اختارت الخرطوم أخيراً دعم مبادرة الجامعة العربية ازاء سوريا وتأييد مطالب الاصلاح، وهي اذ تفعل ذلك فانها تكون قد غيرت موقفها الابتدائي الذي أعلنته عند اندلاع الاحتجاجات في سوريا حيث أظهرت وقتها دعماً واضحاً لنظام الرئيس بشار الأسد، رافضةً أي تدخل خارجي في ما رأته شأناً سورياً داخلياً، ولا سيما أن دمشق تعدّ في رأي الحكومة السودانية « سداً منيعاً يقف في وجه اسرائيل والاحتواء الغربي» . ووصفت الحكومة وقتها ما يدور من احداث بأنها مؤامرة دولية، وأن ما يتعرض له النظام السوري حملة عدائية للنيل من مواقفه الوطنية وا?قومية المشرفة. الاّ انه ومع مرور الوقت سرعان ما تبدلت المواقف وأصبحت تسير في خط داعم للشعب السوري وحقه في التغيير والاصلاح. وبدا أن الحكومة السودانية قد أعادت ترتيب أوراقها في ما يخص الاحداث التي تجري في سوريا وفق منظور استراتيجي، ولا سيما بعدما قادت دولة قطر، حليفها الأبرز في المنطقة العربية، جهوداً مكوكية داخل أروقة الجامعة العربية لتخرج الأسبوع الماضي بالمبادرة العربية بعد موافقة جميع الدول الأعضاء عليها بما فيها السودان. كما بدا لافتاً الحضور القوي للخرطوم في دهاليز الجامعة العربية حيث تقود وأربع دول أخرى زمام المب?درة العربية الخاصة بسوريا. فقد ظل السودان حريصاً على الاجماع العربي في جميع الاجتماعات التي دعت اليها الجامعة لمناقشة الوضع في سوريا، وحريصاً في ذات الوقت على بسط رؤيته لمجريات الأحداث في سوريا على مائدة وزراء الخارجية العرب. وحسب مصدر حكومي مسؤول، فان الدول العربية نزلت عند موقف السودان الداعي الى اعطاء النظام السوري فرصة للحوار السياسي السلمي خاصة مع اقرار الاخير باستعداده اجراء حوارات مع القوى المعارضة، وذلك لمنع اراقة المزيد من الدماء. وأوضح المصدر ل» الصحافة « أن وزراء الخارجية، ربما يأخذون خطوة ?تعجلة بارسال مراقبين يتم تشكيلهم من الدول العربية الى سوريا قبل اكمال الأسبوعين، الأجل الزمني المحدد لتنفيذ المبادرة، للاطلاع عن كثب على مجريات الأحداث. في المقابل، يستبعد المصدر مصادقة مجلس الأمن على أي تدخل خارجي في سوريا مع وجود الفيتو المشترك - الروسي الصيني، الذي يدعم الحل السياسي ويأتي متوافقاً مع موقف الجامعة العربية. وأضاف « التدخل الخارجي غير وارد اذ ان النظام السوري غير منهار والمعارضه غير مسلحة « . وفيما يذهب محللون الى أن مواقف القيادة السودانية من الأحداث العربية تحكمها رغبة لدى الخرطوم في أن تنتزع لها مكاناً في اعادة رسم وتخطيط السياسة الاقليمية للدول، سواء كان في محيطها العربي أو الافريقي، يشرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، العبيد أحمد مروح، موقف السودان من القضية السورية، مشيراً في حديث مع « الصحافة « الى أنه « جاء بناءً على تقديرات مبدئية تستند الى ركيزتين، الأولى هي الحاجة الى الانفتاح السياسي والاصلاح الشامل في العالم العربي بما يمكن الشعوب العربية من المشاركة في صناعة حاضرها ومستقبل?ا السياسيين، والثانية أن يكون هذا الانفتاح والاصلاح بارادة وطنية خالصة وفق تقديرات زمنية متفق عليها بين تيارات الأمة وقواها الحية حتى تتجنب الشعوب العربية الوقوع في براثن مخططات الاعداء والانزلاق الى حالة الفوضى» . أما المحلل السياسي الطيب زين العابدين، فأوضح ل» الصحافة» أن « موقف السودان تجاه الثورة السورية هو جزء من موقفه الثابت تجاه كل الثورات التي اندلعت في المنطقة العربية، وهو الوقوف ضد الثورات ورفضها وعدم تأييدها» . وهذا الموقف في رأي زين العابدين « مُبرّر، فالنظام في السودان يشبه تماماً تلك الانظمة العربية التي ثارت ضدها شعوبها، وهو بالتالي لا يريد أن يتخذ موقفاً ضد نفسه، لكن في معظم الاحيان يتجنب النظام الاعلان بوضوح عن موقفه ذاك، وما حدث أثناء الثورة المصرية اوضح دليل على ذلك، فمنذ اندلاعها وحتى نجاحها في?اطاحة نظام مبارك، لم يشر التلفزيون السوداني الرسمي الى الامر من بعيد أو قريب» . ويذهب في تفسيره لتبدل موقف الحكومة تجاه الثورة السورية الى القول انه لا يخلو من محاولة للحاق بركب المؤيدين للثورة. وأضاف « مثلما كانت القيادة السودانية أول من يزور مصر وليبيا بعد نجاح ثورتيهما، فان الرئيس سيسارع الى زيارة سوريا فور سقوط نظام الاسد، وذلك ايضاً لكسب النظام الجديد الى جانبه» . ومن هذا المنطلق، يستبعد مراقبون محليون بروز دور منفرد للسودان في الملف السوري على غرار دوره في ليبيا، ولا سيما أن الدول العربية تريد رؤية مشتركة لحل الأزمة السورية على عكس ما حدث مع ليبيا التي نشطت دولتا قطر والسودان في دعم ثوارها الى جانب التنسيق عالي المستوى الذي تم بين الدوحةوالخرطوم وكان من ثمراته اطاحة نظام العقيد الليبي معمر القذافي وذلك بتقديم كل أنواع الدعم والمساندة للثوار الليبيين بما في ذلك تقديم السلاح، باعتراف الرئيس عمر البشير نفسه برفد بلاده بالسلاح للمقاتلين الليبيين. الا أن مصادر حكومية ?كانت حريصة على التأكيد ل» الصحافة « أنه من غير الوارد تقديم السودان أي دعم مسلح لمعارضي النظام السوري. وأكدت ذات المصادر أن « سوريا تظل دولة ممانعة، وأن مواقف النظام السوري كانت على الدوام مناصرة للمواقف القومية السودانية». وقالت « على الرغم من اختلاف الايديولوجيات بين السودان وسوريا فان الدولتين ظلتا على توافق تام في كافة القضايا» . ومن المنتظر ان يتخذ وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في مقر الجامعة العربية موقفا واضحا ازاء عدم التزام نظام الأسد بما ورد في المبادرة العربية ، في الوقت الذي رشحت فيه أنباء عن وجود خلافات بين الدول العربية بشأن تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية حيث تحفظت بعض الدول خشية أن تؤدي الخطوة الى تدخل خارجي في الشأن السوري ، فيما حذرت المعارضة السورية التي شارك ممثلوها في مشاورات تمهيدية للقاء وزراء الخارجية من اعطاء النظام السوري مهلة أخرى للوفاء بالتزاماته ، وكان النظام السوري استبق الاجتماع بابداء استعداده ?ادخال مراقبين عرب الى اراضية نتيجة الضغوط المفروضة عليه من قبل المجتمع الدولي، من جانبها أبدت واشنطن اهتماما واضحا بمخرجات اجتماع وزراء الخارجية العرب ، وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فيلتمان ان واشنطن تتوقع من الجامعة العربية اتخاذ تدابير واضحة للتعبير عن ادانتها للنظام السوري، فيما جددت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون دعوة واشنطن للرئيس السوري بالتنحي عن الحكم .