٭ الولاية التي تمتد رمالها في مساحات كبيرة تبحث عن نقطة ماء تتجاوز بها وعورة الطرق المؤدية لمستقبل مشرق يتم صنعه عبر الانتخابات التي يأمل الجميع ان تكون موازية للشعار الذي رفعته المفوضية (من أجل انتخابات حرة ونزيهة) وبعيداً عن العنف، وهو شعار يتداخل مع الشعار الذي يخرج من بين عيون النساء والرجال وتفضحه ابتسامات الاطفال المنتظرة لغد يأتي يحمل الخير ما بين طياته، وعلى هذا الاساس بدت المعادلة (وعود من المرشحين) الذين شكلوا معظم الاحزاب السياسية ولم يغيب المستقلون كذلك عن هذا السباق في سبيل الوصول نحو كراسي الحكم ما بعد ابريل وعملية التصويت والاقتراع يقابل المعادلة في طرفها الآخر للاحتياجات الحقيقية للمواطنين والذين اصبحوا ما بين ليلة وضحاها هم أمل الاحزاب السياسية بإعتبارهم الطريق نحو برلمان ما بعد نيفاشا. حالة التعقيد التي تشهدها العملية الانتخابية الحالية في كل مراحلها بدت واضحة للعيان في كردفان من خلال انخفاض عملية الوعي بالخطوات الرئيسية واعداد البطاقات التي يجب التصويت عليها وأماكن مراكز الاقتراع التي لم تحسم بعد، كل هذه الامور ألقت بظلالها على الواقع الانتخابي في الولاية وان كانت الصورة العامة للحراك تعبر عن حالة اهتمام قصوى بالموضوع والذي بدا بارزاً على كافة المناحي خصوصاً داخل المدن الكبيرة حيث ملأت صور المرشحين الطرقات وخلفيات العربات وأبواب المتاجر، وفي الأمسيات ترتفع مكبرات الصوت مبشرة الناخبين بالفرح الآتي من خلال الدعوة للتغيير لدى آخرين ومواصلة مشاريع النهضة لدى طرف آخر. ٭ الصحافة في خطواتها هنالك بدأ من الواضح ان هنالك حالة من الاهتمام بالعملية الانتخابية والمشاركة فيها من قبل المواطنين من أجل إصلاح الحال، أو بمعنى آخر ان الناس يرفعون شعار (الاصوات في مقابل الخدمات) دون ان يعني ذلك غياب العوامل الاخرى المؤثرة على العملية مثل الجوانب القبلية والجهوية التي تحرك عملية التصويت وتحدد مسارات العملية، والاختيارات ولم يغب دور الاحزاب في عملية التوعية بأهمية المشاركة وان لم يكن شكل الخطاب مغايراً فهو خطاب قائم على تبادل الاتهامات ونفي الآخر بالرغم من موجهات المفوضية التي تحرم ذلك ولكن لا حياة لمن تنادي مما ادى بدوره لضعف الوعي بالجوانب الاخرى في العملية فكل الاحزاب تأتي وتبشر ببرامجها في سبيل السعي للحصول على الصوت دون ان توضح عملية وضع الاصوات في مكانها الصحيح وهى عملية التوعية والتثقيف الانتخابي، والتي تظل من الاهمية بمكان في عملية النجاح في مسألة ممارسة الحق في التصويت بإعتباره حقاً ضمته المواطنة والإنتماء مما جعل المفوضية تحاول القيام بهذا الدور من خلال الاتيام التي تجوب المدن والارياف من الجمعيات الوطنية لانجاز هذا الدور. ورصدت الصحافة احدى حلقات التثقيف الانتخابي في قرية (شريم ميما) ريفي بارا وسألت جلال الشيخ وهو أحد القائمين بهذا الدور عن عملية التثقيف الانتخابي والمعوقات التي تواجهه وعن مستوى الوعي الانتخابي في تلك المنطقة، حيث قال إنهم يقومون بهذا الدور انطلاقاً من واجبهم الوطني الذي يحتم عليهم المساهمة في نجاح العملية الانتخابية والتي تمثل نقطة تحول مفصلي في تاريخ السودان ونجاحها يعني التأكيد على مدى وعي الشعب السوداني بحقوقه الدستورية مضيفاً انهم يقومون بعملية التثقيف في هذه المناطق انطلاقاً من حاجة الناس هنا لمثل هذا الدور من الانشطة والتي يقدمونها عبر رسالة مصورة توضح مراحل العملية الانتخابية وعدد البطاقات وشكل مركز الاقتراع والاشياء الممنوعة مضيفاً انهم وجدوا تجاوباً من الناس ورغبة في التعلم وبالرغم من عدم قدرتهم على تغطية كل المناطق إلا أنه يقول (شيء أفضل من لا شيء)، مؤكداً كذلك على دورهم الحيادي في هذه العملية بعيداً عن كل المنظومات السياسية والاحزاب، التي يرى فيها عاملاً مساعداً في إكمال ما بدأه متمنياً ان تكون الانتخابات القادمة تعبيراً حقيقياً عن تطلعات ورغبات الشعب السوداني وتكون هى وسيلة الحصول على الخدمات الاساسية والتي تحتاجها المنطقة بشدة. من جانبه أكد حاتم ميرغني مرشح المؤتمر السوداني للمجلس الوطني بام روابة عن ضعف عملية التوعية والتثقيف الانتخابي بالرغم من اهميتها مشيراً إلى أن جل الخطاب السياسي يتم توجيهه نحو الاساءة للآخرين دون إستثناء والاحزاب السياسية لا تقوم بإعطاء أهمية لعملية التثقيف الانتخابي بالرغم من أهميتها في نجاح الانتخابات وضمان تزامنها والتقليل من عملية التالف من بطاقات الاقتراع ، الأمر الذي يحتاج بدوره لمجهود كبير من قبل المرشحين والمفوضية وكل الفاعلين في العملية الانتخابية بإعتبار ان نجاحها هو نجاح للجميع وهو وسيلة لتحقيق غايات ورغبات المواطنين في الحصول على حقوقهم الاساسية الصحية والتعليمية ومياه الشرب النقية بإعتبارها واحدة من أكبر الهموم للمواطن في كردفان. ٭ حديث المرشح الاخير كان هو مدخل لتناول الجوانب الاخرى في العملية وهى تلك المتعلقة بالحراك الانتخابي من قبل المرشحين على كافة المستويات في العملية والذين بدأوا في السعي للتواصل مع الناخبين عبر حملاتهم الدعائية سواء كان على مستوى الملصقات او اللافتات المضيئة أو حتى من خلال الخطاب الجماهيري الحاشد والذي يمثل سمة اساسية في تلك المناطق، والذين يهتمون بالعملية اهتماماً منقطع النظير. وبدأت المسألة من قبل مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية عمر حسن احمد البشير في جولته الكردفانية حيث وعد الناس باستكمال مشاريع التنمية والسعي لتحقيق رغباتهم وامنياتهم مؤكداً ان الأمر ليس هو بعيشة مواطن المنطقة حقيقة، الذين ينظرون لهذا التنافس بعيون الترقب لما هو آت، كردفان تنافس انتخابي تتداخل فيه مجموعة من العوامل الإثنية والعرقية والتاريخية وتشارك فيه مجمل القوى السياسية المسجلة والتي تمتلك حق التنافس للوصول، إلا ان هنالك حالة من التنافس الذي تكاد تتساوى فيه الكفة ما بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يمتلك قاعدة كبيرة في تلك المناطق ويمتلك كذلك مرشحه لمنصب الوالي ميرغني عبد الرحمن فرصة كبيرة للفوز بالمنصب والجلوس على مقعد حاكم الولاية، فيما تظل صورة البشير بشجرته خيار للكثير من الناخبين في تلك المناطق دون أن يعني ذلك غياب فرص الآخرين في الوصول والحصول على مقاعدهم من الاحزاب الاخرى أو حتى الاحزاب التي يمكن وصفها بأنها أحزاب (صفوة ومثقفين) تجد قبولاً منقطع النظير في كردفان وكمثال لذلك حزب المؤتمر السوداني، الذي يكاد يكون قد ضمن دائرته في النهود عبر مرشحه ابراهيم الشيخ، والذي اصبح خيار الناخبين الاول في تلك الدائرة. وحتى المستقلون يمكن ان يحققوا نتائج تؤهلهم للولوج الى المجالس التشريعية في الولاية. كانت تلك هى الوعود التي تقابلها حالة الانتظار من قبل الناخبين الذين يمدون اياديهم نحو القلم لكتاب السعادة القادم من المواعيد ينطلقون من المثل القائل (الفي ايدوا القلم ما بتكتب روحه شقي). القلم الذي يلعب دور الاستيكة من خلف الصندوق في يوم عبرت عنه المفوضية دعاية انتخابية بقدر ما هو مسؤولية اخلاقية تجاه اهلنا معترفاً بتقصيره في هذا الجانب ذلك من خلال الحشد الذي شهدته مدينة النهود حيث وعد باستكمال الطرق الداخلية بعد ان انجزوا طريق النهود الابيض واعداً كذلك بوضع حلول نهائية لازمة المياه في كل كردفان ومد المواسير في كل البيوت من اجل الانسان واستخراج ثروات الارض الكامنة لتنبت شجرة الخير ويمتد ظلها في كل مساحات الوطن الكبير. انتهى خطاب البشير وجولته في المنطقة ليبقى قانون الفعل ورد الفعل باعتباره احدى مكونات العملية السياسية حيث عاد مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل ميرغني الحاج سليمان في خطابه الجماهيري في معظم مناطق الولاية والذي امتلأ بالوعود التي تهدف لعلاج ازمات الولاية ومحاربة الفساد وتوفير فرص للعمل بالنسبة للشباب واعادة كردفان سيرتها الاولى ومد الطرق ما بين المناطق المختلفة، ولم تكن المياه بالطبع غائبة عن برنامج ميرغني الانتخابي حيث وعد الناخبين بجلبها من النيل وحل المشكلة حلاً نهائياً يهدف في جانبه الاول لتحسين مستوى المعيشة ومحاربة الفقر ولم تكن وعود الساعين للوصول للمناصب التشريعية بمستوييها القومي والولائي اقل من تلك الوعود التي اطلقها مرشحو المناصب التنفيذية والتي لو نفذت على ارض الواقع لجعلت اهل كردفان يسبحون في عوالم ما بعد الرفاهية. الا ان العملية لا تعدو سوى محاولات للحصول على الاصوات التي يفضحها الواقع في ملصقاتها «صوت وسرك في بئر» وهو نفسه الشعار الذي حوله الناخبون لصوت من اجل البئر، والدونكي والمياه وهو الامر الذي بدا بارزا من خلال مطالب معظم اهالي قرى كردفان والتي تمثل المياه احد الاولويات التي تحتاج لحلول عاجلة ومستعجلة بعيدا عن حالة الوعود والتسويف .وقال لي ولي الله وهو احد الشباب المقيمين في قرية البديرية وبعد ان خرج من فصل الامية الذي اجتمعت فيه حوالي التسعين امرأة بمختلف الاعمار انهم يأملون في اصواتهم خصوصا ان القرية بها عدد مقدر من المسجلين في الحصول على مياه تقلل من حدة المعاناة وفي اعادة بناء فصول المدرسة وفي وجود طبيب ومساعد طبي لتوفير العلاج، مطالب اهل البديرية التي نطق بها ولي الله بدت موضوعية وحقيقية في آن واحد وان كانت تؤكد في جانبها الآخر على فشل السابقين في اداء ادوارهم وبدا ولي الله في حالة من الحبور بتوافد المرشحين للحلة وكان لسان حاله يعبر عن قول حميد في دائرتين بوسطة ومدرسة اوسطى وشفخانة محل النقطة الا ان يصل كونه يحينا ويقنب فينا كفاية علينا البديرية تحي الانتخابات التي جعلتنا نعود لذاكرة من يمسكون بمقاليد السلطة ويوزعون الخدمات على المواطنين، واقع قرية البديرية قد يكون افضل من حال كثير من القرى الاخرى في كردفان والتي تحيط بها الرمال والآلام وغياب الخدمات وضعف الاهتمام من المسؤولين في ازمان مضت. ويتطرق ولي الله لموضوع اساسي مفاده انهم يسعون لمن يقدم الخدمات ولا يفرقون بين المرشحين الا من خلال احساس المصداقية في التعاطي مع قضايا المواطنين وكان لسان حاله يقول كلو عند العرب صابون، وهم في انتظار من يغسل عنهم هموم السنين ويحملهم نحو بوابات المستقبل من خلال توفير الخدمات الاساسية والتي تجعلهم يحسون بأن المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات وهي عنصر المساواة ما بين الكافة داخل حدود الوطن. لسان الحال كان كذلك من قبل كل المواطنين وهم يمارسون رحلة اللهث اليومي خلف لقمة العيش وجرعة الماء والطباشيرة التي تمسح الامية والفصل الذي يحمي طلابه من لهب الشمس والبرد والاستاذ المقيم ما بين تلاميذه والطبيب المداوي. من احلامهم التي يرسمونها من خلال واقعهم الذي يعيشونه وينطلقون في ذلك من نواياهم الطيبة والتي تجعلهم يستقبلون كل القادمين يحملونهم على اكف الراحة وينصتون اليهم يهتفون بعدها بعبارة خير ان شاء الله وهي اقرب العبارات على ألسنتهم، رغم سوء الواقع وضنك العيش الذي جعلهم يبحثون عن الذهب في الاودية التي غطتها الرمال في اطراف الولاية برغم صعوبة ذلك وزي ما بقول المثل «المودر بفتش خشم البقرة». فهل تدر ابقار الانتخابات حليب الخير ناصع البياض الذي يقود البلد والناس لبر الامان ام ان وعود المرشحين ستختفي خلف رمال الاهمال بعد الحصول على أصوات الناخبين.