احكم الفقر قبضته على اهل الجزيرة ولم يعد الواقع الاقتصادي لاهل المنطقة إلى سيرته الأولى، فالارض المعطاءة باتت بورا، فانخفضت المداخيل بصورة صارخة تحكي عن حجم التجفيف الذي صارت اليه اراضي المشروع الذي كان قد ألحق بعجائب الدنيا، وكان وجهة الوفود التي تأتيه من سائر ارجاء المعمورة التي كانت تعمل دولها جاهدة لنقل التجربة الانسانية المثلى في شأن الري الانسيابي والقنوات التي كانت تمد النبات بكل انواعه بإكسير الحياة. كان العيد علامة بارزة في قرى مشروع الجزيرة.. فالملابس الملونة التي يرتديها الاطفال تدل على مستوى العيش الكريم، وكانت المناسبات الاجتماعية دليلا دامغا على عطاء الارض والانسان معا، غير ان الواقع الماثل يقف دليلا دامغا على تجريم كل الذين عبثوا واجرموا في حق الانسان والارض معا، وابرز الجهات هي الحكومة بسياساتها العرجاء وكأني بها تهدف الى تجفيف هذا المشروع لاشياء في نفس القائمين على تلك السياسات، واولئك الذين ينفذونها على الارض ولا يدرون الى اين يمضي بها القابعون بعيداً وهم يصفقون للقائمين على وأد المشروع. ومن ابرز العلامات الدالة على خنق المشروع وتراجع الواقع الاقتصادي لإنسان الجزيرة، ما وقفت عليه «الصحافة» من تراجع اعداد المواطنين الذين ظلوا لعقود من الزمان يقومون باحياء سنة ذبح الأضحية على مستوى المنطقة المروية بالجزيرة. ففي منطقة «24» القرشي التي تعتبر من اكثر المناطق كثافة بالعمال والمزارعين، كانت الصورة قاتمة، يقول صديق بشير عباس إن عدد الذين ظلوا يحيون سنة الذبيح في الأضحية ومقارنة بصدر التسعينيات تراجع بنسبة تقارب «80%»، ويرى صديق أن السبب هو تراجع مداخيل المواطنين جراء التدهور المريع في عائدات الزراعة، اضافة الى ان نسبة كبيرة من العمال فقدوا وظائفهم وباتوا غير قادرين على الايفاء بمتطلبات اسرهم من مأكل وملبس. ويرى صديق أن الصورة باتت سيئة جداً، فالمزارعون باتوا مطاردين من البنوك والجهات المدينة. وفي قرية ام دغينات بقسم المكاشفي، تراجع عدد المواطنين الذين يقومون بسنة الذبيح في عيد الأضحى. ويقول التيجاني فضل المولي الامام «مزارع» ان عدد المواطنين الذين يقومون باحياء سنة الذبيح قد تراجع على مستوى القرية والقرى المجاورة الى اكثر من النصف، ويرى فضل المولى أن سبب تراجع المواطنين هو عدم القدرة، خاصة ان تكاليف الخروف ومتطلباته تفوق المليون جنيه، وذلك مبلغ يفوق طاقة اي مزارع يعتمد على عائد الزراعة. ويضيف فضل المولي إن الذين انعم الله عليهم بالهدي اعتمدوا على موارد اخرى غير الزراعة مثل الابناء المغتربين. أحمد جعفر عمر من قرية ود ديومة بالقسم الجنوبي، قال إن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لإنسان المشروع بات دليلاً دامغاً على فشل السياسات التي تنتهجها الحكومة تجاه مشروع الجزيرة، فقد اضرت بمواطن المنطقة وافقرته تماماً، وبالنسبة لسنة الذبيح فما كان للاهالي بقرى الحوش من سبيل لإحياء تلك السنة والحصول عليها، لولا الأبناء الذين هجروا المنطقة الى داخل وخارج السودان. واشار جعفر الى ان كل الذين حصلوا على الاضاحي على مستوى القرية حصلوا عليها بفضل ابنائهم المغتربين، ويشير احمد الى ان التدهور الذي طال المشروع امتد الى الص?اعات التحويلية القائمة على منتجات المشروع من محالج وغزل ونسيج وصناعات زيوت، وكلها كانت تعتمد في عمالتها على ابناء القرى. في منطقة اللعوتة يرى الاستاذ احمد المصطفى ابراهيم الكاتب الصحافي المعروف، أن القرية حافظت على نسبة الذبيح رغم تدهور عائدات الزراعة، وذلك بفضل وجود مصادر دخل اخرى، إذ توجد بالقرية اكثر من «50» حافلة، وعدد معتبر من المغتربين الذين ساعدوا أهاليهم في سد الفجوة التي أحدثها تدهور مشروع الجزيرة.