرئيس وزوجته وإخوانه وكأن هؤلاء لم يسمعوا بالشفافية ولا نظرية الشعب القائد إلا بعد أن نزلت الشعوب إلى الشوارع وفرضت إرادتها وأسمعت العالم صوتها بالدموع والدماء والثكلى والجرحى والمشردين . أما السياسة الخارجية فهي همس وقبل وشفاه تتحرك من على شاشات التلفزيون ولا أحد يدري ما يدور إلى أن إنكشف المستور وبرزت الحقائق مما كان يدور في الخفاء بين القدافي وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق ورئيس اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط وما جاء به موقع ويكيلكس الإخ?اري من تسريبات حول العلاقات مع إسرائيل والصفقات السرية والأجندات الخفية . هذا هو الحال وليبيا بعد القذافي لم تبدأ عقب موت القذافي في يوم 20 أكتوبر الجاري ولكن ليبيا بعد القذافي بدأت قبل ثمانية أشهر من الآن هي عمر إنطلاقة الثورة الليبية في 20 فبراير من العام الجاري عندما فقد القذافي سيطرته على الأوضاع تحت وقع الثورة التي إنتقلت بسرعة الصاروخ من ثورة شعبية سلمية إلى ثورة مسلحة خاض غمارها الليبيون بجسارتهم المعهودة، وقدموا الشهيد تلو الشهيد وجاروا القذافي في نظريته في القتال .... من الصحراء إلى الصحراء نزحف ?ليهم بالملايين لتحرير ليبيا من الخونة دار دار شبر شبر بيت بيت زنقة زنقة.... وقد أخرج الثوار القذافي من ليبيا مدينة مدينة بدءا ببنغازي وإنتهاءا بسرت وقد إنطبق عليهم قول الشاعر عمرو بن أم كلثوم التغلبي : فأبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا وانطبق عليم ما قاله الشاعر من قبيلة جرهم بعد جلاء قومه من مكةالمكرمة بعد أن كانوا سادتها : كأن لم يكن بين الجحون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى : نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العوائر فيا سبحان الله ويأبى القذافي إلا أن يقضي على الأخضر واليابس ويدمر مدنه ويقضي على أبنائه من أجل الحفاظ على سلطته ومجده الشخصي وأوهامه الكذوب . فلو كان القذافي يريد سلطة لولده سيف الإسلام .. مثلا .. لتنازل له عبر صفقة من الصفقات السياسية مع الثوار وما أكثر الفرص التي لاحت في الأفق ومن أول يوم ولكن القذافي رجل أناني لا يعرف إلا نفسه وأطماعه في السلطة التي لا تفتر أوتقف عند حد ولو كان الدمار والخراب والموت وهو يفقد أبناءه وأبناء عمومته ووزراءه في معركة خاسرة هي معركة سرت وحدها التي مات إبنه المعتصم ومن قبله? إبنه سيف العرب وإبنه خميس ووزير دفاعه المخضرم أبوبكر يونس جابر والعديد من أقرباء القذافي وأهله الذين فرض عليهم حمايته وهو ملاحق من قبل قوات حلف الناتو والولايات المتحدةالأمريكية والشعب الليبي كله يقف للقذافي بالمرصاد . بالله عليكم أنظروا للورطة التي أوقع فيها القذافي أهله وعشيرته في سرت والله لو كنت محل القذافي آخر ما يمكن أن يخطر على بالي هو أن أتجه لسرت حيث أهلي وعشيرتي حتى لا أرمي بهم في المحرقة وأقودهم إلى الفتنة مع بقية الشعب ولكنه القذافي الذي ستكون ليبيا أفضل مليون مرة في غيابه . بل إن ليبيا قد ت?ررت تماما بغياب القذافي عن المشهد وموت هبل القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين وسقوط الطاغية والدكتاتور المتخلف معمر القذافي الذي إنتهى إلى غير رجعة . وما نريده لليبيا ما بعد القذافي ( ليبيا ثورة فبراير.. ليبيا الشعب ) أن تكون غير ليبيا القذافي وإذا حدث فيها عشر ما كان يحدث في عهد العقيد معمر القذافي كأننا يا بدر لا رحنا ولا جئنا .. إذا سار ثوار ليبيا على طريق القذافي فقد ظلموا أنفسهم أولا وظلموا الشعب الليبي ثانيا ... وظلموا الأمانة والحق والعدل ثالثا . إن طريق القذافي هو طريق الظلم والظلام والمحسوبية و?تل الناس بغير حق دون تقديمهم للمحاكمات .والمرحلة الجديدة في ليبيا هي مرحلة الثورة ولما بعد القذافي وموت ... الدكتاتور وهي مسيرة لتأسيس دولة القانون والحكم الرشيد ... وهذه هي ليبيا الجديدة بوجوه جديدة وقيم جديده لا صلة لها بالماضي ماضي القذافي ونظامه وأبنائه .. ليبيا المنتظرة ليست هي ليبيا التي أطلق عليها القذافي أطول إسم لدولة في العالم وهو إسم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى ... وكان إسما بلا مضمون ... حيث غابت كل المعاني بما فيها الشعبية أما العظمة فهي عظمة الشخص القذافي الذي كان ي?ن أنه خير من تمشي به قدم وأفضل رئيس دولة سارت به الركبان وعرفته الإنسانية وتلك كانت هواجسه وأوهامه المندحرة وأهواءه البائرة . ولم تكن الإشتراكية التي تشدق بها القذافي سوى تسويق لفكرة لحلفاء قدامى والفكرة بارت وتخلى أهلها عنها بعد إكتشافهم زيف النظرية وخداعها وعدم مطابقتها للواقع و عدم قدرتها على تلبية حاجة الشعوب للحرية والديمقراطية .... وإذ تتخلى ثورة ليبيا عن كل الماضي ومآسيه في ليبيا ... لابد من فجر جديد هو فجر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ... ولن يبلغ الشعب الليبي مرحلة بناء الدولة الحديثة والحر? والكريمة إلا إذا تجاوز كل الأخطاء بما في ذلك الطريقة التي قتل بها القذافي وما عاشته ليبيا من لحظات وساعات وأيام في غيابه وهو جثة هامدة في مشرحة بمستشفى مصراته ( وما أدراك ما مصراته تلك المدينة الليبية الصامدة والحرة والأبية التي لاقت من القذافي الضرب بصواريخ القراد و قتل المدنيين والنساء والأطفال وقطع المياه والكهرباء وأخذ الجرحى من المستشفيات وهي التي آوته وقام أهلها بحمايته وهو طريد ذليل في عام 1960م ولكنه لم يحتمل أن تثور عليه وتقول لسياسته ونظامه لا ).. قد تم إعلان ليبيا دولة حرة تحترم القانون وتأكي?ا لذلك لابد لثوار ليبيا من أن يبدأوا بأنفسهم و كما فعل رسول الله صلى عليه وسلم والذي دعا كل صاحب مظلمه بأن يقتص منه إن كان قد ظلم أحدا أو إنتقص من حقه أو كرامته في معركة التحرير والفتح والجهاد ... وكذا الحال بالنسبة للثوار عليهم أن يمنحوا القضاء الليبي حرية أن يحتكم إليه الناس والإحتكام له يكون من قبل الشعب، وفتح البلاغات في مواجهة كل شخص تجاوز القانون بما في ذلك أسرة القذافي وأركان حزبه مع الإصرار على توطين العدالة ،وتوطيد حكم القانون وتناسي الخلافات والإهتمام ببناء دولة العدل والإنصاف والشفافية وإحترام حقوق الإنسان وبالله التوفيق .