يدخل المغرب الجمعة المقبل تجربة جديدة في انتخابات تشريعية، يتنافس فيها 25 حزبا، وستختبر العملية المصداقية السياسية لبلد مستقر تنازل فيه الملك محمد السادس عن سلطاته ونزع عن نفسه القدسية عندما طرح تعديلات دستورية وضعت بلاده على أعتاب ملكية دستورية، وينص الدستور الجديد الذي كنت أحد شهود الاستفتاء على تعديلاته ،على إحداث مجلس أعلى للقضاء لضمان استقلال السلطة القضائية، كما ينص على الاعتراف بالبربرية التي يتحدث بها ربع سكان المغرب، لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وهو ما اعتبر حدثا تاريخيا، وسيكون بإمكان رئيس ?لوزراء المنبثق عن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، حل مجلس النواب وهو ما كان من صلاحيات الملك وحده. ويوسع الدستور الجديد مجالات اختصاص البرلمان، وللمرة الأولى ينص مشروع الدستور على أن "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية". وتعتبر المملكة المغربية من الدول العربية القليلة التي اتخذت منذ استقلالها 1956 ، من الليبرالية والديمقراطية والتعددية الحزبية منطلقا ، إلا أنها لم تتمكن من إرساء تجربة سياسية ديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا، نتيجة نزعة الضبط القبلي والتحكم في نتائج الانتخابات وخلق أحزاب إدارية تخضع بالكامل لإملاءات السلطة المركزية، خوفا مما قد تفرزه الصناديق من نتائج تتعارض ومصالح أصحاب القرار. ولكن من دون أية مزايدة شكلت المغرب استثناءً ملفتاً في تعاطيها مع الحراك الشعبي الوطني، فبمجرد أن هب الشبان المغاربة للتعبير عن مطالبهم بالحرية والكرامة والعدالة ومحاربة الفساد، تدخل العاهل المغربي في خطاب تاريخي ليعبر عن استعداد النظام لإحداث تغييرات جذرية وعميقة تلبي مطالب الشارع المغربي التواق إلى التجديد والتغيير، وتم الإعلان عن حزمة من الإصلاحات، أبرزها تغيير الدستور ، وإطلاق سراح أغلبية المعتقلين السياسيين. والآن تعيش المملكة المغربية على إيقاع الحملة الانتخابية البرلمانية، ومع اقتراب الانتخابات أعلنت بعض القوى الصغيرة من السلفيين مقاطعتها لهذا الاستحقاق الوطني، ولعل أبرز التحديات التي تواجه الشعب المغربي في هذه الانتخابات التشريعية المبكرة هو الشفافية والمصداقية، كما أن هناك تحدياً آخر يتجسد في نسبة المشاركة، حيث أن المشاركة في الاقتراع البرلماني المغربي الأخير «2007» لم تتجاوز 37 في المائة، ومع حدة المنافسة يمكن أن تصل النسبة إلى 50 في المائة مما سيكون نجاحا كبيرا. ويعتقد أن الداعين إلى الإحجام عن المشاركة، يخشون المنافسة، وانكشاف حجمهم،وابرز المقاطعين حركة 20 فبراير التي تضم أغلبية من الشباب وراديكاليين يساريين وإسلاميين ، ويتوقع أن يحرز حزب العدالة والتنمية الإسلامي تقدماً،بسبب اعتداله وبرنامجه الطموح ، ويعد الحزب الإسلامي أبرز قوى المعار?ة حاليا ويمثله في البرلمان 47 نائبا، ويواجه الحزب ائتلافاً من ثمانية أحزاب متحالفة مع التجمع الوطني للأحرار الليبرالي. ويستلهم زعيم حزب العدالة والتنمية «عبد الإله بن كيران» التجربة التركية في الاعتدال والمرونة مما يطمئن المغاربة، الذين يعتمد اقتصادهم على السياحة والتعاون والتبادل التجاري مع الدول الأوربية،وحتى إن لم يشكل الحزب الحكومة التي ستفرزها الانتخابات فانه سيكون قوة سياسية لا يمكن تجاوزها. التجربة المغربية التي أرساها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش في العام 1999،جديرة بالاهتمام لأنه اتخذ خطوات شجاعة بدأت بالحقيقة والمصالحة التي طوت أربعة عقود من المظالم والغبائن،التي خلفتها انتهاكات حقوق الإنسان، وتماثل لجنة الحقيقة والإنصاف في جنوب أفريقيا عقب مرحلة الفصل العنصري،كما أطلق الملك حرية التعبير والصحافة، وقد شهدتُ خلال زيارة قصيرة للمغرب التعامل الحضاري للشرطة مع متظاهري "حركة 20 فبراير" الشبابية واحتجاجاتهم المتواصلة في مدن المملكة فلم يتصد لهم الشبيحة ولم تنزل الدبابات إلى الشوارع لدك ال?ناهضين للحكم،.. المغرب تمضي على الطريق الصحيح بلا ضجيج ووعي بتحديات وطن يعيش وسط زلزال سياسي ورياح تغيير عاتية.