{ الأستاذ عثمان محمد يوسف كبر والي شمال دارفور.. رجلٌ مضياف تمتلئ داره الرحبة عن آخرها كل يوم من الصباح حتى «أنصاص الليالي» لكن إذا أسعدك الحظ وقضيت ليلتك في داره فلا تشرب الشاي الذي يقدمه لسائر الناس «صاموتي» وانتظر قليلاً حتى يأتي بكفتيرة صغيرة أو ثيرمس به شاي أيضاً لكنه خاص لأن «اللبن فيه مغلي بالحِلبة» مع الشاي يشرب منه «كبر» وحده وربما يسخو ببعضه على بعض المقربين.. وقطعاً هناك سِر لا يبوح به الوالي أمام الضيوف.. ولا أعرف له «بُخلاً» إلا في محتويات هذه «الكفتيرة الصغيرة». وقد جاء في صدر صحيفة «الأهرام» ?ن الوالي تعرّض لغرامة مالية باهظة عندما أقحم نفسه في مجلس البرامكة من غير «إحمْ ولا دستور» ما يعني أنه في نظر قاضي البرامكة مُدان بمخالفة قواعد المجلس لجهله بها.. فهو بالتالي «كمكلي» أي نقيض «الحريف»!! قال الهدّاي: «الكمكلي شيف «شوف» حَالَه من كُترْ الزحيح قدَّ سرواله» وهي إشارة إلى أن غير الحريف الذي لا يعرف آداب المجلس ولا طريقة الجلوس فيظل جالساً على مؤخرته «يَزِح» حتى تتمزق ثيابه من الزحيح. * وبرضوخ «الوالي كبر» لقرار قاضي البرامكة «حسب الصحيفة» وسداده الغرامة يكون قد طبّق القانون على نفسه وهذه إشارة محمودة لتطبيق سائر القوانين والنزول عند حكمها.. ولئن كان مجلس البرامكة قد انعقد وهو مجلس أُنْس فهذا يعني أن دارفور لبست ثوب العافية وأصبح في الأمر متسع يسمح للناس بممارسة حياتهم الطبيعية ويشربون «الشاهي» بمزاج ويستمعون للهدَّاي والحكَّامة بعيداً عن لغة السلاح وتشجيع النهب المسلَّح.. و»النهب المصلَّح».. فالأول يقوم به النَّهابون والثاني يقوم به المفسدون وكلاهم «لصوص».. للمقارنة مع الفارق والخبر ?تعدى «الطُرفة» الى ما هو أعمق.. لأن التقاليد والعادات الدارفورية يقع تأثيرها على كثير من الحوادث التي تبدأ صغيرة ثمّ تكبر حتى تحرق نيرانها القريب والبعيد. ومثلما حكى لنا التاريخ حروب البسوس وداحس والغبراء وغيرهما من الحروب التي أفنت آلاف الأرواح فقد تفانوا ودقّوا بينهم عطر مِنشَم لأسباب واهية.. فان نيران أزمة دارفور بدأت كذلك بسرقة صغيرة حتى اتسع فتقها على الراتق ووصلت المنابر الدولية في زمنٍ قياسي وطالت اتهاماتها حتي بلغت مقام رئيس الجمهورية فكانت إبتلاءً عظيماً.. والآن وقد انكشفت الغُمة وارتفعت الهِمة لتحقيق السلام الذي تواثق عليه أهل المصلحة من دارفور واستجابت الحكومة والحركات الموقعة بقيادة د.تيجاني سيسي وأوفت قطر بما وعدت بل ووعدت بالمزيد ومثلما عمَّرت ?طر بيروت بعد الخراب وأغاثت غزة رغم الحصار وساعدت ثوار ليبيا حتى النصر فإنها ملتزمة بإعادة إعمار دارفور.. وَتَلحّ على خاطري فكرة بسيطة واعتقد انها مفيدة بأن تكون السلطة الاقليمية في دارفور متاحة بالكامل لدماء جديدة.. مثال أن يتقدم ولاة دارفور المنتخبون باستقالاتهم «ثلاثتهم» ليتمكن الرئيس من تسمية خمسة ولاة جدد بالتكليف وبالضرورة بالتنسيق مع رئيس السلطة الإقليمية والذي عليه أن يسمى أعضاء سلطته «من مفوضين وأعضاء مجلس تشريعي» وفق ما نصَّت عليه وثيقة الدوحة، وبذلك نتفادى ما قد يحدث من احتكاكات بين القدامى والقا?مين.. ونتجنب النزاع الذي لابد أن ينشأ جراء انتقاص بعض السلطات من الولاة ومدى تعاونهم مع السلطة الإقليمية وقد اعتادوا على الامتثال للسلطة المركزية «ثمّ انهم طوَّلوا»!! وفي المركز الكثير من العمل العام السياسي والتنفيذي في الحزب والدولة.. فضلاً عن إظهار الولاة المستقيلين بمظهر الحادب الحريص على مصلحة الوطن وتقديمها على مصلحته الشخصية ولنا في الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية الاسوة الحسنة، فقد باع منصبه الرفيع لقرنق قائد الحركة الشعبية في أول جلسة لمفاوضات نيفاشا مهراً للسلام ورضي بما هو?أدنى فلم ينقص ذلك من قدره مثقال حبة من خردل، بل ازداد رفعة وعلواً حتى عادت إليه «الوظيفة منقادة اليه تجرجر أذيالها.. ولم تكُ تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها». وسيذكر الناس للوالي «السلطان» عثمان كبر بأنه كِبِر على المنصب فتخلى عنه ليفسح المجال طواعية عن رضى وقناعة لأسماء جديدة وربما قديمة جديدة.. من أهل دارفور ومن خارج دارفور.. ولنا في تجربة الحاج عطا المنان في جنوب دارفور خير مثال.. ماذا لو أعاد به الرئيس الكرة والياً لشمال دارفور بالتكليف حتى تنقضي المرحلة الانتقالية وتُثبَّت أركان السلام وتتحول الحركات المسلَّحة إلى أحزاب تعتمد التداول السلمي للسلطة وتتنافس ببرامجها خدمة للمواطنين ورتقاً لنسيج دارفور الاجتماعي.. وليشرب بعد ذلك البرامكة الشاهي الذي يبالغون في ?صفه عندما يكون تقيل سكر وشاي فيقولون «شاهي صُمُغلي.. بُزاق الجرادة».. ويصبح كبر حريفاً.. وهذا هو المفروض..