عبر المغرب محطة جديدة في مساره الديمقراطي في خطوة تعتبر استجابة لمطالب التغيير المطروحة في الشارع العربي، ونجت البلاد مما رافق ثورات الربيع العربي من عنف وتدهور في بنية الدولة كما جرى في اليمن ومصر وسوريا، وذلك عندما عاجل الملك محمد السادس نسيم الربيع العربي قبل أن يهب على بلاده بإجراء تعديلات دستورية في يوليو الماضي ستمكن لأول مرة الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان من تشكيل الحكومة ومنح رئيس الوزراء سلطة حل الحكومة. وأعلن وزير الداخلية المغربي طيب شرقاوي في مؤتمر صحافي أمس أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي حصل على 80 مقعدا من مقاعد البرلمان ال395، إلى جانب توقع الفوز بحوالي 30 مقعدا في اللائحة الوطنية مما يرجح حصول الإسلاميين على ما يفوق 110 مقاعد،وهو اكبر عدد من المقاعد التي يحصل عليها أي حزب منفرد في الانتخابات، بحسب نتائج أولية، وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 45,5 بالمئة. ورغم حملات التشكيك التي بثها مناهضو الإسلاميين من اليسار والمحافظين المتوجسين من أن وصولهم إلى السلطة سيخرب علاقات المغرب مع الدول الأوروبية شريكة دولتهم في التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، نال الإسلاميون ثقة الناخب المغربي ،وهذا أيضا يحسب للدولة ،فليس ممكنا أن يحتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى إذا لم تحترم الدولة الحياد والتزمت النزاهة وإجراء الانتخابات في جو من الشفافية جعل الحزب يحقق ما تنبأ به المراقبون،ويعزز صدقية الدولة حضور أكثر من 300 مراقب دولي عملية التصويت، إلى جانب 3500 مراقب محلي. ومما ساعد في صعود الإسلاميين تراجع الأحزاب التقليدية، بجانب عوامل مرتبطة بظروف داخلية تتعلق بالنظام السياسي، كما أن الشعب المغربي يرنو نحو التغيير، وهناك من صوتوا للعدالة والتنمية ليس اقتناعا بالبرنامج الانتخابي للحزب، أو إيديولوجيته، ولكن إما انتقاما من الحكومة الحالية، أو أنهم لم يجدوا البديل، وأرادوا اختبار خطابه وشعاراته وإمكان ترجمتها إلى واقع، خصوصا أن دعاية الحزب ركزت على الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد وهي أهم مطالب عامة المغاربة إضافة للعدالة الاجتماعية. ويتوقع أن يتجه حزب العدالة والتنمية إلى التحالف مع الكتلة الديمقراطية المكونة من حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري، وحزب الاستقلال المحافظ، وحزب التقدم، والاشتراكي اليساري، وسيكون تحالفا بين الإسلاميين والاشتراكيين كما حصل في تونس، للتعبير عن الفسيفساء السياسية والاجتماعية لمجتمعات المغرب العربي. فحزب النهضة الفائز في تونس لم يستحوذ على أغلبية مطلقة وتقاسم السلطة في النهاية بترويكا ثلثاها لصالح الحداثيين والليبراليين. المقاعد التي حققها "العدالة والتنمية" القريب من نهج النهضة ووسطيته قد تضعه على رأس الحكومة، لكنها كشفت عن واقع جديد، وهو أن خطاب التيار الإسلامي السياسي بلغته التقليدية لم يعد يدغدغ مشاعر المجتمع كالعادة، وأن الأمر تغير عن آخر انتخابات حقق فيها هذا التيار فوزا كاسحا، وهو الذي حصل في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. ولهذا صارت اللغة متقاربة للغاية بين الإسلاميين والليبراليين في المعترك السياسي، والرهان في النهاية سيكون لصالح من يقدم برنامجا واقعيا لحل المشاكل الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وبث عبد الإله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية تطمينات،عندما أعلن استعداده لتشكيل ائتلاف حكومي للدفاع عن "الديمقراطية" و"الحكم الرشيد"، وتابع "ما يمكنني أن أعد به المغاربة هو أني سأحاول أنا والفريق الذي سيعمل معي، أن نكون أكثر جدية وعقلانية". وليس مؤكدا أن يأتي عبد الإله بن كيران رئيسا للوزارة، لأن الدستور الجديد للمغرب ورد فيه تعديل مهام ،وهو أن الملك لا يعين- على غرار ما هو الحال في بريطانيا أو إسبانيا- رئيس الحزب الذي تصدر الانتخابات كرئيس حكومة، الدستور ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من داخل الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات التشريعية، وعبارة "من داخل" تعني أنه يمكن للملك أن يعين أية شخصية أو مسؤول من هذا الحزب، إذ لا يتعلق الأمر، كما يتصوره البعض بتعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة، ولكن إذا حصل هذا، فسيتعلق الأمر ?تعيين شخصية عاقلة متزنة رزينة ومرنة ذات نظرة اقتصادية، فقد التقيته غير مرة، وليس أمامك عندما تحادثه إلا أن تحترمه. تحية للمغرب حكومة وأحزابا وملكا، فقد قدموا تجربة ديمقراطية ناضجة، ونتمنى أن يوفقوا في تشكيل حكومة تتصدى لهموم شعبهم،ونأمل أن تجتاز مصر التي تستعد لانتخابات تشريعية التجربة بنجاح كما حدث في تونس والمغرب.