في مقدمة الكتب التاريخية منذ ابن خلدون والرحالة ابن بطوطة نجد ان المدونات التي كتبت عن السودان تحكي عن وجود رجال أشداء وأرض بطحاء ومياه زرقاء ووديان خضراء ذات حياة برية عامرة بشتى أنواع الغابات والحيوان، والانسان في هذه البقاع يعيش حياة البداوة بالزراعة والرعي والذي دلل على وجود الثروات الاخرى فكانت الحملات الاستعمارية المتتالية للاستحواز على الأرض وخيراتها وكانت زراعة الذهب الأبيض لتشغيل مصانع لانكشير بانجلترا وأعقب بعد الشركات الأمريكية لاستخراج الذهب الأسود البترول، في سبعنييات القرن الماضي فصار السود?ن من المنتجين للبترول ودخل نادي الأوبك كمتفرج وليس كلاعب محترف. وأخيراً ظهر التعدين في الذهب الحقيقي الأصفر الرنان ولكن هل استفاد الشعب السوداني من هذه الخيرات ولماذا لم يستفد؟ عرف السودان منذ قديم الزمان بمهد الذهب والرجال وكان الرق الذي كان أنسان أفريقيا أول ضحاياه الذي استعبد بعد تقسيم افريقيا بين الدول الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وايطاليا وأسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأخرى، وكان نصيب السودان الذي وقع بين تركيا ومصر وبريطانيا بقصد البحث عن الذهب والرجال في جبال الانقسنا وبني شنقول المشهورة بوديان وغابات القنا وذهبها المتدفق على وجه الأرض في الخيران وهو تعدين عشوائي تقليدي وتعاقبت الحملات حتى جنوب دارفور في حفرة النحاس والمناجم الأخرى بشرق السودان. وبعد الاستقلال اهتمت الحكومات المتعاقبة بالبحث عن الذهب فكانت أكبر وأٍقدم شركة معروفة للتعدين هي أرياب بمناطق البحر الاحمر ولكننا لم نسمع او نجد ان هذ التعدين أنعش الخزينة الخاوية او رفدها بما يمكن أن يكون رصيداً او غطاءً لعملاتنا المتآكلة. الآن وقد جاء الوقت وانتشر التعدين العشوائي في الجبال والسهول والوديان في الشمال والشرق والغرب مما أدى الى اكتشافات كثيرة وكبيرة استطاعت ان ترفع وتحسن من دخل الافراد الذين حظوا بهذه الاكتشافات والمخرجات فانشغل الناس بالبحث عن الذهب وهجر او ترك الجميع العمل في الحقول والمزارع والبناء والتشييد والرعي والاعمال الأخرى وشدوا الرحال الى مناطق التعدين في الشمالية والقضارف وكردفان حتى أهلنا (الحلب والحدادين) ارتحلوا الى هناك لعمل المحافر والطوارئ والكواريق وآلات الحفر الاخرى بحثا عن الرزق الحلال.. والمحظوظ منهم كما?يحكي المغامرون من يجد منهم حجراً من الذهب من حجار طهي الطعام التي توضع عليها القدور فوق النار سرعان ما يكتشف الذهب فيهرب ويعود إلى أهله بتلك الحجارة الثمينة ويصبح مليونيراً كما يحكي من الروايات. الآن وقد اصبح للتعدين وزارة خاصة لتنظيمه بإصدار اللوائح لتعدين الذهب والمعادن الاخرى والعمل على مراجعة القوانين والشركات العاملة لفرض رقاية قوية من قبل وزارتي المالية والتعدين للحفاظ على حقوق الوطن وحمايتها من التهريب والضياع، حيث أوضح السيد وزير المعادن لجريدة الصحافة 2011/8/14م ان مقدار 70 طناً من الانتاج التقليدي من الذهب ثم تهريبه للخارج وهي كميات كبيرة كفيلة بتعديل كفة الميزان التجاري لصالح الدولة بفضل ما تحققه من توفير للعملات الصعبة بما لديها من الذهب. كما أوضح الوزير أن كميات الزئبق المستورد ارتفعت من الكيلوات الى الأطنان بغرض التعدين التقليدي الذي كشف عن وجود كميات كبيرة من المعادن في كردفان ودارفور لم يكن للحكومة علم بها، كما أشار الى وجود كميات كبيرة من الفوسفات بالاضافة الى حوالى 90 مليون طن من البوتاسيوم شمال الخرطوم حيث وصف الوزير موارد السودان من المعادن بأنها حديق? خلفية للعالم، وهذا ما جعل دول الاستكبار والاستعمار صاحبة الامكانات المادية والقدرات العلمية تريد ان تكتشف هذه الخيرات الكثيرة التي من تحتنا وحولنا وهي تسعى لاضعافنا وتفريقنا حتى تستفيد من استغلالها واستخراجها لصالحها ولرفاهية شعوبها ونحن في صراعاتنا وخلافاتنا التي ليست لها نهاية، احقاد شخصية وأفعال كيدية لإقصاء الآخر بقصد التهميش والوطن يتآكل من الاطراف ويحترق من الوسط، والسودان موعود وموصوف بأن يصبح سلة لغذاء العالم لوجود هذه الخيرات والثروات المتنوعة فيه. ان الذهب الموجود بتلال البحر الأحمر لم يجد أهله ?لذين يعيشون حوله نصيبهم في التنمية وها هو ابن المنطقة احمد موسى عمر موسى بجريدة الصحافة 2011/9/9م يكتب عن ذهب مناجم البحر الاحمر ويقول نعم عفا الله عما سلف ولكن نطالب بطريق من بورتسودان الى قلب الأوليب في وادي هور اكراماً لأهل الأوليب، وهم يطالبون بأخذ حقوقهم من النحاس وان تكون لهم نسبة 2% من الانتاج بمثل ما تم في اتفاق نيفاشا لتنمية المنطقة حتى يلحقوا بالتنمية. وأما موضوع البترول وبعد ان كنا نحلم بتصدير مليون برميل يومياً وهو لم يتعدّ خمسمائة ألف برميل حتى عاد واختفى جنوباً مع دولة الجنوبالجديدة، وعادت الحكومة تبحث عن استخراجه من الصفر حيث طالعتنا «الاهرام اليوم» الأربعاء 2011/10/19م بأن السودان سوف يصل الى انتاج ثلاثمائة وأربعين ألف برميل بعد ست سنوات قادمة، وهي مجرد أمانٍٍ واحلام ليتم الصرف فيها كما تم سابقاً ولم ينعم المواطن الفقير بخيراته. وبقي علينا أن يعود وعينا ورشدنا وان نعود الى الزراعة وان نبحث عن طريقة عودتنا الى الأسواق التي افتقدناها وكان السودان الرائد الأول في الانتاج الى أسواق القطن والحبوب الزيتية من السمسم والفول وزهرة الشمس ومحاصيل الأغذية الذرة بأنواعها، والصمغ العربي والكركدي والى المحاصيل التي تم تصدير الجينات الوراثية منها حتى انتجت في الخارج وصارت تنافس منتجاتنا الوطنية. ان الذين دمروا الزراعة وصاروا يبحثون عن التقدم والرخاء في غيرها لابد من محاسبتهم لأن السودان بعد ان كان غنياً صار من اكثر الدول فقرا وحاجة وهو يعيش في أرض كلها خيرات. ان الذين دمروا مشروع الجزيرة ودمروا بنياته الاساسية من ميكنة زراعية وسكك حديدية ومصانع ومحالج والادارة الهندسية والري لابد من محاسبتهم مع رئيس وأعضاء اتحاد المزارعين الذين استمرأوا السلطة وحب المال وباعوا ضمائرهم ببيع ممتلكات المشروع وتحويله الى أراض مطرية، كما يدعي ويقول رئيس مجلس ادارة المشروع ولجانه الفنية التي لا تملك الخبرة والعلم لادارة مثل هذا المشروع العملاق الذي يعد أكبر وحدة انتاجية في العالم يدار بطريقة ممتازة في الري والزراعة والاشراف والذي استقر بفعل تعاقب الاجيال الذين ورثوا هذا العمل من المس?عمر فازدادت رقعة المشروع بإضافات المناقل والمساحات الاخرى. وسيظل السودان بلدا زراعيا، أعيدوا اليه الزراعة بكل قوة وأوقفوا القطع الجائر للغابات لايقاف التصحر وتغيرات المناخ ولتكن خطوات النهضة الزراعية حول اعادة الحياة الى مشروع الجزيرة والمشاريع الاخرى التي أهملت بتوجيه الاستثمارات لصالح المزارعين والملاك لزيادة الانتاج وتنويعه حتى يعود السودان الى سابق عهده بين الدول المنتجة بالزراعة، ولن يتم ذلك الا بتناسي الحقد والحسد المحمول ضد أهل الجزيرة، جزيرة الخير والبركة.