قضية عمال الشحن والتفريغ بجنوب دارفور من القصص الانسانية المؤلمة التي انفعل معها ضمير المدينة حزنا وحسرة، وذلك لأن منسوبي النقابة تعرضوا بحسب كثيرين لظلم واضح من قبل نقابتهم التي كانت تستقطع منهم اشتراكات شهرية لسنوات طوال، وبعد ان ترك معظمهم المهنة اكتشفوا ان الاموال التي كانوا يدفعونها لاتقاء شر الايام تبخرت ولا يعرفون الي اين ذهبت ومن قام بتحويلها لمصلحته الخاصة، وهذه القضية مازالت فصولها مستمرة لاكثر من ثلاث سنوات، وتعاقب عليها عدد من القضاة والمحامين، وحتى الان مازالت تراوح مكانها امام محكمة جنايات ?يالا برئاسة مولانا طارق هاشم محمد. وفي القضية حكايات تستوجب الوقوف عندها لمعرفة حجم المعاناة التى لحقت باشخاص افنوا زهرة عمرهم فى عمل دؤوب طوال ساعات اليوم، حيث يعرضون حياتهم لمخاطر الموت او الاعاقة التي قد تقعدهم العمر باكمله. فعامل الشحن والتفريغ يقوم فى الصباح الباكر متوجها نحو عمله تاركا افراد اسرته وهو يواجه احتمال العودة او الفقدان الى الأبد، وذلك لجملة المخاطر التى تحدق بهم خلال فترة العمل، وهم يعتلون قمم الشاحنات والجرارات لانزال البضائع وبعض الحمولات الثقيلة، لهذا رأى نفر كريم من عمال الشحن والتفريغ تكوين نقابة لهم تنظم عملهم ويدفعون لها الاشتراكات السنوية والشهرية التى تعينهم على مواجهة ظروف الحياة المختلفة وتصاريف الدهر، فقاموا بفرضها على منسوبي المهنة للمساهمة بها ايضا فى الاتراح والافراح، ولمجابهة رسوم التعليم لابن?ئهم وتأمين حياتهم بعد التقاعد عن العمل، بيد ان عمال الشحن والتفريغ لم يكونوا يتوقعون من النقابة تركهم يواجهون صعوبات الحياة لوحدهم، ولم يخطر ببال احدهم أن تضيع هذه الاموال وتذهب لصالح افراد استباحوا عرق الآخرين. «الصحافة» زارت المرضى والمصابين والعاجزين عن العمل من عمال الشحن فى منازلهم بأحياء مدينة نيالا المختلفة. وهناك التقينا بالعم جمعة حسن «70» الذي يسكن بحى السلام غرب وعمل لاكثر من 32 سنة فى مهنة «العتالة» وكان يدفع الاشتراكات بصورة منتظمة منذ تكوين النقابة، فألم به المرض منذ عام 2008م، وهو طريح الفراش، وأجبرته ظروف المرض على بيع جزء من منزله لمواصلة العلاج وتوفير المصاريف لاسرته، ولم يجد ابناؤه امامهم خيارا غير ترك الدراسة، فيما اصر احدهم على الاستمرار. وتعاني الاسرة في سبيل ان توفر له مستلزمات الدراسة، ويق?ل العم جمعة إنهم الآن لديهم سرير واحد بالمنزل، ويفترش معظم افراد الاسرة الارض، مشيراً إلى أن ابنه طُرد من المدرسة بسبب رسوم الامتحانات وصيانة المدرسة، وليس بمقدوره توفيرها، خاصة انهم بالمنزل لا يملكون قوت يومهم. وفى الاتجاه ذاته ترك بعض افراد اسرته المنطقة وعادوا الى بلدهم الاصلى بغرض الزراعة والعيش، فيما يظل هو بنيالا ويرافقه ابنه الصغير، ولكن للظروف المأساوية الحرجة التى يمر بها لم تتركه جارته مريم عبد الجبار التى جاءت نازحة من غرب دارفور، واشترت منه نصف المنزل العشوائى، وفضلت ان يكون الحوش واحداً حتى ت?مكن من رعايته وتقديم المساعدة له، وتقول الحاجة مريم انها تعمل بالمنازل وتقدر دخلها ما بين ال «5 الى 8» جنيهات فى اليوم، وتشير الى انها في بعض الايام لا تجد عملاً وتعود في المساء وتجد العم جمعة لم يتناول أية وجبة منذ الصباح، وتشير الى ان العم جمعة يعاني امراضاً عديدة ولم يجد من يقف بجواره، يقول جمعة إن لديهم نظاماً فى مكان العمل يسمى «التكل» لمعاونة بعضهم في حالات عدم العمل وذلك باقتسام العائدات بينهم، مشيرا الى خصم اشتراكات النقابة منهم دون مساهمتها في حالات مرضهم، وتحسر عم جمعة على عدم اهتمام اصدقائه به.? والتقت «الصحافة» بأحد المرضى بحي الثورة شرق يدعى احمد هارون، وكان يعمل سائقاً لكنه تعرض الى حادث نهب أصيب خلاله بكسر في رجله ولم يعد باستطاعته قيادة البصات السفرية، فاضطر الى العمل فى مهنة الشحن والتفريغ بسوق موقف الفاشر، فاستمر حوالى عشر سنوات فى هذه المهنة الى ان اصيب في العمل وتم نقله للمستشفى، وقرر ابناؤه نقله للخرطوم لتلقى العلاج، وهو الآن لا يستطيع الحديث بصورة طبيعية نسبة لما اصابه من ارتخاء فى الحبال الصوتية، لكنه يستطيع التحرك بحرية كاملة وينتظر فى كل صباح ان تأتيه اخبار جيدة من المحكمة التي تنظر ?ي قضيتهم العادلة حسب وجهة نظره، وكان قد اشار الى ان النقابة تجاهلته تماماً ولم تقف معه لمجابهة محنته المرضية. ومن جانبه يحكى أرباب رمضان أبكر «65 عاماً» ويسكن بحى طيبة بنيالا، قصته التي جعلتنا نحن الموجودين ننفعل معه، فانهمرت دموعنا تأثرا بقصته الحزينة مع النقابة، وتعود اصابته بكسر فى ساقه اليسرى الى حادث مروري داخل المدينة اثناء عودته من العمل لمنزله، ويقول إنه يعمل بهذه المهنة لاكثر من 25 سنة، ويدفع كل الاشتراكات مطمئناً إلى أن النقابة ستساعده بعد تقاعده عن العمل، ولكنه اصطدم بواقع مرير وأليم اثناء وجوده بالمستشفى، ولم تسأل عنه النقابة، فاضطر للخروج من المستشفى والذهاب لتلقي العلاج البلدى، وكانت النتيجة تلف رج?ه، وهو الآن لا يستطيع العمل، لافتاً إلى أنهم الآن ينتظرون الانصاف من القضاء فى قضيتهم العادلة ضد النقابة الظالمة التى امتصت دماء العمال حسب قوله، وفى الاتجاه ذاته التقت «الصحافة» بعدد من عمال الشحن والتفريغ الذين تحولوا الى «شحادين» فى السوق لكسب قوت يومهم، وهم يندبون حظهم العاثر الذي جعلهم يدفعون الاشتراكات لسنوات طويلة للنقابة، ولكنهم الآن يجنون الهشيم، وهم الآن اكثر من خمسين شخصاً، بينما طالب عدد من المعوقين والمرضى وذوى العاهات الجميع وخاصة الاعلاميين، بتسجيل زيارات ميدانية للوقوف على أحوالهم وعكسها ل?رأي العام حتى يجدوا الانصاف العادل فى أكبر قضية لفساد مالى وادارى بالولاية، فيما مازالت محكمة جنايات نيالا برئاسة مولانا طارق هاشم محمد تواصل جلساتها للاستماع للمتهمين من الضباط الثلاثة فى بلاغ خيانة الأمانة.