تقع منطقة أبو فاطمة جغرافياً في أقصى جنوب منطقة الشلال الثالث بالولاية الشمالية، والتي تمتد حوالى أربعين كيلومتراً بين كجبار شمالاً وأبو فاطمة جنوباً وتتبع إدارياً لمعتمدية المحس. وتاريخياً ظلت هذه المنطقة الشلال الثالث جزءاً من مملكة نوباتيا المسيحية، ثم بعد ذلك صارت تابعة لمحافظة المريس، ذلك بعد الوحدة التي تمت بين نوباتيا والمقرة في وقت ما بين عامي 580 652م، وتعتبر المنطقة واحدة من اغنى مناطق السودان وأكثرها كثافة وتنوعاً من حيث المعطيات البيئية، والأدلة الثقافية والتاريخية، خاصة في فترة العصر الوسيط تبعاً لموقعها المتميز بين إقليم النوبة السفلي وسهل دنقلا. جبل ابو فاطمة: يقع على تل صخري تبلغ مساحته حوالى «45 *160 متراً» شمال قرية ابو فاطمة الحالية، ويتكون الموقع من بيت محصن(Castle house) تعلوه قبة، كما توجد أساسات لجدران حجرية شمال جنوب الموقع تغطي معظم الجزء المرتفع من التل الصخري، والي الشمال من الموقع يوجد بناء آخر من الطوب اللبن. وصف الموقع: نسبة لكبر الموقع وتعقيده فقد تم تقسيمه الى ثلاث وحدات، الأولى وهي الرئيسية تتكون من البيت الحصن والقبة من الأعلى، والثانية تقع الى الشمال من الوحدة الأولى وربما تكون ملاصقة له عن طريق حائط ممتد، ثم الوحدة الثالثة وهي السور. 1/ الوحدة الاولى «الرئيسية»: تتكون من مستويين أساسيين، الأسفل وهو عبارة عن بناء مستطيل من الطوب اللبن والحجارة والطين، مساحته 9 11 متراً» وبهذه الوحدة السفلية عدد من الغرف معظمها غير واضحة المعالم لتهدمها ولقيام القبة من الأعلى، ويظهر على هذه الوحدة نظام السقف (vaulted)، خاصة على الجانب الشرقي الذي تداعى الجزء الاعلى منه. وهنالك مدخل في الاتجاه الشمالي لهذه الغرفة مساحته «503040سم» وآخر يفتح في أسفل المبنى «الغرفة الشرقية التي يبلغ مساحتها «240 100سم» والذي تم الكشف عنه من خلال التنقيب. أما الجزء الاعلى وهو القبة، وهي مخروطية الشكل وبنيت من الطوب الأحمر والطوب اللبن مع استخدام الحجر الرملي في النوافذ أو الفتحات الصغيرة، ولهذه القبة مدخل يقع في اتجاه الجنوب يبلغ ارتفاعه حوالى 125سم، ونجد أن البناء الاسفل المقبب قد ساعد ومثل دعامة حقيقية لبناء القبة من الناحية الشرقية. ويوجد داخل هذه القبة ضريحان يتجهان من الشمال الى الجنوب وقد بنيت أطرافهما من الطوب اللبن المغطي بالطين، كما نجد طلاءً داخل القبة بالجير الأبيض الذي لاتزال بعض آثاره موجودة بالرغم من أنها قد تكون حديثة نسبياً. وقد تعرضت الق?ة لدمار شديد في جميع أجزائها سواء بالتعرية الطبيعية والكيميائية أو بسبب أخذ الطوب والحجارة من جدرانها. وهنالك بقايا سور في النصف الجنوبي لكل من هذين المركبين، ونجد أن هذا التسوير غير منظم وعشوائي، حيث يتكون من رصات من الحجارة الخشنة إحداها عريضة والأخرى ضيقة مشكلة خطوطاً مستقيمة بصورة عامة، ويمتد أساس هذا السور من شرقي المبنى الأسفل ثم ناحية الجنوب حتى يلتقي بالجزء الغربي من المبنى. فلكلور موقع جبل أبو فاطمة: من خلال المسح التراثي الذي تم بالمنطقة، تبين أن هذا الموقع «أبوفاطمة» كان عبارة عن مزار لأهالي المنطقة عموماً، حيث يقومون بالطواف حوله سبع مرات في مواسم الأعياد «مثل الكعبة الشريفة»، ويذبحون الذبائح والنذور اعتقاداً بقدسية هذا المكان ووجود ضريح الشيخ به. كما يقال إن تسمية الموقع «أبو فاطمة» كان كناية للشيخ، حيث كانت له بنت تسمى فاطمة، وهي «كنية الرسول «ص». خاتمة: من خلال العمل الذي تم في الموقع كشفت نتائج الأعمال عن أن الموقع كان يتمتع بتاريخ طويل ومتنوع «فرعوني، مسيحي، إسلامي» يعكس مظاهر الاستمرارية التاريخية والحضارية. لكن هنالك اختلاف في الآراء حول القبة، حيث يرى البعض أن القبة كانت عبارة عن شاهد لمقبرة كبيرة للأطفال فوق سطح الجبل، تتراوح أعمارهم بين الرضاعة وسن 13عاماً، ويدللون على ذلك بوجود مثل هذا النوع في مناطق الدامر في ولاية نهر النيل. أما الرأي الآخر فيرى أن هذه القبة تعود الى قبل انتهاء الفترة المسيحية أي قبل انتهاء مملكة المقرة المسيحية، وربما تكون القبة مرتبطة بالزحف الإسلامي المكثف الذي بدأه المماليك في القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين لإسقاط مملكة دنقلا وإكمال نشر الإسلام فيها. ويتفق كاتب الورقة مع هذا الرأي اعتماداً على وجود موقعين مشابهين في منطقتي سروج وقرية عبد الرازق في دنقلا، وأشارت إليهما بعض الدراسات الأولية التي تمت في المنطقة، حيث أرجعت هذه القباب إلى الفترة الإسلامية المبكرة. وحتى يتم التأكد من ذلك لا بد من إجراء?دراسات آثارية وتراثية مكثفة بالموقع، بالإضافة إلى فك الطلاسم التي وجدت بالموقع التي عن طريقها يتم الكشف عن هوية الموقع والقبة. أستاذ مساعد قسم الآثار جامعة الخرطوم.