المروّح: لو استمع الاسد لِنُصحِنا، لما أٌضطر لقبول الاصلاح مجبراً جادين: موقف السودان انتهازي وليس مبدئياً.. وهو يصوّت ضد نفسه الخرطوم: جمال ادريس منذ أن اتخذت الحكومة السودانية موقفها المؤيّد للغزو العراقي للكويت في اغسطس من العام 1990، وما تلى ذلك من عواقب "وخيمة"، كان ادناها تشريد وإبعاد اعداد كبيرة من السودانيين العاملين بالدولة النفطية الغنية، بينما كان افدحها العزلة الاقليمية والدولية التي ادخلت فيها الدولة الوليدة نفسها، ولم يمر على عمرها عام واحد فقط؛ منذ ذلك التاريخ اتسمت مواقف السودان تجاه القضايا العربية الكبيرة،بالحذر، والتردّد، والتخبط احياناً، إذ كانت غالباً ما تأتي متأخرة، وبرغم ذلك لم تكن تسلم من الانتقاد المتواصل لها بانها تختار دوماً الموقف الخطأ، في الوقت الخطأ. في هذا العام، وبدايةً من اواخر العام الماضي، دخل عاملٌ جديد في السياسة الخارجية، وتحديداً في المحيط العربي، ليزيد من "ورطة" الحكومة في التعاطي مع المستجدات الخارجية؛ ألا وهو (ثورات الربيع العربي)، التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية، ونجحت في تغيير بعض الأنظمة، بينما لا تزال انظمة اخرى في الطريق. فقد درجت الحكومة على تقديم رِجلِ، وتأخير أخرى، في ادانة وشجب قمع الحكومات العربية لشعوبها الثائرة، ثم لا تلبث أن تعود وتسارع بتهنئة الثوار على نجاح ثوراتهم، بل والمبادرة بدعمها والوقوف إلى جانبها، حدث هذا مع الثورة المصرية والليبية، وكان الأمر يسير على ذات المنوال مع الحالة السورية ايضاً. فقد وصف الرئيس عمر البشير ما يحدث في سوريا بأنه"مؤامرة خارجية، بسبب موقفها الثابت من القضايا العربية"، مؤكداً لدى تسلمه رسالة من الأسد في اكتوبر الماضي، بأن أي إضعاف لسوريا ما هو إلا "خدمة مجانية لأعداء الأمة العربية". إذاً فموقف السودان مما يجري في سوريا كان واضحاً، وداعماً لنظام الأسد منذ البداية، فما الذي حدث الآن وجعله يتغيّر، بل ويكون عضواً فاعلاً في اللجنة الوزارية بالجامعة العربية، المكلّفة بالاتصال بالحكومة السورية وادارة حوار مع المعارضة، ثم تصويته امس الأول على القرارات التاريخية للجامعة بتعليق عضويتها، ودعوة اعضائها بسحب سفرائهم من دمشق، ابتداءاً من بعد غد الاربعاء، إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها وتوفير الحماية للمدنيين، بموجب مبادرة الجامعة العربية. موقف السودان من سوريا جعل حواجب الدهشة تعلو الاعين العربية والاقليمية والمراقبين جميعهم، لكن وقع الدهشة كانت ابلغ عند مندوب سوريا في الجامعة العربية، والذي لم يتمالك نفسه، فخرجت من الفاظ وصفت ب"النابية"، تخطت السودان إلى كل من قطر والسعودية، غير ان وزير الخارجية على كرتي قلل لدى عودته مساء امس من القاهرة، من اثر تلك الثورة "المضرية" لمندوب سوريا تجاه السودان، مبرراً لها بأنها جاءت نتيجة للصدمة التي تلقاها جرّاء القرار، مؤكداً بأن القرار ليس المقصود به القطيعة مع سوريا، ولا يضعها في خانة المقاطعة، مشدّداً على ان الحكومة السورية، ستظل صديقة بالنسبة للسودان. إذاً فموقف السودان الذي ادهش المندوب السوري، وجعله يخرج عن طوره ويكيل "السباب" للسودان، والامتنان عليه بالمواقف السابقة لحكومة بلاده معه، يجعل من السؤال عن الاسباب التي استند عليها السودان في تأييده لقرارات الجامعة العربية منطقياً، خاصةً أن النظام السوري كان قريباً جداً للنظام السوداني، حتى أن التصنيف الامريكي لما يعرف ب "محور الشر"، يضمهما معاً، إلى جانب ايران وكوريا. فما هي ابتداءاً الاسباب التي استند عليها السودان في اتخاذه لهذا الموقف؟ يجيب المتحدث الرسمي بإسم الخارجية العبيد المروّح، بأن هناك منطلقان اساسيان استند عليهما الموقف السوداني؛ اولهما الحاجة إلى انفتاح واصلاح سياسي شامل في العالم العربي، يكون جوهر مقصده هو تمكين الشعوب العربية من المشاركة في صناعة حاضرها ومستقبلها السياسي، واداته هي الانفتاح والاصلاح بإرادة وطنية، وفق تقديرات زمنية متفق عليها بين تيارات الامة، وقواها الحية، ويُقرأ هذا الموقف بحسب المروّح، مع موقف متصل به، وهو انه كلما كانت اداة التغيير سلمية؛ أمكن توفير جهد وطاقة الامة للبناء. كما يرتبط ايضاً بموقف مبدئي آخر، هو تجنّب التدخل الاجنبي في شؤون الدول العربية والاسلامية. ويمضي المروّح في شرح السبب الثاني الذي استند عليه موقف السودان، ويقول إن سوريا دولة مواجهة عربية، ظلت تحتضن المقاومة الفلسطينية بتياراتها المختلفة؛ الاسلامية والقومية، لذا فهي تُعتبر هدفٌ لاسرائيل وامريكا، لذلك - يقول المروّح - كنا وما زلنا اكثر حرصاً على ألا يُسمح للأجنبي، خاصة اسرائيل بالتدخل في الامن السوري وتدمير مقدرات البلاد. ويشير المروّح إلى ان السودان كان اول دولة تتصل بالقيادة السورية، مضيفاً، "أبلغناهم بضرورة ان تقود سوريا بنفسها مسيرة الاصلاح السياسي، ونقلنا لهم تجربتنا في هذا المجال، وفي كل ما يتعلّق بالتحول السياسي". ويؤكّد المروّح في حديثه ل (الاحداث) امس، بأن السودان نجح لحد كبير في ان يكون جزءاً كبيراً من تناسق ووحدة الموقف العربي تجاه ما يحدث في سوريا، ويضيف، "كنا حريصين على الاجماع العربي، وأن اي قرار يصدر من الجامعة يجب ان يكون متفقاً عليه، حتى لا نتخذ مواقف منفردة". وشدّد المروّح على ان الموقف العربي ضد التدخل الاجنبي في سوريا، لكنه قال إن الكرة الآن في ملعب القيادة السورية التي تمسك بزمام الامور، لافتاً إلى ان التغيير الذي سيحدث في سوريا، ستكون له عواقبه الواضحة على النظام السوري، بخلاف ما كان سيكون عليه الحال، لو استجابت القيادة السورية لمناصحتنا لها بضرورة اجراء اصلاحات، وتحول سلمي للسلطة، إذ كان يمكن ان تكون حينئذٍ جزءاً من النظام الجديد. وفي تحليل مغاير لموقف السودان الاخير تجاه سوريا، يرى الكاتب والقيادي بحزب البعث السوداني، محمد علي جادين، بأن موقف السودان وتخلّيه عن دعم النظام السوري؛ تغيّر لأن مبادرة الجامعة العربية جاءت في الاساس من قطر والسعودية ودول الخليج، وهذه الدول جميعها، وتحديداً قطر؛ له معها علاقات قوية، لما لها من دور كبير في دعم وتمويل قضايا السودان المختلفة، خاصة في دارفور. ويذكر جادين سبباً آخر لتبرير موقف السودان، وهو الاجماع العربي، والضغوط الدولية، وادانة ما يجري في سوريا، والعزلة التي يعيشها النظام السوري، كل ذلك جعل الحكومة السودانية تشعر بأنها لا بُدّ ان تلحق بهذا الاجماع قبل فوات الاوان، وتقوم بتأييد قرار الجامعة. لكن جادين يعود ليؤكّد بأن هذا الموقف من قِبل السودان، ليس تأييداً للتغيير والتحول الديمقراطي في سوريا او في المنطقة كلها، لأن النظام السوداني نفسه يعاني من نفس مشاكل تلك الانظمة الشمولية والاقصائية، سواء كانت في سوريا، او في مصر، او في ليبيا، ولا يختلف عنها في شيئ، وعلاقته بتلك الانظمة كانت علاقة قوية وحميمة، خرصة بسوريا، لذا فإن تبدل موقفه تجاهها، هو موقفٌ انتهازيٌ، وليس مبدئي. ويشبّه جادين في حديثه امس ل (الاحداث) وقوف السودان بجانب الانتفاضة السورية ضد نظام الاسد، كأنما هو يقف بذلك ضد نفسه، لأن النظامان متشابهان، والذي حدث لنظام الاسد، يمكن ان يحدث للنظام السوداني. وثمّن جادين قرارات الجامعة تجاه سوريا، ووصفها بالايجابية والمتوازنة، مشيراً إلى انها المرة الاولى التي يحدث فيها اجماع كامل في الجامعة العربية، واعتبر ان القرارات منحت الاسد فرصة كبيرة لتدارك الامر، وإذا كان هناك عقلاء داخل النظام، ينبغي ان يقدموا تنازلات للمعارضة وللشعب، حتى يحدث تغيير حقيقي، يمكن ان يكون حزب البعث جزءاً منه، بدلاً من ان يأتي تغيير يكون خارجه. jamal koora8 [[email protected]]