تقديم: كان الكتاب (جذاذات وقذاذات) هو الكتاب المختار لندوة: كتاب الشهر الذي درجت لجنة الندوة بمعهد الدراسات الافريقية والآسيوية على اقامتها كل شهر بقاعة الشارقة الفارهة. وهي ندوة يحمد لها صنيعها هذا. فهي تعرض نفائس ثمرات المطابع من المنتج العلمي الثقافي تأليفاً باللغة العربية أو ترجمة لرصين المؤلف بغيرها. على نحو ما كان من تقديم كتاب الدكتور علي الضو (المزامير) وكتاب بروفسير سيد حامد حريز (الفولكلور التطبيقي الافريقي) بالانجليزية الذي قام بمهمة ترجمته بروفسير محمد المهدي بشرى. كان كتاب (جذاذات وقذاذات) لمؤلفه د?تور عمر شاع الدين ثالثها على الترتيب، في الثلاثة شهور الأخيرة من عام 2011م. * الكتاب: جذاذات وقذاذات (كتابات في اللغة والأدب) الكتاب من القطع المتوسط حجماً، صادر عن مركز عبد الكريم ميرغني، بتاريخ 2010م، لقد بلغت صفحاته 582 صفحة. اشتمل متن الكتاب على 155 عنوانا حسب فهرس الكتاب، وقد ضم كل عنوان عناوينَ فرعية صغيرة. ذكر المؤلف أن موضوعات الكتاب هي جماع لما كتبه متفرقاً في عموده الذي يحرره بجريدة الصحافة خلال ثلاث سنوات (2003 - 2007م). * المؤلف: دكتور عمر شاع الدين، لقد سار الاسم هكذا في الاوساط العلمية والادبية، وعرف به ككاتب في اللغة العربية فصيحة وعامية، وله مساهمات في مجال التراث الثقافي الشعبي، خاصة المتعلق باللغة (عامية سودانية أو عاميات العربية الأخرى على مستوى الاقليم العربي شرقية ومغاربية). واسمه الكامل: عمر محمد الحسن شاع الدين، وفي مدينته الحبيبة اليه (أم روابة) ينادي ب: (صافي الدين). ولا شك ان كثرة الاسماء مؤشر على عظمة المسمى، فهو قمة سامقة علماً وأدباً وسيرة حبيبة عند الناس أكاديميهم وأدبائهم وعامتهم. الأخ دكتور عمر شاع الدين (شمالي بنكهة كردفانية) نعرفها نحن معشر الكردفانيين، لأنها نسمة عابقة بمتعدد ضروب الثقافة الشعبية، وحب جارف لمرتع صباه وشبابه (أم روابة)، فهو لا يفتأ يذكرها. تجدها في كتاباته مذكورة عبر ذكريات تملك عليه أقطار نفسه. ولعله فارقها متلفتاً نحوها وهو يغادرها لظروف حياتية فرضت نفسها، فاستوجبت رحيلاً غير مرحب به للعاصمة. ولكني وآخرين نحمد تلك الظروف وهو لا يرضاها ان اهدتنا عالما أديباً ظل يكافح عتمة الاقليمية وقتاً طويلاً. ونحمد لعتمة الاقليمية أنها أتاحت له وقتا للبحث والتأمل، فنفذ ال? موسوعية لغوية، لا أحسبه مدركها الله أعلم في هرج العاصمة حيث (ثقافة الساندوتش واللهث نحو الاضواء بالبضاعة القليلة). لقد دفعت به تلك العتمة الزمانية عالماً موسوعياً في المجال الذي ارتضاه، ليسهم بجهده التليد المعتق والطارف الجديد ليفترع منهجاً في الكتابة عصي على من يطالع كتاباته إلا لمن فتح الله عليه بقدر غير قليل من المفردة العربية الفصيحة، خاصة حوشيها، وشيء من عاميات العرب الآخرين (مشارقة ومغاربة)، ومعرفة عميقة بالعامية العربية السودانية. يقولون عمن يقرأ كثيراً (فأر كتب) ورغم العبارة تتضمن معنى الإتلاف لذكر الفأر، ولكن احسب أن مراد القائل يذهب لمعنى المواظبة على الاطلاع، وتلك صفة بارزة بائنة عند عمر شاع الدين، تدل عليها كتاباته الملتقطة من أسفار لا يغشاها الكثيرون من أصحاب الإحالة الخادعة. لقد أهداني الاخ عمر شاع الدين نسخة من كتابه (جذاذات وقذاذات) وهي عادته في ايصال كتبه للاخوان، ولا يحسب كم نسخة توزعت. ولأسفي الشديد لم اجد وقتاً كافياً للاطلاع على هذا العمل الكبير الضخم، انه كتاب في تقديري ليس من الكتب التي تقرأ كما القصة والبحث التاريخي أو الادبي ونحو ذلك. انما هو مرجع يرجع اليه عند الحاجة، مثلما هو الحال مع فهارس ومعاجم اللغة. انه يفيد في (عاميات العربية + فصيح اللغة أحياناً). دكتور عمرر شاع الدين في تقديري شخصية لا تستصغر من المعرفة شيئاً، ولعل هذا مما بلور شخصيته البحثية، كداً قوياً في التحقيق الرصين لكل مفردة لغوية بمعالجتها من عدة وجوه طلباً لتأصيلها، تأكد لي ذلك حينما أهداني نسخة من كتابه (المناقرات)، لقد عنت لي بعض التساؤلات حول بعض المفردات عالجها تحقيقا في مؤلفه، طرحت بعض ما جال بخاطري عن بعض الكلمات. لقد أخذ ما رأيت من الرأي حولها مأخذاً جاداً، وراجعني في أمرها بمرجعية واسعة. وقد أثبت ذلك في عموده بجريدة الصحافة، وأخيراً في كتابه (جذاذات وقذاذات) موضوع الندوة. ما كنت أح?ب أنه يذهب في الامر بعيداً، لكنها أمانة الباحث الملتزم بالتوثيق والمرجعية. * حول الكتاب: الكتاب في رأيي يقترب من نهج كتاب (المناقرات) مصنف د.شاع الدين السابق، وبل يتكامل معه. وكلا الكتابين يرتبط ارتباطاً حميماً مع كتب الرواد الاوائل: الشيخ ود ضيف الله (الطبقات) الشيخ بابكر بدري (الأمثال السودانية) والشيخ عبد الله عبد الرحمن (العربية في السودان)، كذلك مع مؤلفات أساتذتنا الفحول: بروفسير عبد الله الطيب، بروفسير عون الشريف قاسم وشيخ الفولكلوريين الاستاذ الطيب محمد الطيب. المؤلف راجع كل هؤلاء في مصنفيه قاصداً تحقيق المفردة العامية السودانية، والرجوع بها الى أصلها سواء كان فصيحاً أو عامياً سودانياً ?و دخيلاً وما أكثر الدخيل في عاميتنا لظروف تاريخية أو ثقافية عبر التجارة، الهجرات أو استعماراً (تركية وانجليزية). واعتقد ان مراجعاته لمن سبقه ممن ذكرنا أكملت المعلومة حول المفردة بشفافية علمية وقد وردت بتقدير واحترام لأولئك الاعلام تفادى فيها المؤلف تضخيم الذات عند من يتصدون الى أولئك النفر الكريم من رموزنا العلمية والأدبية والثقافية في زمننا هذا. من ملاحظاتي على الكتاب من حيث الاخراج: أن المقدمة لا تسبق الفهرس بأية حال من الاحوال. كذلك يا حبذا لو تم تصنيف متن الكتاب في شكل فصول بضم المتشابه من الموضوعات في فصل واحد، لييسر ذلك امر المراجعة لمن يراجع مسألة ما. اعتقد ان اعتماد المؤلف لأسبقية النشر في الصحيفة كشكل للتنظيم لم يكن موفقاً، لأن تاريخ نشر المادة ليس ضروريا، وإذا كان لابد من ذلك تكفي الإشارة اليه في هوامش كل فصل. كانت أخطاء الطباعة واردة في المناقشة. وأول من شكا منها هو المؤلف نفسه، فقد ذكر في ملخصه عن الكتاب من أجل الندوة «اعترف ان في الكتاب أخطاء تفوق الحصر.. كانت جراء العجلة والطباعة، وليس من خطأ أسوقه فوق خطأ الاسم (اسم الكتاب) الذي تقدم آخره (جذاذات) وتأخر أوله (قذاذات)، وانفتح مضمومه»، وقد ألمح بعض المناقشين لعين الامر. واعتقد أن اعتراف المؤلف محمدة يشكر عليها. فالاعتراف في عمومه وفي زمننا هذا تعيناً، ادخل من لبن العصفور في الاستحالة الا لمن رحم ربك من الاخيار وكم هم قليل. هنالك اخطاء شائعة ومشاهدة بكثرة، منها: همزة القطع، الألف اللينة ياءً (ى ي)، الراء دالاً (ر د)، تاء التأنيث هاءً (ة ه) وغير ذلك، وقلما يسلم منها كتاب إلا تحت المراجعة الدقيقة. لقد حظي الكتاب بزخم رفيع في المناقشة من مبتدري النقاش بوضوح علمي. وآراء تقدر بمقدارها من جانب الحضور. وأخيراً مني للمؤلف كل التقدير، ولي أمل في المزيد من العطاء، والمؤلف أهل لذلك الأمل. مد الله في عمره وباركه.