انفصل الجنوب رغم دعوات الوحدة الحارة . وتجزأ السودان والعالم كله يتجه نحو الوحدة. وانقسمت البلاد رغم رتل الشهداء الذين مضوا إلى ربهم. وانشطر الوطن وظلت القضايا العالقة جرحا نازفا. لا ترسيم للحدود ولا حل لمعضلة أبيي ولا اتفاق حول النفط. وانحسرت مساحة السودان ومازلنا ننتظر ما تتمخض عنه المشورة الشعبية في بعض المناطق. وظلت مشكلة دارفور رغم الجهود المضنية والحوارات الطويلة تقتات من ميزانية البلد المنهكة. من الخاسر ومن الرابح؟ والسؤال موجه لأهل الشمال فقد مضى أهل الجنوب بغنيمتهم . الانقاذ يجب أن تعترف بأخطائها، فقد فرطت في وحدة السودان وانفصل الجنوب بثمن باهظ قوامه أفواج من الشهداء وكم من الأموال وقضايا بقيت عالقة رغم أن الجنوب أخذ سقف مطالبه. أحزاب الشمال المعارضة ارتكبت الحماقة الكبرى بتحالفها الرخيص مع الحركة الشعبية التي استخدمتهم كيف تشاء ومتى تشاء، وفازت بمبتغاها وخسروا الرهان. حركات دارفور المسلحة لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت، وأحالت أهل دارفور إلى أكوام من اللاجئين والنازحين تشتكي ضعف التنمية، وتقضي على الموجود، وتجلب الملايين من الخارج لتحصدها دمارا في الداخل. والغلاء والجوع والخوف يطحن أهل السودان المغلوبين على أمرهم. وإذا وضعت الحرب أوزارها وأنى لها، يكون أول الأجندة إعمار ما دمرته الحرب والساقية لسه مدورة. تعالوا نتواضع على استراتيجية وطنية شاملة.. على ماذا نتقاتل والبلد يعد من أكثر بلاد العالم عوزاً، وعمر الإنسان قصير إذا حذف منه الصغر والكبر، فما المتبقي أربعون أو خمسون، وذاك إن سلم من الأمراض والعديد من الابتلاءات. انتخابات نحترمها ونفوض من جاءت به.. ثوابت وطنية نتفق عليها.. خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها.. نظام قضائي عادل لا يُظلم عنده أحد. معايير محددة وأسس نزيهة للوظائف العامة.. نظام تعليمي موحد دقيق ينتهي بالطالب حسب رغبته ومقدار درجته.. خدمة عسكرية ومدنية منضبطة بالقوانين واللوائح والنظم.. لا تفاضل إلا بالكفاءة والمقدرة.. تلك مسلمات جاءت بها الأديان والنظم الوضعية، وقطعت بلاد الدنيا أشواطا بعيدة في الحضارة وتحقيق الرفاهية، ومازلنا نتخبط في محيط المكايدات السياسية والحظوظ الشخصية والولاءات العرقية والانتماءات الجهوية? تعالوا إلى كلمة سواء رحمةً بالوطن ورأفةً بأهله وانتصاراً لأنفسكم على شهواتها الرخيصة. تعالوا يا أحزاب الموالاة والمعارضة والحركات المسلحة، وستجدون أن ما يجمعكم أكثر مما يفرقكم، فقد ذهب الجنوب بما أراد، وبقيتم أمام التحدي الأكبر، وهو جهاد النفس.